IMLebanon

عدم دعم الشحن البحري: لبنان مهدد بخسارة أسواقه الخارجية

BeirutPort4
لوسي بارسخيان
لم يحمل وزير الزراعة أكرم شهيب الى مزارعي البقاع البُشرى التي انتظروها من دعوتهم للإجتماع به في غرفة التجارة والزراعة في زحلة اليوم. فلا تقدم حتى الآن في ملف الإنتاج الزراعي المحتجز في “جزيرة لبنان” بعد توقف التصدير البري. والمبلغ المالي الذي حدد الوزير شهيب سقفه بـ 21 مليون دولار لإنطلاق عجلة الشحن البحري ودعمه لسبعة أشهر، لا يزال رهن “النزاع السياسي” الجاري والذي يمنع مجلس الوزراء من الإجتماع.
وعليه تبددت أجواء التفاؤل التي كان قد أثارها اصرار الوزير شهيب على النقل التلفزيوني المباشر للقائه مع المزارعين، لينتهي الإجتماع إلى توافق بين شهيب والمصدرين على أن “آخر سبل الحل لن تكون الا بالكيّ”، وأولى بوادره اعتصام دعا اليه رئيس تجمع المزراعين في البقاع ابرهيم الترشيشي السبت المقبل، بعد ان أُمهل المعنيون مزيدا من الوقت لبوادر حلول قد تظهر في حال انعقد مجلس الوزراء، الخميس المقبل، طالما أنه لم ينعقد اليوم.

25 لقاءً متتالياً للمصدرين والمزارعين واصحاب شاحنات النقل المبردة وغير المبردة مع الوزير شهيب، جعلت كلاً منهم ممسكاً بملفه بشكل جيد. فالمشكلة معروفة: الخط البري لم يعد خياراً مطروحاً لتصريف الإنتاج اللبناني. والحل أيضا معروف ويقضي بتأمين البديل عبر البحر، إما من خلال شراء العبارات أو استئجارها. الى جانب مطالبة المزارعين بتسهيل دفع ردّيات ايدال للشحن الجوي. أما المعوق الوحيد الذي حدده الوزير شهيب فهو “في تأمين المال” الذي يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء سواء لتأمينه مباشرة من وزارة المال أو لصرفه للهيئة العليا للإغاثة، فيما المجلس معطل بدوره منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
ولكن إذا كانت الحكومة قد انتظرت 60 يوماً لتوافق مبدئياً على مسألة دعم فارق الكلفة بين الشحن البري والشحن البحري، فإن لا قدرة للإنتاج الزراعي على الإنتظار حتى يثبت هذا الدعم. “فالموسم سريع جداً”، كما قال نائب رئيس غرفة التجارة منير التيني، “والكرز الذي يقطف اليوم لا يعود صالحاً بعد ثلاثة أيام”. ولبنان قد دخل عمليا في مرحلة غزارة الإنتاج، الذي سيبلغ ذروته في شهر آب المقبل من دون أن يلوح في الأفق ما يوصل المزارعين والمصدرين الى شاطئ الأمان.

على قاعدة “لا تشكيلي ببكيلك” يشارك وزير الزراعة وجع المزارعين، مضيفاً أن “الأهم من تصريف الإنتاج في هذا الموسم هو الحفاظ على الأسواق، التي بنيت عبر تراكم الجهد والسنوات، وهي أسواق يجب أن لا تقفل، ومن هنا فإن تصريف الإنتاج فيه خدمة ليس فقط للمزراع وانما ايضا للإقتصاد اللبناني، بينما المضاربة قوية في أسواق الإنتاج اللبناني في الخارج، ولا سيما في الخليج والأردن والعراق وشمال أفريقيا، حيث المزاحمة تأتي من اعتماد هذه الدول على بيوتها الخضراء ومن أوروبا التي صارت قادرة على إغراق الأسواق بإنتاجها وبأسعار تنافسية”.
عندما طرح الترشيشي مسألة إعتصام المزارعين وإغلاقهم الطرق السبت المقبل، أجابه الوزير شهيب أنه سيكون سبّاقاً إلى إقفال وزارة الزراعة للإنضمام اليهم، والمسألة ليست “كيداً سياسياً” كما يشدد شهيب، خصوصا أن الزراعة موضوع يتعلق بكل مواطن لبناني وبكل القطاع الإقتصادي في لبنان.
أرقام ودراسات شهيب تظهر مفاعيل الواقع المر الناتج عن عرقلة تصريف الانتاج الزراعي هذا الموسم. وخلاصتها أن القطاع الزراعي يشكل أكثر من 4% من الدخل الوطني. واكثر من 6% من العمالة الوطنية التي ترتفع الى 25% في المناطق الزراعية. وتساهم الزراعة بـ 80% من الناتج المحلي في هذه المناطق. أما إجمالي الصادرات اللبنانية في العام 2014 فبلغ 780 مليون دولار، اي 24% من اجمالي واردات الخزينة. وعدد المالكين الزراعيين 169512 ملاكاً في لبنان ويصل عدد هؤلاء مع افراد اسرهم الى نحو 817 ألفاً يعيشون من هذا القطاع مباشرة. اما حجم الانتاج المصدّر فيصل إلى 900 الف طن خضار وفاكهة كانت تصدر برياً عبر 37 شاحنة يومياً منذ شهر حزيران حتى كانون الأول. وكان التصدير براً يمثل 71% من انتاجنا، 98% منه يذهب الى الدول العربية، و73% من النسبة الأخيرة الى الاردن والخليج. فيما حجم الصادرات الصناعية الزراعية يصل الى 32.5%، وايضا الى أسواق الأردن ودول الخليج.
أرقام كانت كفيلة ان تدفع اي دولة واعية لحجم الأزمة الأمنية المحيطة بها، إلى أن تبحث عن بدائل التصدير البري، خصوصا أن مشكلة إقفال الممرات البرية الإلزامية بوجه الصادرات اللبنانية تكررت أكثر من مرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وآخرها ما اختبره المصدرون سنة 2012، عبر إقفال معبر المصنع.
ولكن بغياب الإجراءات الوقائية، فرض على المزارعين والمصدرين كما على الجهات الرسمية التخبط 78 يوما في المشكلة المستجدة مع إغلاق معبر نصيب في الأردن، من دون الوصول الى إقرار نهائي لمبدأ دعم فارق كلفة النقل عبر البحر.
ومع تفهم المزارعين للخطوات التنظيمية التي تفترض تحديد الجهة التي ستقود عملية دعم التصدير البحري، ومن ثم الإشراف على آليتها، فإنهم لا يخفون قلقهم من ان يقضي الوقت المستغرق لبت الأمر على فرصتهم بتأمين خط بحري لإنتاجهم، خصوصا ان الشرط الاساسي للشركات الماكلة للعبارات هو التعاقد معها لمدة لا تقل عن ستة أشهر.

واذا كان الوزير شهيب يعتبر بدوره أنه “حرام أنّ نتأخر بإقرار دعم فارق كلفة الشحن البحري”، فهو بالمقابل يقول إنه قام بما عليه من خلال اللقاءات التي يعقدها مع المزارعين ومع المسؤولين في الدولة وفي الخارج لتسهيل أمور التصدير الزراعي، وآخرها لقاءاته في مصر لتسهيل وصول الإنتاج اللبناني الى موانئها وعبور أراضيها براً، واضعاً الكرة في ملعب المزارعين الذين دعاهم الى “طرق باب الجهتين السياسيتين الرافضتين بحث اي موضوع غير الأمن في مجلس الوزراء، والضغط على المعنيين لعقد جلسة لمجلس وزراء تكون مخصصة فقط لبحث موضوع دعم التصدير، عبر اي طريق وبأي ثمن، حتى يبقى هناك انتاج في لبنان ويبقى مزارعون في أرضهم”.