IMLebanon

اقتصاد لبنان غير مطابق للمواصفات!

LebanonEconomy2
ماجد منيمنة

تغيب عن الاقتصاد الوطني الخطط الواضحة، ويفتقد إلى المسار التنموي المحدد. وطوال ربع قرن من الزمن، لم يتمكن المسؤولون من حسم موقفهم الإقتصادي، وتحديد على أي الجانبين يريدون الإتكاء.
وظل اقتصادنا حبيس التوجهات المختلفة، للمسؤولين الذين تعاقبوا على صناعة القرار الاقتصادي، والممسكين بالملفات الساخنة والحساسة فيه. هذه من أكثر نقاط الضعف التي انعكست سلباً على الإقتصاد اللبناني، الذي يسير بلا توجه، وبلا بوصلة، وبلا موقف. فالتنمية المشتتة، هي حصيلة العقود الماضية من العمل. والخيبات الكبيرة التي لحقت بالمواطن، هي حصاد ما وضعته الحكومات المتعاقبة من خطط وبرامج تنموية. وليس من قبيل المصادفة، أن تفرز الأزمة الراهنة سوء التخطيط الذي عانى منه اقتصادنا في السنوات السابقة، مشاريع أطلقت بلا دراسات جدوى ولزمت بالتراضي من دون مناقصات أو مزايدات، وتعويضات مالية دفعت من دون حق للمحسوبيات، وشركات هدرت آلاتها بلا جودة في المنتج، وسواعد تدربت فلم تجد لها مكاناً في العمل، ومؤسسات شُيّدت وفقاً لأفضل أنواع التصميم المعماري، لكنها بلا مضمون، ولم تؤدِّ دورها المطلوب.
وبدلاً من تشكيل قوى بشرية ماهرة، ظهرت قلاع من قوى الفساد، عميقة الجذور، يصعب خلخلة بناها الراسخة في المؤسسات الحكومية. بمعنى، أن حجم الكوارث التي تسبب فيها سوء التخطيط الإداري، أكبر بكثير، مما خلفته الحرب الأهلية من خسائر اقتصادية.
برع عدد من المسؤولين في إيجاد المبررات الكافية للأزمات المعيشية والاقتصادية التي تضيّق الخناق على المواطنين، وتزيد من أعبائهم، وتضعهم أمام خيارات صعبة. ويسهم هؤلاء في خلق أزمات اجتماعية، عبر رفضهم الاعتراف بوجود تحديات تتطور لتصل إلى مصاف الأزمات الخانقة، يصعب فيما بعد معالجتها وحلها، ويتعذر مواجهة آثارها الاجتماعية والاقتصادية. هذه هي ثقافة المسؤولين، ثقافة  تنطلق من مبدأ، أن الأمور تسير بدقة كعقارب الساعة، تبعاً للخطط المُقرَّة، وأنه ليس هناك ما يعرقل التنفيذ، أو يعترض التطبيق. هذه الحالات غير الموجودة إلا في الأحلام، يمكن أن نلمسها الآن في تصريحات وأقوال شخصيات حكومية، نتيجة رغبة عدد من المسؤولين، عدم خلع ثوب الانتماء الحزبي والاستمرار بدعم مصالحهم الضيقة على حساب هيبة الدولة وخزينتها، من خلال الخوض بالمحرمات ضاربين بعرض الحائط مصلحة المواطن وحالته الاجتماعية المزرية المتمثلة بضيق الحال المعيشي، وتردي الخدمات، والفقر المتزايد، والأسعار المنفلتة، والدخل والأجور المنخفضة.
خطط خمسية وعشرية، ما يشبه النكتة، تتعلق بالعبارات المكررة والرتيبة التي لا يمكن النظر إليها بحيادية مطلقة. سنوات طويلة لم تتغير من خلالها الديباجات، والمقدمات، وعجز كبير في إيجاد أي حلول لمعالجة قضايا تمس مصلحة المواطن، إلى جانب العقم الواضح في خلق منجزات يمكن الحديث عنها. هل يمكن تخيّل أن يتكرر خطاب المسؤول من مناسبة إلى أخرى إلى حد التطابق؟ والسؤال الآن هل تعتقد الحكومة أنها قادرة على الدخول من الباب الواسع لتحسين الوضع الاقتصادي المتردي، وللنهوض بالواقع، بهذه الخطط الهزيلة؟ قطعاً لا، فالإنجاز الاقتصادي على الصعيد الوطني، لا يُعبّر عن حجم الإمكانات والطموحات في آن واحد، وما هدرته الحكومات المتعاقبة من سنين يفوق في خطورته ما هدر من ثروات وأموال عامة، فعامل الزمن الذي لا قيمة له لدينا لا يمكن تعويضه بثروة مهدورة بلا منازع، والمجال الاقتصادي الذي لم تتمكن خطة من الاقتراب منه، ولم تلامسه خطة مالية لأية حكومة والزمن الذي نستغرقه لوضع خطة، أو إنتاج سلعة، أو اتخاذ قرار، لا يتناسب مع السرعة الهائلة التي يتطور بها الاقتصاد العالمي، ولهذا نأتي دائماً متأخرين عندما كنا دائماً نحن السبّاقين. سنوات هدرت، لنكتشف في ما بعد أن الحكومة أخطأت النهج، لنعود ثانية إلى المربع الأول. هذا هو هدر الموارد، وتضييع للفرص المتاحة، وإجحاف كبير بحق اقتصادنا المتخلف، وتضاف إليه سمة جديدة حالياً أنه اصبح اقتصاداً متهالكاً ومنهكاً بامتياز. هدر الموارد على إختلافها أصبح نهجاً منظماً، ولم نطوّر اقتصادنا بالشكل الذي يحقق الطموح الوطني، لنكون في مصاف الاقتصاديات المتطورة، وما زلنا، رغم أزماتنا القاهرة، نتجنب البحث عن خطة تحمي اقتصادنا، وتعزز من حضوره وصموده، وبالمحصلة نرسم فشلاً تلو آخر.
الرد على هموم الناس ومطالبهم، ليس منّة حكومية، ولا ترفاً لسنا بحاجة إليه، هو واجب على المسؤولين، وأحد مهامهم المطلوبة.
والفرق بين أن يعترف المسؤول بوجود أزمة ما من عدمه، هو في خلق نوع من التعاون، والجو الإيجابي، بغية إيجاد حل من جهة، واستيعاب المتضررين من جهة ثانية. وما يتطلب لتغيير الصورة النمطية للمسؤول، لدى الناس، هو اندماج هذا المسؤول مع قضايا المواطنين وهمومهم، بالدرجة الأولى. ويبدو أن عدداً من مسؤولينا شركاء في صناعة الأزمات المتلاحقة، بينما بعضهم الآخر يمارسون دوراً أكثر خطورة، بصمتهم وغيابهم عن الساحة. والسؤال هنا لماذا لا تتحقق أهداف التخطيط الاستراتيجي رغم تأكيدات الحكومة بأن لديها خطة تنموية يتم رصد المخصصات المالية لها سنوياً والمصادقة عليها من كافة الجهات المعنية.
وبوجود أموال مرصودة، وأخرى موعودة، ومنح من كل حدب وصوب بمئات الملايين لا أحد يعرف مصيرها لا بل نسمع من الإعلام أنه لم يتم استغلالها إلا من قبل المسؤولين ولم يلمس منها المواطنون أية نتائج لمشاريع تنموية على أرض الواقع التنموي ولا التربوي ولا الصحي ولا الثقافي ولا الرياضي ولا الخدماتي. وتدعي الحكومة بأنها أدت رسالتها وهي ملتزمة بتنفيذ الخطط الاستراتيجية وفق ما تم الإعداد له ولا أحد يريد أن يعترف أن هنالك ضعفاً بالأداء لتلك الحكومات المتعاقبة وتدنياً بمستوى أدائها الوطني.
نطالب بأن يعمل المسؤولون على ترسيخ الفكر الاستراتيجي كسلوك معرفي ونظام حياة لا يتوقف عند حدود معينة، ولو كنا قد عملنا بهذا الفكر منذ سنوات ولو بجزء منه حسب الإمكانيات المادية لما عانينا من التخلف الكبير في ميادين التنمية والتخلف عن ركب التقدم والتحضر، ولما اخترقت التنظيمات المتطرفة عقول الشباب المواطنين واللاجئين، ولكان هناك بناء قدرات مؤسساتية بالمجتمعات المحلية بقوى وطنية في مختلف المجالات وتعبئة الموارد البشرية والتأييد الوطني لهذه الرؤى متسلحة بالشفافية والمصارحة والمشاركة والتوافقية في اتخاذ القرارات من مبدأ الديمقراطية، حيث يتم تحديد كافة المتطلبات والاحتياجات حسب الواقع بالإضافة لأهمية وجود إدارات للأزمات وبمشاركة كافة الجهات المعنية والمنظمات غير الحكومية التي هي قادرة على معالجة أي أزمة أو أي اختراق فكري مجتمعي متطرف خارج إطار العمل الوطني. فهل عمل الحكومة مطابق للمواصفات؟.