IMLebanon

دفع الديون أو التعايش معها!

MoneyLebanon4
طوني رزق
تدعو النظريات الاقتصادية والمالية الحديثة والعصرية الى التعايش مع الديون وليس الى الغائها. أما الاسباب فهي مزيج من عدم القدرة على تسديدها ونظرية ضرورة الاستدانة لزيادة حجم الاقتصاد. لكنّ حدود الاستدانة والتعايش مع الديون يتوجب استدراكها. وينطلق ذلك من نسبة الدين العام الى الناتج القومي الذي ارتفع لبنانياً الى 145 في المئة في آذار 2015.

إنه زمن الديون بامتياز. إنّ تفاقم الديون العامة السيادية والخاصة يسود مختلف انحاء الكرة الارضية من دون استثناء. وبالاستدانة المرتفعة تشاركت الدول الغنية والفقيرة في الوقت عينه.

أما مصدر الاستدانة وارتفاعها فيعود الى نظريات اقتصادية اوصت الشركات بدءاً ثمّ انتقل ذلك الى الافراد والحكومات بالافادة من القروض لتحقيق الارباح الاضافية من خلال زيادة الانتاج وتوظيف المال الخاص مع المال المقترَض ايضاً.

وساهمت المصارف والشركات المالية وصناديق الاستثمار التي تعتمد في التمويل على شركات التأمين وصناديق التقاعد وغيرها في دفع الحكومات والافراد والشركات للذهاب بعيداً في الاستدانة، وكلّ ذلك كان ممتازاً لو استمرّ الاقتصاد العالمي بالنموّ ومن دون ازمات مالية قاسية.

أما المرحلة الراهنة والسائدة منذ العام 2008 تحديداً فتشهد ازمات كبرى على مستوى السيطرة على الديون على مختلف المستويات. ويبدي الجميع او الغالبية عجزاً واضحاً وشبهَ نهائي من الايفاء بالديون أو تخفيض حجمها.

ومع العجز في إيجاد الحلول المناسبة لأزمة الديون العالمية ظهرت نظرياتٌ جديدة لمعالجة الديون بالاضافة الى المعالجة التقليدية التي ترتكز على التقشّف من خلال خفض الانفاق وفرض الضرائب الجديدة. فطالب البعض بالتركيز على تعزيز النموّ الاقتصادي وإيجاد فرص عمل جديدة الامر الذي سوف يخفض نسبة الدين العام الى الناتج القومي العام الى مستويات تُعتبر صحّية وإيجابية. وهذا يعني على المستوى الشخصي أو الفردي إيجاد وظيفة إضافية أو مدخول اضافي أو تحسين في ظروف العمل الحالي.

وعلى الخطّ الموازي عمدت المراجع الدولية الى اعتماد التخفيض لأسعار الفائدة في محاولة لخفض كلفة خدمة الديون على الافراد والشركات والحكومات في الوقت عينه. وباتت المعادلة الحديثة في علم الاقتصاد والمال لا تعتمد على تسديد الديون والتخلص منها (لانعدام القدرة على القيام بذلك) بل على محاولة التعايش مع هذه الديون. غير أنّ ذلك لا يعني أنّ الجميع مكشوفٌ على نسبة مخاطر متساوية أو متشابهة.

إذ إنّ بعض الدول الغنيّة والكبرى التي تشكو من احدى اكبر نسبة دين عام الى الناتج المحلي ما زالت تتمتع بالقدرة على المناورة والتحرّك والاستمرار، وينطبق ذلك على كلٍّ مِن الولايات المتحدة الاميركية واليابان على سبيل المثال لا الحصر.

في حين أنّ دولاً أخرى مع نسبة دين الى الناتج العام أقل من ذلك معرّضة لمخاطر كبيرة وحتى الافلاس وابرزها حالياً اليونان. وحتى التعايش مع الدين لا يصلح إلّا للدول التي ما زالت خارج دائرة الخطر والتي يجب أن تحافظ على نفسها خارجَ هذه الدائرة ومنها لبنان.

أمّا معادلة التعايش مع الدين فتقضي بتحقيق نموٍّ اقتصادي يفوق أسعار الفائدة مع استبعاد تأثير نسبة التضخم. ومع التصرّف بحكمة على مستوى الضرائب إذ إنّ رفعها بصورة عشوائية لاطفاء الدين العام لم يعد يمثّل المعالجة السليمة…

أما في لبنان وبحسب أحدث الارقام فقد بلغت نسبة الدين العام الى الناتج العام 145,12 في المئة كما في نهاية شهر آذار الماضي ليبلغ حجمه 69,43 مليار دولار اميركي مع ارتفاع سنوي ونسبته 6,56 في المئة. وذلك بالمقارنة مع 135,46 في المئة في آذار العام 2014.

وارتفعت حصة الدين العام بالليرة الى 60,44 في المئة أيْ 8,23 في المئة الى 41,96 مليار دولار وذلك مع إقبال المستثمرين عليها نتيجة اسعار الفائدة الاعلى. وللتذكير، كان الدين العام منقسماً بالتساوي بين الليرة والدولار في العام 2008. ومصادر الدين هي المصارف بالدرجة الاولى 49,2 في المئة ثمّ مصرف لبنان 34,1 في المئة وغيرها 16,7 في المئة.

وعلى رغم أنّ لبنان ما زال حالياً خارج دائرة الخطر على مستوى القدرة على السيطرة على الدين العام إلّا أنه يقترب من هذه الدائرة مع تسجيله إحدى أكبر نسب الدين العام الى الناتج القومي العام في إطار اقتصادي وسياسي عام يدعو للحذر والتحفّظ الشديدَين.

وفي التطوّر التاريخي للدين العام اللبناني يذكر ارتفاع هذا الدين بعد انتهاء الحرب الاهلية أيْ بين 1993 و2005 بنسبة 775 في المئة الى 38,5 مليار دولار نتيجة الانفاق الكبير في إعادة البناء وعلى سياسات استقرار سعر صرف الليرة. ولتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج العام 183 في المئة في العام 2006.

غير أنّ الوضع مال الى التحسّن في الفترة ما بين العام 2007 والعام 2010 لتنخفض نسبة الدين العام الى 138 في المئة مع تحسّن النموّ الاقتصادي الذي بلغ 9 في المئة سنوياً خلال هذه الفترة.

ويُذكر أنّ لبنان تلقّى خلال هذه الفترة الدعمَ المالي الدولي. لكنّ الوضع تبدّل بين 2011 و2014 ليرتفع الدين العام مقابل الناتج القومي من 132 في المئة في 2011 الى 140 في المئة في نهاية العام 2014 مع تراجع النموّ السنوي الى 2 في المئة في هذه الفترة.

أمّا السيناريوهات المرسومة لتطوّر الدين العام اللبناني حتى العام 2020 فتتفاوت بين أفضلها عند نسبة دين عام الى الناتج القومي عند 135 في المئة واسوَئها عند 179 في المئة ويعكس ذلك دقة الوضع المالي في لبنان الامر الذي يتطلّب تحرّكاً استثنائياً من السلطات والمسؤولين في لبنان لاتخاذ القرارات التي تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي العام في لبنان، خصوصاً أنّ هناك الكثير من الملفات التي تمثل مصادر جدّية للحلول المالية والاقتصادية في لبنان…

في الفترة الاخيرة التي امتدت لسنوات ماضية عدة تمكن اللبنانيون من التعايش مع الدين العام المرتفع من خلال مساهمة مصرف لبنان والمصارف اللبنانية في توفير التمويل الضروري على خلفية التحويلات اللبنانية السنوية من الخارج. لكنّ الامور قد تصل الى حدود قصوى لا يمكن تجاوزها.