IMLebanon

تمايُز روسي…واستنفار أمني لبناني

putin-syria

 

كتب جوني منيّر في صحيفة “الجمهورية”:

فتحَ التباين الذي ظهَر في بعض المواقف بين المسؤولين الروس والايرانيين حيال سوريا، شهية التحليلات والقراءات لجهة بدء مرحلة الخلافات بين الدولتين نتيجة التعارض في المصالح لناحية مستقبل سوريا. وما عزّز هذا الانطباع المراوحة العسكرية بعد «فورة» ميدانية نتجَت عن بدء «عاصفة السوخوي» وأدّت حينها الى إنجازات عسكرية عدة لا سيما في ريف حماه وريف حلب أيضاً.لكن وعلى رغم صحة الوقائع التي وردت، إلّا أنّه من السابق لأوانه الحديث عن وجود اختراق في المصالح الروسية – الايرانية، خصوصاً أنّ ساحات المعارك في سوريا لا تزال تحتاج للكثير من العمل الموحّد لحماية المصالح الحيوية المشتركة للدولتين. لكنّ ذلك لا يمنع من وجود نقاش وأحياناً تمايز في طريقة مقاربة أفُق هذا الملف الصعب والمتفجّر، وهذه مسألة طبيعية في العلاقات والتحالفات الدولية.

مع اندلاع الحرب في سوريا كان واضحاً لإيران أنّ أحد أبرز اسباب محاصرة الرئيس السوري وإسقاطه، ضرب الهلال الشيعي وقطع طرق الامداد عن «حزب الله» تمهيداً لشلّ حركته وإضعاف قوته، وبعبارة أوضح إعادة ايران الى داخل حدودها.

امّا بالنسبة إلى روسيا التي كانت تستعدّ مع الرئيس فلاديمير بوتين لاستعادة حضورها على الخريطة الدولية، خصوصاً بعد «رميها» خارجاً في ليبيا، والعبث بحديقتها الخلفية في اوكرانيا، فإنّها وجدت في سوريا آخر الساحات الدولية للحفاظ على حضورها الخارجي، أضف الى ذلك أهميّتها الجيوسياسية ومجاوَرتها لتركيا الدولة التي اعتمدتها واشنطن كأوّل حاجز عسكري في وجه التمدّد «السوفياتي» في اتجاه الشرق الاوسط، والذي استمر دورها في وجه روسيا.

كذلك فإنّ روسيا التي عانت ولا تزال إرهاب التيارات الاسلامية المتطرفة، تعرف جيداً أنّ نجاح هذه المجموعات في الاستيلاء على سوريا سيَمنح المجموعات الموجودة في البلدان المحيطة بروسيا والتي تتسلّل الى الداخل الروسي دفعاً معنوياً هائلاً، اضافة الى الدعم المادي واللوجستي المطلوب، تماماً كما أنتَج نجاح هؤلاء في ليبيا التأثير على الداخل السوري. ما يعني أنّ القيادة الروسية مقتنعة بأنّ خط الدفاع الاول والاخير عن استقرار موسكو هو سوريا.

لكنّ هذا لم يمنع القيادة الروسية من مناقشة أفكار في بداية الحرب السورية حول كيفية احتواء الصراع الحاصل من خلال تسوية سياسية تمنع الانزلاق في واقع أكثر تعقيداً والحفاظ على مصالحها في آن معاً.

يومها طرحت موسكو على طهران الحفاظ على النظام من خلال استبدال الرئيس بشار الاسد بشخص آخر يعتبر ابن النظام، وهو قادر على حمايته. وسمّى أحد المسؤولين الروس مسؤولاً سورياً قادراً على تولّي هذا الدور، وهو ما سيدفع الغرب لوَقف الهجمة على سوريا.

إلّا أنّ المسؤولين الايرانيين تمسّكوا بمبدأ أن لا وجود للنظام من دون الاسد لأنه سيتآكل وينهار بسرعة.

وبعد فترة من التردّد، وافقت موسكو طهران نظرتها وباشرت إرسال دفعات من المستشارين العسكريين اضافة الى الاسلحة والذخائر التي تحتاجها المعارك، وتولّت ايران تسديد كامل ثمنها.

وأثبت الدور الروسي أهميّته الفائقة خصوصاً مع ظهور أزمة السلاح الكيماوي، ما جعلَ طهران تتمسّك أكثر فأكثر بالدور الروسي في سوريا. ولكن مع ظهور بوادر خلل في التوازن العسكري مع وصول اسلحة اميركية نوعية الى «جبهة النصرة» وسقوط مناطق عدة أهمّها على الاطلاق جسر الشغور، طلبت طهران من «حزب الله» زيادة عديد مقاتليه وساهمت في تطويع وإرسال مقاتلين شيعة من باكستان وافغانستان والعراق، كما أنها أرسلت للمرة الاولى زهاء ألفي جندي نظامي من جنودها.

لكنّها أيقنت في المقابل أنّ استعادة التوازن العسكري لن يتحقّق إلّا مع تدخل عسكري روسي، وتولّى الجنرال قاسم سليماني إقناع القيادة الروسية بذلك. لكنّ موسكو، التي لمست المخاطر العسكرية المستجدة في سوريا، أجرَت مشاورات واسعة مع واشنطن قبل ان تبدأ بعاصفتها الجوية… وهنا بيت القصيد.

فإيران متفاهمة مع روسيا على دخول عسكري روسي يضمن حماية النظام واستمراره ويُعيد التوازن إلى الميدان. دخولٌ تُدرك طهران أنّه لن يؤدي الى قلب المعطيات الميدانية سريعاً لأنّ عمل الطائرات الحربية غير قادر لوحده على قلب المعطيات، بل القوى البرية هي وحدها القادرة على ذلك. وربما تأمل طهران في أن تتورّط روسيا في سوريا تصاعدياً لتصِل المسألة الى حدود إرسال قوى برية في مرحلة لاحقة.

في المقابل، تبدو واشنطن مطمئنة للدور الروسي خصوصاً الشق السياسي منه والمتعلّق بالمفاوضات. وعلى الخط نفسه لا تبدو السعودية بعيدة عن موسكو.

وفيما تتمسّك إيران ببقاء الاسد وتتبايَن مع الموقف الروسي، خَفّ «زَخم» عاصفة «السوخوي» ما جعلَ البعض يشكّ في أنّ في ذلك لعبة مستورة تهدف إلى تليين الموقف الايراني من خلال الميدان وجعل إيران تقتنع بالتسوية السياسية الآن. ويمكن تفسير زيارة الاسد الى موسكو من هذه الزاوية كما يحلو للبعض.

في الاستنتاج تَعي موسكو مسألة عدم انزلاقها في حرب طويلة في سوريا وهي تُريد فرض بداية تسوية خلال الاشهر المقبلة، وهو ما سينعكس على لبنان مباشرة في حال حصوله، أو ذهاب الامور في اتجاه حَرب طويلة ستغرق فيها روسيا ويتدرّج انزلاقها لتصِل الى المشاركة البرية وهو ما تريده إيران، ولا سيما الفريق المحافظ بهدف إنجاز انتصار عسكري كامل واضح يُفرض لاحقاً على التسوية السياسية. وهذا الوضع يعني غَرق لبنان في وحول الاهتراء الداخلي وتحلّل مؤسسات الدولة لتأتي التسوية اللبنانية الشاملة تزامناً مع تسوية الغالب والمغلوب في سوريا.

وتحسّباً لذلك عادت المخاوف الامنية الى لبنان من بوابة عرسال واحتمال استعمال ساحته صندوقة بريد. وجدّدت القيادة العسكرية الوسطى للجيش الاميركي اهتمامها بالشأن اللبناني، وتابعت عملية إصلاح طائرة «السيسنا» والمجهّزة بقاعدة لإطلاق الصواريخ والتي أصيبت في معارك عرسال من العام الماضي.

كذلك بَدت راضية عن الانتهاء من تجهيز طائرة «السيسنا» الثانية بقاعدة صواريخ، فيما سينتهي تجهيز الطائرة الثالثة نهاية العام الجاري. وهي تواكب أيضاً إنجاز معاملات تزويد الجيش اللبناني بِسرب من طائرات «سوبر توكانو» الحديثة والمرجّح وصولها أواخر السنة المقبلة.

أما أمنياً، فبَدا أنّ هناك رضى دولياً على التنسيق الامني الحاصل في لبنان مع ملاحظة بضرورة عدم إهمال اي تفصيل مهما كان بسيطاً.

لذلك مثلاً، ستُكثّف المداهمات لتجّار المخدرات والعصابات، وسيجري العمل قريباً على اغلاق الملاهي الليلية في المعاملتين وجونيه التي لا تحظى برخَص قانونية، بعدما أصبحت «أوكاراً» للخارجين على القانون، اضافة الى حصر تحرّكات هؤلاء وتنقلاتهم من خلال إقفال المسارب الفرعية والترابية التي تربط بعض مناطق البقاع بطريق عام ترشيش – زحلة، والتي تستعملها العصابات، وإخضاعها لرقابة أمنية صارمة. اضافة الى زيادة الرقابة على المخيمات الفلسطينية وتجمّعات النازحين السوريين.