IMLebanon

تعطيل عمل “التفتيش المركزي”: الخلاف شخصي؟

CentralInspection2
حنان حمدان
بعد مرور ستة أشهر على صدور آخر قرارات هيئة التفتيش المركزي، الرقم 144/2014، يتضح أن سبب تعليق عمل الهيئة طوال الفترة الممتدة من 16 كانون الأول 2014 – تاريخ صدور القرار- حتى تاريخه، لا يعدو كونه، بحسب مصادر مطلعة، خلافاً شخصياً بين عضوين فيها، ما تسبب بتراكم العديد من المخالفات والتجاوزات القابعة في أدراج الهيئة والتي لا تزال عالقة.
في الواقع، لقد بات معلوماً، أن الخلاف الشخصي بين رئيس هيئة التفتيش المركزي، جورج عواد، الذي تم تعيينه في آخر عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، والمفتش المالي العام صلاح الدنف، المحسوب على النائب طلال إرسلان، تسبب بتعليق عمل هيئة التفتيش طوال هذه الفترة. نظرياً لا يزال هذان الموظفان يتقاضان نحو عشرة ملايين ليرة لبنانية شهرياً، مقابل خدمات لا يقدمون منها شيئاً. علماً أنّ التوصيات والإقتراحات والقرارات التأديبية لا تصبح نافذة إلا إذا إجتمعت الهيئة واتخذت قراراً بوضعها موضع التنفيذ.
ومع ذلك، تخلو مواقف المعنيين بالشأن الرقابي في الإدارة العامة من حس المسؤولية الرقابية وكأننا نعيش في بلد يخلو من مختلف أشكال الفساد الإداري والمالي، ولا نحتاج لأي وسيلة رقابية فاعلة. من جهة أخرى، يرى البعض أن الخلاف القائم يعود أساساً لاختلاف المواقف السياسية التي ما برحت تفتك في مختلف تفاصيل حياتنا، فكيف بالنسبة إلى الهيئات الرقابية؟ ولذلك كانت مبادرة لرئيس الحكومة تمام سلام، لمحاولة حل الأزمة القائمة، لكنها باءت بالفشل.
وبعيداً عن حقيقة الخلاف القائم بين الطرفين والذي لا يُعنى به أي من اللبنانيين، إلا أن تداعيات الخلاف ستنعكس سلباً على مسار عمل أهم هيئة رقابية في لبنان، والتي يفترض أنها تقوم بتحسين أداء الإدارة العامة والمؤسسات الرسمية وزيادة فعاليتها، وذلك باقتراح التوصيات واتخاذ التدابير اللازمة في الميادين التي تخضع لرقابتها، لاسيما في ظل تراجع أداء الإدارات والمؤسسات العامة، وشيوع ممارسة بعض الموظفين لتصرّفات مرفوضة، ما أدى إلى إرتفاع عدد المخالفات والتجاوزات.. والفلتان الذي يزداد يوماً بعد يوم.
علماً أنّ البعض يفسّر هذا الفلتان، بوجود العديد من المواقع الشاغرة داخل الهيئات الرقابية، فالأجهزة الرقابية بعديدها الحالي لا بد ان تكون رقابتها منقوصة، ولكن هل ستساهم التعيينات الجديدة في حال إجرائها، في تفعيل تلك الرقابة؟ ومن ثم هل من يضمن أن يجري التعيين وفقاً لمعايير الكفاءة والخبرة، في حين يحاول الكثيرون إستغلال مظلة سياسية أو غير سياسية للعبث في الإنتظام الوظيفي؟
يؤكد رئيس مجلس الخدمة المدنية السابق، خالد قباني، في حديث لـ”المدن”، أن “تراجع عمل الهيئات الرقابية الثلاث في لبنان، وهي التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، يعود لأسباب سياسية، والعمل من أجل وضع حد للتسيب الحاصل في الإدارات العامة، وإعادة تفعيل عمل تلك الهيئات لا يتحقق إلا بتحييد الرقابة عن كل ما هو سياسي”.
من جانب آخر، يرى البعض أن نظام التفتيش الحالي، هو نظام عثماني قديم، يعتمد على همّة و”شطارة” المفتش وتغيب عنه برامج التدقيق المتطورة، كما يضم موظفين لا خبرة لديهم في أمور الإدارة، هذا إضافة إلى شبهات الفساد العديدة التي تطال الكثير من المفتشين، كمفتشي العقارات مثلاً!

الهيئات الثلاث
شهد عام 1959 بداية إصلاح القطاع العام في لبنان، فقد تم إنشاء هيئات رقابية ثلاث، تُعنى بانتظام عمل الإدارات العامة، سواء لناحية الإحتكام للقوانين أم مراقبة حسن الأداء لتلبية حاجات الناس بأعلى مستوى ممكن، وفي حقيقة الأمر ان الهيئات الرقابية لعبت دوراً مهماً في مطلع الستينات وكانت الإدارة اللبنانية في أوج ازدهارها قبل الحرب الأهلية. وإبان الحرب تراجع دور تلك الهيئات التي أعيد إحياؤها بعد إتفاق الطائف لسبب جوهري هو أنه “لا يمكن أن يستقيم أمر العمل في الإدارات العامة إن لم تمارس الهيئات الرقابية دورها في الرقابة والضبط”، وفق قباني. إلا أن السعي الدائم من قِبل السلطة السياسية لإفراغ تلك المؤسسات من قيمتها، يطرح علامات إستفهام عديدة حول غاية السلطات السياسية الحالية من شل تلك المؤسسات؟ في حين يفترض أن تكون الهيئات الرقابية هي العين الساهرة لرئاسة الحكومة وللدولة عموماً، ويفترض أيضاً ألا تتغاضى عن أي خطأ أو تجاوز أم مخالفة.
يُذكر أن “التفتيش المركزي” هو أحد الهيئات الرقابية الثلاث، يرتبط برئاسة مجلس الوزراء ويتولى وفقاً لقانون إنشائه وأنظمته، مهمة الرقابة على أعمال الإدارات العامة ومدى تطابقها مع القوانين والأنظمة. أما “ديوان المحاسبة” فهو محكمة إدارية تتولى القضاء المالي، وقد تم تعطيله بشكل جزئي، وإقتصر دوره أخيراً على الرقابة المؤخرة دون المسبقة. و”مجلس الخدمة المدنية” ثالث الهيئات الرقابية في لبنان، يتولى تعيين وتدريب الموظفين في القطاع العام، وهو الجهة الرقابية الأكثر فعالية اليوم.