IMLebanon

بوتين على خط إقتصاد الشرق الأوسط وتداعياته

RussiaEconomy
بروفسور غريتا صعب
على رغم كل ما يجري على الارض تبقى نوايا بوتين غير واضحة وموضوع نقاش وتبقى الجبهة السورية عامل تساؤل للاستراتيجيين العالميين، لا سيما انّ بوتين وعلى ما يبدو لديه مواهب خاصة في تغيير الوقائع على الارض.تبدو الامور حتى الآن ملتبسة، وآراء المحللين مختصرة على محاولات بوتين تعزيز شعبيته على الارض لا سيما انه في الغرب والدول المتقدمة عادة ما ترتبط شعبية الزعيم ارتباطاً وثيقاً بالأداء الاقتصادي في البلاد إنما تبقى روسيا فصيلاً آخر.

وشعبية بوتين، وعلى عكس ميركل، قد لا تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأداء الاقتصادي بقدر ما هي مرتبطة بنجاحه في الشؤون الدولية وكيفية معالجتها، وهذا ما يفسر ارتفاع شعبيته من ٦٥ بالمئة في العام ٢٠١٤ الى ٨٠ بالمئة بعد ان حصد القرم، وما يزيد القلق هو انّ ٦١ بالمئة من الروس يعتقدون انّ العديد من الدول المجاورة هي بالفعل تنتمي الى روسيا.

وكما يعلم الجميع انّ الاتحاد الآسيوي «حلم راودَ بوتين، الّا انه وفي حربه في اوكرانيا لم يستطع سوى اثارة الدول الاوروبية واميركا والذين وضعوا عليه عقوبات يرى فيها صندوق النقد الدولي انها سوف تكلّف الاقتصاد الروسي ٩ في المئة من اجمالي الناتج المحلي خلال السنوات القادمة- هذا هو الحال اليوم بين روسيا واوكرانيا وبين روسيا والغرب- الّا انّ سوريا ووضعيتها تختلف تماماً وقد تكون طريقاً لإصلاح العلاقات مع الغرب، لا سيما انّ اوروبا تشهد حالياً موجة من اللاجئين الهاربين، واذا ما نجحت روسيا في الأشهر المقبلة في القضاء على ISIS تكون بالفعل حققت أجندة عملها، وهي رفع العقوبات وعودة اللاجئين السوريين الى ديارهم كما انها تكون قد ساهمت والى حدّ بعيد في تحقيق ما عجزت عنه أميركا في السنين الماضية، ألا وهو اعادة الاستقرار الى المنطقة.

هذا هو الوجه السياسي للتدخّل الروسي في الشرق الاوسط مجدداً وفي سوريا بالتحديد- ولكن ومثل أي حرب أخرى في الشرق الاوسط، الحرب في سوريا لها خلفية اقتصادية لا سيما انّ المنطقة التي تشنّ فيها الغارات تقع مباشرة في جوار اكبر حقول النفط والغاز في المنطقة وحيث يوجد العديد من خطوط أنابيب النفط والغاز. لذلك، وإن كانت روسيا لن ترى في الامر منفعة اقتصادية على المدى القريب، يبقى القول انّ الترددات في هذا القطاع سوف تحدث عاجلاً ام آجلاً.

هذا مع العلم انّ سوريا ليست لاعباً رئيسياً في سوق الهيدروكربون، وكونها وحتى في اكثر اعوامها ازدهاراً، لم تنتج اكثر من ٥٢٠ ألف برميل من النفط يومياً، أي اكثر قليلاً من ٠,٦ بالمئة من الانتاج العالمي، كما انّ إنتاج الغاز في سوريا ليس كبيراً بالمعايير العالمية، وبغضّ النظر عمّن يفوز في الحرب الاهلية القائمة هناك فإنّ سوق النفط والغاز لا يحدث أي تأثير على سوق النفط العالمي.

لكن وعلى ما هو الواقع، هناك دول رئيسية في المنطقة وقد تكون لها مصالح متفاوتة في الحرب السورية لا سيما تركيا والمملكة العربية السعودية والتي تدعم كما يعلم الجميع المعارضة السنية السورية وقد تتأثر سلباً بالتدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، ما يعني انعكاسات على روسيا بالتحديد لا سيما من ناحية الاستثمارات المتوخّاة في مشاريع في روسيا، وهي في حال حصلت تعتبر بديلاً هاماً لأسواق رؤوس المال الغربية والتي أغلقت في وجه البنوك والشركات الروسية.

أما تركيا ونظراً لموقعها الجغرافي فإنها بدأت تلعب دوراً رئيسياً في تأمين الغاز بين اوروبا وآسيا- لذلك فإنّ ايّ خلاف يهدد العلاقة بين روسيا وتركيا سوف يكون له تأثير مباشر على سوق الطاقة: تركيا هي ثاني اكبر مستهلك للغاز الطبيعي الروسي وخط أنابيب جديد عبر البحر الاسود من المفترض ان يعزّز الشراكة وإمكانية انقرة الالتفات نحو دول أخرى لتأمين مصدر الغاز هذا- تحليل منطقي إنما على المدى الطويل لا سيما انّ المصالح الاقتصادية للدول قلّما تتأثر خصوصاً اذا كانت متشابكة لهذا الحد بين روسيا وتركيا- أضف الى ذلك كون تركيا أصبحت أهم الوجهات السياحية للسيّاح الروس الذين أضافوا ما يزيد عن ٣,٧ مليار دولار للاقتصاد التركي،

وكون تركيا غير قادرة على تفكيك هكذا علاقة وطيدة- لا سيما الطاقة، وان تدير ظهرها للغاز الروسي- أضف الى ذلك أنّ ايّ عملية انتقامية اقتصادياً سوف تنعكس سلباً على تركيا كما انها تنطوي على مخاطر رئيسية بدأت فيها روسيا بتركيا- هذا الارتباط واضح ولا يمكن التراجع عنه لا سيما انّ المعايير الاقتصادية تفوق بأهميتها التطلعات السياسية الانفرادية تجاه حكم قائم في سوريا- وإن كانت روسيا تدعم النظام السوري وتركيا على نقيضها تدعم المتمردين.

لذلك، وبالطبع روسيا تهاجم ISIS ومعها الاراضي التي تشغلها وتتضمن أصولاً نفطية مهمة، وبوتين سوف يحرص على جعلها تحت إشرافه، ما يعيدنا الى الهدف الاساسي والرئيسي ألّا وهو اعتماد الغرب واوروبا بالتحديد عليه من اجل مصالحها الحيوية من نفط وغاز، ويعيد معها بوتين شعبية وولاء ١٤٠ مليون نسمة-

وباختصار سوف يقوم بوتين بالعمل على مواصلة اهدافه وعلى المجتمع الدولي ان يفهم بالضبط تلك الاهداف، والتي قد تكون اكبر بكثير ممّا يتلهى به المعلقون حالياً.