IMLebanon

«أوبر» .. السائق في المقعد الخلفي

Uber-ITsWar-Taxi
مراد أحمد، جيفان فاساجر ، و تيم برادشو

حين قررت “أوبر” إدخال خدمة مشاركة الركوب المثيرة للجدل إلى السوق الأوروبية في نيسان (أبريل) 2014، كان لدى الشركة بالأصل مخطط تسعى إلى تطبيقه. كانت تريد استخدام الاستراتيجية نفسها التي نجحت نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة، التي يمكن تلخيصها في شعار فريق النمو في الشركة: “أن تطلب المغفرة أسهل من أن تطلب الإذن”.

هذا النهج أدى بالشركة إلى إطلاق “أوبر بوب”، التي تسمح لمالكي السيارات العاديين الذين ليست لديهم رخصة خاصة أو تدريب، بنقل الناس في المدن الأوروبية دون الحصول على إذن بذلك من السلطات المحلية أولا.

الأجهزة التنظيمية لسيارات الأجرة في أوروبا اشتعلت غضبا. لكن أوبر عزمت على مواجهة اعتراضاتها من خلال حشد المستخدمين، تماما كما استطاعت حشد الزبائن في الولايات المتحدة للضغط على السياسيين والأجهزة الرقابية بالنيابة عنها.

قال شخص مطلع على هذه التكتيكات: “يريدون أن يصبحوا أكبر من أن يمنعوا”.

لكن هذه الاستراتيجية، التي يقف وراءها ترافيس كالانك، الرئيس التنفيذي المشاكس لأوبر، أدت إلى نتائج عكسية. اثنان من كبار التنفيذيين الأوروبيين في الشركة من المقرر أن يحاكما هذا الشهر، فيما أغارت السلطات على مكاتب الشركة، واعتقل السائقون، وكانت هدفا لاحتجاجات غاضبة عبر أوروبا.

أسلوب أوبر الهجومي أخفق في سحق المعارضة في أوروبا بشكل فعال – وربما حتى أنه مهد الطريق لمعاملة أقسى مما كان يمكن أن تتعرض لها لو أنها عملت بحسب القواعد. من جانبها تقول أوبر إن الضغط التنظيمي يكشف أمورا حول صناعة سيارات الأجرة الاحتكارية التي تسعى لإحداث انقلاب فيها أكثر مما تكشف عن عورات في استراتيجيتها أو ثقافة الشركة.

في الأشهر المقبلة، تواجه الشركة سلسلة من القضايا في المحاكم والقرارات التنظيمية التي يمكن أن تضطرها على الأقل إلى التراجع جزئيا في أوروبا، أو إكراهها على ما هو أسوأ من ذلك، وهو إحداث تغييرات أساسية في أنموذج أعمالها. واستنادا إلى مقابلات مع التنفيذيين الحاليين والسابقين في أوبر، ومسؤولي الأجهزة التنظيمية التي تدير قطاع النقل، وآخرين على علاقة بالموضوع، رسمت “فاينانشيال تايمز” مسيرة أوبر إلى موقف قانوني ضعيف في أوروبا.

حتى بمقاييس أسلافها التكنولوجيين في الولايات المتحدة، تعتبر الجهود العالمية لأوبر مثيرة للإعجاب. هذه الشركة الناشئة، البالغة من العمر ست سنوات، جمعت عشرة مليارات دولار وأصبحت أفضل شركة تكنولوجيا خاصة من حيث التمويل، وأصبحت قيمتها السوقية 50 مليار دولار، وهي قيمة محمولة على فكرة أنها سوف تصبح شركة النقل المهيمنة في العالم. صندوق الطوارئ سمح لهذه الشركة التي يوجد مقرها في سان فرانسيسكو أن تشق طريقها في الولايات المتحدة وأوروبا، ثم إلى الصين والهند. وهي توظف أربعة آلاف شخص وتعمل في 60 بلدا و340 مدينة.

في العقد الماضي، حاولت عدة شركات تكنولوجيا أمريكية، خصوصا جوجل وفيسبوك، غزو أوروبا باستخدام القوة الناعمة، وتمويل أعمال الخير والإحسان علنا وتقديم تنازلات لممارسات الأعمال في السر. وبعد سنوات من المفاوضات أصبحت تواجه جهودا عكسية لا يستهان بها من المشرعين والمنظمين في أوروبا.

منهج صدامي

لكن منهج أوبر يميل إلى الصدام وبالتالي واجهت مقاومة صلبة منذ البداية. في أعقاب احتجاجات غاضبة، وحتى هجمات ضد سائقي أوبر في فرنسا، علقت الشركة “أوبر بوب” في فرنسا. وتواجه خدمة مشاركة الركوب الرخيصة التابعة لها أوامر حظر من المحاكم في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وتمت مصادرة 75 سيارة من سيارات أوبر في بلجيكا. واعتقل السائقون في بروكسل وأمستردام ومدن أخرى.

وتستمر الخدمات الأخرى كالمعتاد، مثل “أوبر إكس”، التي تستخدم في أوروبا سائقين مرخصين لسيارات الأجرة الصغيرة. لكن هذه العروض تواجه عقبات في أسواق مثل بريطانيا والمجر، حيث توجد اقتراحات بالحد حتى من هذه الخدمات المرخصة.

تحققت مشاعر القلق في الشركة حول الاعتقالات في حزيران (يونيو) حين تم احتجاز كل من تيبو سيمفال، الرئيس التنفيذي لأوبر فرنسا، وبيير ديميتري جور جوتي، المدير العام للشركة في أوروبا الغربية. وسيقدمان للمحاكمة في باريس في 30 أيلول (سبتمبر) الجاري بتهم تتعلق بـ “ممارسات تجارية مضللة” و”التآمر في ممارسة غير قانونية لمهنة سيارات الأجرة”.

مارك ماكجان، رئيس السياسة العامة لدى أوبر في أوروبا، يوافق على أن الشركة “ارتكبت بعض الأخطاء الحقيقية”، ويسعى لاتخاذ نهج أقرب إلى المهادنة. يقول: “حين تنمو بوصفك شركة ناشئة، أنت بحاجة إلى إبرام شراكة مع الحكومة وأن تجد الناس الراغبين في التصدي للمصالح المكتسبة”. ويضيف: “هناك أناس يقودون سيارات كبيرة في كل يوم، ولأن هناك من يقول لهم إن أوبر تهدد وجودهم، فقد أدى هذا إلى معارضة هائلة. حين تواجه الحكومات بهذا التهديد، فإنها تختار أن تقفل أعمالنا وتخرجنا من السوق”.

لكن شخصا على اطلاع بأعمال أوبر في أوروبا يقول: “أوبر مدركة للعواقب المحتملة لأنموذج أعمالها. لكني أعتقد أن الفكرة هي أنهم يؤدون مهمة لخير الناس”.

ماكجان متفائل. ويقول: “أعتقد أن الزخم الساعي لإصلاح نقل الركاب لا يمكن إيقافه”. لكن آخرين غير مقتنعين بذلك.

في أوبر، يحكم على أداء العاملين الأفراد على أساس عدد من المعايير التقليدية، مثل “السرعة” و”النطاق”. لكن الأداء يقيس أيضا “الشدة”، التي يفهمها العاملون على أنها موقف يستند إلى “القسوة الشديدة في المنافسة”.

يقول ماكجان: “حين يقول شخص من كاليفورنيا ‘كن شديدا’ فإن البريطاني يعبر عنها بعبارة ‘كن جريئا’. أستطيع أن أضمن لك أننا لو وظفنا 100 صبي من المدارس العامة من الذين يتكلمون بلهجة ناعمة، لكنا قد واجهنا المستوى نفسه من المقاومة” في أوروبا.

هذا الإحساس بالشدة كان باديا للعيان في نيسان (أبريل) 2014 حين أدخلت الشركة “أوبر بوب” في باريس وبروكسل وبرشلونة، بهدف التوسع السريع في أسواق أخرى. أعمال أوبر الأوروبية والفرق القانونية حذرت مرارا وتكرارا رؤساء الشركة الأمريكيين من أن هذا التحرك سيولد على الأرجح ردود فعل تنظيمية. وفي أواخر 2014 قال المسؤول عن السياسة الأوروبية في أوبر لكالانك إن انتشار أوبر بوب سيواجه بمعارضة قوية في كثير من البلدان، بسبب هذه المخاوف. وكانت النتيجة أن كالانك فصل ذلك المسؤول.

كانت هذه التحذيرات في محلها. قبل مرور فترة غير طويلة، تحول الإحساس بالشدة إلى شعور بالقلق بين بعض مسؤولي أوبر. وحتى قبل أن تغير السلطات المحلية على مكاتب أوبر في باريس وأمستردام في آذار (مارس)، كان كبار التنفيذيين يشعرون بالتوتر. وكان الموظفون المتوترون يشعرون بالقلق من أنهم سيعتقلون حين حضروا اجتماعات مع الأجهزة التنظيمية في بعض المدن.

وكانت المقاومة حادة بصورة خاصة في فرنسا، حيث يدفع سائقو الأجرة مبلغ 240 ألف يورو مقابل الرخصة التقليدية، وفي ألمانيا، حيث شركات سيارات الأجرة ملزمة بالحصول على تراخيص قيادة تجارية وبوالص تأمين.

وتجادل أوبر بأنها منصة تكنولوجيا ولا تعمل في مجال سيارات الأجرة، بالتالي لا يفترض أن تنطبق عليها كثير من القوانين التنظيمية. الشركة لا تعتبر السائقين الذين يستخدمون نظامها على أنهم موظفون لديها، وإنما تصفهم بأنهم “شركاء” يتعاقدون معها من أجل استخدام تكنولوجيتها.

من جانبهم، يجادل المنتقدون بأن هذا الموقف يسمح للشركة أيضا بتجنب التكاليف التي لا يستهان بها والمرتبطة بإدارة خدمة لسيارات الأجرة التقليدية، مثل تقديم مزايا الوظيفة، كالإجازة المرضية والعطلات.

منافس زهيد التكلفة

في ذلك الحين لم تكن أوبر مهتمة بالاعتراضات القانونية التي ستقف في طريقها بقدر شعورها بالقلق من المنافسة التي تراها في المرآة الخلفية. ففي 2012 أطلقت شركة ليفت Lyft في الولايات المتحدة، حيث حصلت على دعاية مجانية من الشوارب القرمزية التي ألصقها سائقو الشركة على مقدمة سياراتهم.

أنموذج ليفت في مشاركة الركوب، المتمثل في أن أي شخص يجتاز الفحص يستطيع أن يأخذ الركاب باستخدام تطبيق الشركة، يعد منافسا رخيص التكلفة لأوبر، التي كانت في ذلك الحين خدمة لطلب سيارات الليموزين.

في البداية كانت أوبر تعتزم إطلاق خدمتها المنافسة في مشاركة الركوب فقط بعد أن اختبرت “ليفت” الأوضاع التنظيمية. لكن حين رأت الإمكانية التي تتيحها السوق العامة وميزة المحرك الأول، أحدث كالانك بسرعة انقلابا في هذه الاستراتيجية، حيث وسع مشاركة الركوب في أكبر عدد ممكن من المدن.

وحين ظهرت “أوبر بوب” في أوروبا (وهي خدمة مشاركة الركوب المعروفة باسم “أوبر إكس” في الولايات المتحدة)، سياسة الشركة في عدم طلب الإذن قبل إطلاق الخدمة في المدن كانت سياسة ناجحة إلى حد كبير عبر الولايات المتحدة. وكان لسان حال الشركة يقول إنه حين نطلب من الزبائن الضغط على السياسيين المحليين في مناطقهم كانت استراتيجية ناجحة في الولايات المتحدة، فما المانع أن نطبقها في أوروبا؟

بعد أن حظرت أوبر بوب في فرنسا في حزيران (يونيو)، كان هناك معروض يطلب مساندة الشركة، وكان عليه 120 ألف توقيع. لكن المسؤولين التنظيميين المحليين كانوا يتلمظون للمعركة. ويتحسر أحد الموظفين في أوبر من أن المناخ السياسي في أوروبا يستهين بناخبيه أكثر مما هي الحال في الولايات المتحدة. ويقول: “ليس من الضروري أن يسمع رأي المستهلكين”.

وحين بدأ التنفيذيون في أوبر يدركون أن السبل التي من هذا القبيل لم تحقق نجاحا يذكر، أخذت الشركة تغير نغمتها.

كالانك، الذي وصف مرة المنافسة بأنها “أحمق يدعى سيارة أجرة”، أخبر “فاينانشيال تايمز” العام الماضي أن أوبر كان عليها أن “تصبح أفضل من حيث توصيل فكرة من نحن وما هو محور عملنا، وأن نبين للناس الذين يريدون أن يقولوا إننا نتسم بالتسرع إلى حد ما أننا في الواقع لسنا على النحو الكاريكاتيري الذي يرونه فينا”.

في كانون الثاني (يناير)، أخبر مؤتمرا في ميونيخ أن أوبر سوف تخلق 50 ألف وظيفة في أوروبا هذا العام، وهو مجهود يقصد به أن يبين للسياسيين وصناع السياسة أن أوبر يمكن أن تكون قوة للخير في المنطقة. وفي ألمانيا، أفلح منافسو أوبر في استخدام المحاكم للاعتراض على الشركة بموجب قوانين نقل الركاب في المدن، التي تقتضي من السائقين أن يحملوا رخصا إذا أرادوا نقل الركاب مقابل المال. وفي تموز (يوليو) من السنة الماضية، أصبحت هامبورج أول مدينة في ألمانيا تحظر خدمة أوبر لمشاركة الركوب.

يقول متحدث باسم مدينة هامبورج: “بصرف النظر عن مخالفة قانون نقل الركاب، كثير من الأسئلة الأساسية في نماذج الأعمال مثل أوبر بوب تظل غير واضحة. هل يمكن فرض ضرائب مناسبة على الدخل؟ هل السائقون موظفون لدى أوبر، وهو ما يعني أن توظيفهم خاضع للضمان الاجتماعي؟ لم تتلق هذه الأسئلة قط أية إجابة شافية من أوبر. بالتالي ليس هناك ما يشير إلى أن النماذج التي من قبيل أوبر بوب يمكن إقامتها بصورة مشروعة في ألمانيا”.

وتمثل “أوبر بوب” جزءا لا يستهان به من أعمال أوبر في أوروبا. وقال أشخاص مطلعون إن خدمة مشاركة الركوب رخيصة التكاليف ولدت إيرادات “لا يستهان بها” وأنها مهمة، على اعتبار أنها في الأغلب هي أول منتجات أوبر التي تكون متاحة في سوق جديدة. وتقول أوبر إن أغلبية إيراداتها من أوروبا تأتي من خدماتها المرخصة، مثل أوبر إكس.

ولا تزال أوبر تأمل في أن يعطي السياسيون وسلطات سيارات الأجرة موافقتهم في نهاية المطاف. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية الفرنسية هذا الشهر حكما حول مدى قانونية خدمات أوبر. وتنظر المفوضية الأوروبية الآن في قرارات حظر على خدمات الشركة في فرنسا وألمانيا من أجل الحكم على ما إذا كانت قوانينهما تخالف قوانين المنافسة. كذلك تنظر محكمة العدل الأوروبية فيما إذا ينبغي اعتبار أوبر شركة نقل أم خدمة رقمية، وهو قرار يمكن أن يلغي قرارات الحظر على الشركة في مختلف أنحاء أوروبا.

لكن إذا حكمت هذه السلطات ضد أوبر، فإن أنموذجها يمكن أن يتبين أنه غير قابل للتطبيق. وفي حين أن كالانك يبدو أنه ينتعش وسط حالة من الحرب المتواصلة، إلا أنه ربما لا يوجد سوى عدد محدود من الجبهات التي يستطيع أن يحارب فيها معا.