IMLebanon

الديون العالمية وتعقيداتها على كل المستويات

Debt
بروفسور غريتا صعب
بعد سبع سنوات على الأزمة المالية يبدو أنّ الانتعاش لا يزال ضعيفاً وبدلاً من خفض الديون ظهر ارتفاع في مستوى الاقتراض بالنسبة الى الناتج المحلي بمعدلات مخيفة قدّرت بنسبة ١٧بالمئة من الناتج ما يشكل تهديداً للاستقرار المالي العالمي ويقوّض النموّ ويزيد البطالة ولا شك يؤثر أيضاً في التضخم.
جاء في تقرير مهم لـ &CO Mckinsey أنّ الدين العام بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي تزايد في معظم الدول عمّا كان عليه قبل الأزمة المالية، وأنّ ما يقرب من نصف هذه الزيادة كان في الاسواق الناشئة تليه مديونية الحكومات في الدول المتقدمة.

وحسب بنك التسويات الدولية BIS زاد الدين في مجموعة الدول السبع G7 بنسبة ٤٠ نقطة مئوية ليصبح ١٢٠ بالمئة من الناتج المحلي وذلك منذ العام ٢٠٠٧ ولم تستطع هذه الدول تخفيض الديون الى الناتج في هذه الفترة.

وقد عزّز ذلك الانكماش الاقتصادي وتراجع التضخم لا سيما في منطقة اليورو ما يجعل تخفيض الديون نادراً والحلول غير متواجدة- وعلى ما يبدو ليست القارة الاوروبية وحدها تشكل خطراً على الاستقرار المالي العالمي. فالصين منذ العام ٢٠٠٧ تضاعفت ديونها لتصل الى ٢٨ تريليون دولار فسبقت اميركا في هذا المجال.

لذلك نرى أنّ المديونية العالمية زادت ووصلت لأعلى مستوى لها منذ ٢٠٠ عام وهذا ما حذّر منه صندوق النقد الدولي الذي دعا الى موجة إصلاحية تتضمّن زيادة في التضخم والضرائب وغيرها من الإصلاحات التي تساعد أقله على تخفيف حدة هذه الديون وتساهم في نوع من النموّ.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما مدى ضخامة المشكلة لا سيما وأنّ الحلول الحالية لم تعد كافية والوضع بحاجة الى قواعد اكثر وضوحاً لإعادة هيكلة الديون أو لإلغائها مع ايجاد حوافز مناسبة واستخدام تدابير اضافية للتخفيف من حدة الاقتراض. أما الوضع الحالي والفوائد المقاربة للصفر لا تساعد في عملية كهذه اأقله في اوروبا واليابان، وأنّ الفوائد ستبقى قليلة وسيبقى الاقتراض متزايداً و يساهم في مشكلات اضافية بحاجة الى حلول.

هذا وحذّر اخيراً Goldman Sachs من أنّ العالم غارق في الديون وشيخوخة السكان تعني أنّ ديون البلدان في خطر متزايد وقد تصبح خارج السيطرة. واليابان قد تكون خير مثال على ذلك لا سيما مع اجمالي الدين الذي ارتفع الى مستويات مخيفة وناهز الـ ٢٠٠ بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وحيث شيخوخة السكان تساعد في جعل هذه المشكلة اكبر وذات تداعيات لا يمكن تفاديها إذ إنه وحسب التقديرات قد تصل ديون اليابان في العام ٢٠٤٠ الى ٤٠٠ بالمئة اذا لم تستدرك اليابان وضعيّتها هذه وتحاول إيجاد سبل لتخفيض الديون.

هذا ولا يمكن استبعاد لبنان عن هكذا وضعية لا سيما وأنّ الديون فاقت ١٥٠ بالمئة من الناتج المحلي ولا توجد لغايته أيّة دراسة حول معالجة أزمة الدين هذه علماً أنها تُعتبر مفصلية في وضعية البلد والجيوبوليتكية المحيطة به والتراجع في النموّ الذي شهده بعد ٢٠١٠ والذي قد يكون احد اكبر اسبابه الأزمة السورية وتداعياتها على التجارة والسياحة والاقتصاد بشكل عام وخدمة الدين تستنزف الخزينة وتؤخر النموّ وتساعد في تباطؤ عمليات الخدمات الاجتماعية ما يعني أنه يجب ايجاد حلول ودراسات تعنى بشكل اكبر بعملية الدين ووضعيته وتسعى جاهدة للحدّ من تزايد مخاطره لا سيما وانه قد يصبح في وقت من الاوقات خارج السيطرة.

لذلك يشكل تزايد الديون العالمية خطراً من نشوء أزمة مالية اخرى إذ إنّ ذلك يساعد على خنق النموّ الاقتصادي العالمي وزيادة خطر وقوع المزيد من حالات التخلف والانسحاب- هكذا قد يكون تصويب Olivier Blanchard كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي لهذا الموضوع مثيراً للاهمية لا سيما وأنه توقع تباطؤاً في النموّ العالمي هذه السنة واعتبر أنّ من أهم اسبابه تراكم الديون، مشيراً الى الأزمة اليونانية التي صعّدت المخاوف من تفكك منطقة اليورو لحين التوصّل الى حلول تساعدهم في الخروج من هذه الوضعية-

وفي هذه الاثناء نرى وضعية الاقتصاد العالمي غير مؤهّلة لأيّة عملية تخفيف الديون لا سيما وأنّ المصارف المركزية في جميع انحاء العالم عملت على خفض اسعار فوائدها وأصدرت كميات غير مسبوقة من السندات لتحفيز الاقتراض والانفاق، والنتيجة جاءت أنه وبحلول منتصف العام الماضي بلغ اجمالي الديون -الحكومات والشركات والأسر- ما يوازي ١٩٩ تريليون دولار أيْ بزيادة قدرها كما سبق وذكرنا ٥٧ تريليون دولار عن العام ٢٠٠٧ ما يعادل ٢٧،٠٠٠ دولار لكلّ فرد على وجه الأرض (Mckinsey report).

لذلك قد تكون مشكلات الديون العالمية ذات أهمية متزايدة في ظلّ دور القطاع المالي المتأصل في الاقتصادات والذي هو أكثر تكاملاً من أيّ وقت مضى ما يعني أنّ أيّ مشكلة تحدث في أيّ زاوية صغيرة من العالم يمكن أن تضرب بنتائجها اكثر بكثير من حدود دولها وخير مثيل على ذلك اليونان والتي بمشكلاتها الاقتصادية هدّدت أوروبا بالكامل كذلك ليمان بروزرز عام ٢٠٠٨ الذي ساعد في إشعال الأزمة المالية العالمية.

والقلق الكبير قد يكون مصدره الصين ثاني اكبر اقتصاد في العالم، علماً أنّ حال الصين الحالية لا تُقارن بوضعية دول اوروبا بحيث إنّ الاقتصاد الصيني يتباطأ لكنه ما زال يشهد نموّاً بنحو ٧ بالمئة حتى الآن هذا العام ومعدل الادخار فيها يناهز ٥٠ بالمئة.

لذلك قد يكون الأمر لا يقتصر على مستوى الديون إنما يتجاوزها لقدرة الدول على خدمة هذه الديون مع ما يترتب عن ذلك من تراجع في النموّ وتباطؤ في دوران العجلة الاقتصادية.

ولهذا قد يكون المشهد الاجمالي هو ديون عالمية وتباطؤ نموّ وانكماش في العديد من الدول لا سيما اوروبا ما يعني أنّ الأنهيار المالي آتٍ لا محالة ما يضع العالم أجمع أمام ازمة مالية اخرى قد تفوق بانعكاساتها ازمة الـ ٢٠٠٨.