IMLebanon

المصارف الأوروبية ومستقبلها أمام خيارات صعبة

BarclaysDeutscheBank
غريتا صعب

زادت المخاوف على أداء المصارف الاوروبية ومستقبلها وبدت الصورة قاتمة نسبياً، خصوصاً أنّ هذه المصارف خفّضت عددَ مستخدميها وباعت أصولاً قُدّرت بالبلايين، بينما نرى أنّ الشركات والمصارف الأميركية تزداد قوّة.جاءت الاحصاءات الاخيرة لدعم ما قاله فريدريك أوديا، رئيس الرابطة المصرفية للاتحاد الاوروبي، أنّ حفنة من المصارف العالمية تزداد حصصها في السوق الخارجية وتعزّز مواقعها في الداخل، وهو يتكلم في الواقع عن المصارف الأميركية التي، وحسب آخر إحصاءات، زادت حصتها في السوق العالمية من ٤٨ الى ٥٩ في المئة في السنوات الخمس الماضية في حين أنّ أكبر خمسة بنوك اوروبية انخفضت حصتها من ٣٥ الى ٣١ في المئة.

ويعزّز ذلك صعوبة اندماج المصارف الأوروبية الكبرى نظراً الى المتطلبات الإضافية من رؤوس المال إذ إنّ الدمج يشكل عائقاً متزايداً من هذه الناحية. وقد لا تساعد المصارف الاوروبية البيئة الانكماشية والفوائد المتدنّية المرافقة لها والمناخ التنظيمي بشكلٍ عام.

أضف الى ذلك أنه في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ونتيجة التيسير الكمي الذي بدأته أميركا، بدا أنّ الاقتصاد الأميركي ينمو بنسب ٢ الى ٣ في المئة بينما ينمو اقتصاد اوروبا بشكلٍ أبطأ.

والسؤال الآن ما هي وضعية المصارف الأوروبية وما الذي يؤدّي الى تآكلها على هذا الشكل؟ وهل يكون الحلّ في إيجاد مصارف أوروبية ومؤسسات مالية كبرى تستطيع منافسة المصارف الاميركية في الاسواق المالية العالمية ودعم النموّ والاستقرار في الداخل الاوروبي؟

هناك مجموعة من الامور يجب النظر اليها لا سيما أنّ الاسواق الاميركية ومصارفها تتفوّقان على منطقة اليورو، وتمكّنت هذه المصارف من استعادة قوّتها ومستويات الربحية في فترة ما بعد الأزمة، بينما بدت البنوك الاوروبية في وضعية السعي الى تحقيق الربحية في بيئة صعبة سياسياً واقتصادياً.

أضف الى ذلك التباين في الأداء خصوصاً إذا ما قارنا أداء JPM وGS وMS إذ إنّ مؤشرات الأداء لهذه المصارف ارتفع بنسبة ٤٠ في المئة بينما تراجع هذا المؤشر لدى المصارف الاوروبية مثل Barclays وDeutsche Bank وCredit Suisse.

مَن يتابع الأحداث ويتعقّب سرعة تدارك الفيدرالي الأميركي للأزمة المالية العالمية، يستطيع فهم عوامل الانتعاش في المصارف الأميركية مقارنة مع مثيلاتها في اوروبا. ويصف محلّلون هذا الفارق في الأطر التنظيمية التي ساعدت المصارف الاميركية بينما يبدو الإطار التنظيمي الاوروبي مجرد «خليط» مقارنة مع الولايات المتحدة.

هذا الضعف في الإطار التنظيمي ساهم، والى حدٍّ بعيد، في تدنّي الاكتتاب على شكل قروض في المصارف الأربعة الأكبر في اوروبا، إذ سجلت ٥٠٠ مليون دولار اكتتاباً بشكل قروض مقارنة بـ ١ تريليون دولار للمصارف الاميركية.

كذلك ارتفعت ربحية البنوك الاميركية، في حين أنها تراجعت في منطقة اليورو في العام ٢٠٠٩. ولم تستردّ الى حينه عافيتها، بينما اختلف الوضع في الولايات المتحدة التي سرعان ما أعادت هيكلة الشركات ورفعت أرباحها.

هكذا نرى أنّ عاملَين مهمّين أعاقا إعادة هيكلة المصارف الاوروبية وهما انخفاض في الربحية وأزمة ديون وركود مزدوج. لذلك قد يكون من الواضح أن تبقى الحركة في منطقة اليورو والمصارف خجولة عندما يتعلق الامر بتقديم القروض، ولا تزال المصارف تستخدم معظم الاموال المتاحة لها من المركزي الاوروبي لتمويل منطقة اليورو علماً أنّ قروض الاستهلاك والاستثمار تُعتبر عاملاً أساساً في إعادة الحياة الى العملية الاقتصادية المتباطئة.

لذلك من المهم إلقاء الضوء أيضاً على إمكانية التفاعل بين معدلات فائدة منخفضة للغاية تهدف الى تعزيز النموّ الاقتصادي في اوروبا وتشديد الأنظمة المصرفية لمنع أيّ ذعر مالي آخر.

بالنتيجة، النظام المصرفي الأوروبي هو مجرد خليط، وفيه الكثير من التناقضات لا سيما من ناحية وظيفته التقليدية وهي توزيع المال من المدّخرين على الأعمال التجارية، ونظمه المتفاوته وأرباحه المتدنّية وهذا ما دعا بعض المصرفيين الى محاولة خلق بنوك اوروبية منافسة للمصارف الاميركية، واستعارة مصطلح «Too big to fail» ما يعوّض نوعاً ما الربحية المنخفضة ويضعها مجدّداً في القطاع المالي العالمي وقادرة أن تؤكّد نفسها في المستقبل.

اذا سلمنا جدلاً أنّ السياسيين في أوروبا والبنوك يسعون الى إنجاز شيء من هذا القبيل، خصوصاً أنّ ما يواجه أوروبا حالياً يبقى أكبر بكثير مع تغيير قواعد اللعبة السياسية واستفتاء Brexit في المملكة المتحدة المرتقب في العام ٢٠١٧، ما يعني وجود مشككين في الوحدة الاوروبية، في حين أنّ أقصى ما تحتاج اليه القارة العجوز حالياً، هو دعم سياسي موحَّد من مختلف الأفرقاء.

الى ذلك، ظهرت مبادرات عدة ترمي الى إيجاد عالم أكثر أمناً وأسلم مالياً وتشمل هذه المبادرات محاولات لتعميق التكامل في النظام المصرفي على أساس خريطة طريق المفوّضية الأوروبية لإنشاء الاتحاد المصرفي الاوروبي وإقامة آلية إشراف موحَّدة للمصارف.

هذا في المطلق، لكن ما يواجه اوروبا حالياً يشكّل تحدّياً قوياً للنموّ وللقطاع المصرفي بالتحديد: Brexit- Crexit. أخيراً، هناك تحدٍ آخر للمصارف يرتبط بالمهجّرين الذين وصلوا بالألوف الى أوروبا، والقطاع لم يخرج لغاية الآن من أزمة الديون التي حلّت به في العام ٢٠١١.

هذه هي الصورة للقطاع المصرفي الاوروبي والتحدّيات التي تواجهها أوروبا واستطاعت أميركا تخطيها بقوانين وأنظمة مالية مكّنتها من البقاء على رغم كلّ ما حلّ في العام ٢٠٠٨، وهذا الأمر يؤكّد نظرية أو مقولة «Too big to fail».