IMLebanon

ترشيح فرنجية يسرّع مخاض الرئاسة.. وقانون الانتخاب عقدة العقد

frangieh-hariri

يشي الحراك السياسي الناشط على اكثر من خط ومستوى في الأيام القليلة الماضية، ببلوغ معركة الرئاسة اللبنانية مخاضها الأخير. مخاضٌ يبدو عسيراً حتّى اللحظة، وان كان ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري غير المعلن رسمياً بعد لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية قد سرّع نبضه. غير ان التساؤلات الكثيرة المطروحة حوله، اضافة الى هواجس الثلاثي المسيحي (التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، والكتائب اللبنانية) تبقيه في دائرة المراوحة المحفوفة بأشواك الضمانات والشروط التعجيزية، الى حد لا يستبعد دونه كثيرون قيام حلف مسيحي ثلاثي يضع حداً لانتهاك حق الطائفة في اختيار رئيسها اولاً، ويمنح ابناءها الحق بالتمثيل الصحيح ثانياً.. وهنا لبّ القضيّة!

وبانتظار الافراج عن الترشيح قريباً في مهلة يرى مراقبون لـصحيفة “النهار” الكويتية انها قد لا تتعدّى نهاية الأسبوع الطالع، فان كافة المعطيات توحي بأن التسوية تسير بثبات، وعنوانها الأساس ظاهرياً هو قبول فريق 14 آذار بترشيح فرنجية، مقابل قبول 8 آذار برئاسة الحريري للحكومة المقبلة.

لكن الغوص في تفاصيل سلّة الحل المتكاملة التي تحدّث عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتلقّفها الحريري، يودي حكماً الى ما اسمته مصادر النهار عقدة العقد. هو قانون الانتخاب، الذي يرسو عليه شكل الديموقراطية المقبلة على لبنان، كائناً من كان على رأس السطات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية. فهل ينجح دعاة التسوية باصلاح النظام وتغييره نحو ديموقراطية فعلية منزّهة عن المحاصصة والهيمنة على صوت الشعب وارادته الحرة باختيار ممثليه؟ ام ان ترشيح فرنجية الذي رأى فيه البعض ايجابية على مستوى تلقف المبادرة يحمل اهداف مبيّتة لا تتعدّى الرغبة بتفجير الفريق الداعم لمحور المقاومة وتشتيت عناصره ؟!

في هذا السياق اتى حديث مرجع سياسي قريب من فريق 8 آذار لـصحيفة “النهار” الكويتية، رأى فيه ان تلازم الايجابية في ملفيْ تبادل العسكريين المخطوفين لدى جبهة النصرة من جهة، ومبادرة الرئيس سعد الحريري الى ترشيح سليمان فرنجية من جهة ثانية، انما يحمل في طيّاته دلالات في غاية الأهمية، ودعا المرجع المذكور اركان فريق 8 آذار للتنبّه ممّا اسماه كأس العسل المسموم الذي يقدّمه لهم طرف في 14 آذار.

واعتبر المرجع انه بحجة الحرص على المصلحة الوطنية التي يغلّف بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مطامعه، وبدافع تحصين مكتسباتهم في السلطة، يدقّ بعض دعاة الوسطية في 8 آذار الأسافين في جسم هذا الفريق، في مرحلة تستدعي المزيد من التريّث والتبصّر لحصد نتائج ارباحهم في الميدان اضعاف اضعاف ما يغريهم به البعض الآن.

واشار المرجع الى ان تنازل 14 آذار عن رئاسة الجمهورية مقابل الاحتفاظ بـ الطائف وبالأكثرية النيابية وبرئاسة الحكومة وبكلّ الأجهزة المتصلة بها والتي تحلّ مكان الوزارات بما فيها جهاز فرع المعلومات مثلاً، يعتبر ربحاً كبيراً يحلم به هذا الفريق، الذي بات يدرك اليوم معنى الكلمة الفصل التي شارف الميدان على قولها، ورأى ان الحريري بترشيحه لفرنجية انما يترك لخصومه منصباً جُرّد من صلاحياته الفعلية ويحتفظ بكلّ عناصر السلطة الأخرى!

وعن اهمية قانون الانتخاب قال المرجع انه اذا استطاع فريق 14 آذار، بناء على تسويته الهجينة، ان يدفع باتجاه قانون انتخاب يناسبه، فهو بالتالي سيفرض حكومة له لا يستطيع رئيس الجمهورية وقف اعمالها او اقالتها. وهكذا يكون قد ربح كلّ شيء واستبق الخسارة التي باتت محدقة بموقع وبموقع رعاته من الباب السوري!

وحذّر المرجع المذكور فريق 8 آذار من ان كأس العسل المسموم هذا وُجد في هذه المرحلة بالذات كمحاولة لفرط فريق 8 آذار وافقاده ايّ امل باستثمار متغيّرات الاقليم، باعتبار ان ترشيح فرنجية قد يسبّب نزاعاً بينه وبين العماد ميشال عون واحراجاً لحزب الله، ما يؤدّي الى التناحر والتشتّت، مشيراً الى ان 14 آذار تراهن على مشهديْن ترى نفسها رابحة في كليهما. فاما ان يمرّر الترشيح بشروطها، او يرفض الترشيح ويتصدّع فريق 8 آذار، ما يفتح الطريق امام حلول معدّة للابقاء على الستاتيكو السياسي القائم بكل علّاته! ونصح المرجع المذكور قيادات 8 آذار الى حسن ادارة الملف الرئاسي والتسوية لتفادي الألغام التي زُرعت في حقل هذا الفريق وتجنّب الكمائن التي نُصبت له، معتبراً ان هذا الأمر لا يتحقّق الا من خلال التمسك بمنطق السلة الكاملة التي طرحها السيد حسن نصرالله، بحيث يكون الاتفاق على قانون الانتخاب الذي يضمن حسن التمثيل، ويضع حداً للاستئثار والتهميش، شرطاً للموافقة على اي ترشيح للرئاسة. وختم المرجع مشدداً على انه على المعنيين في 8 آذار ان يتذكروا دائماً انّ الريح الاقليمية تملأ شراعهم، فلا يستعجلوا امراً قبل اوانه ولا يفرطوا بمكسب بات في متناول ايديهم، ولا يهدروا فرصة تصويب العمل وتصحيح النظام اللبناني!

يخيّل للبعض انّ المفصل الأهم المقبل على لبنان هو استحقاق رئاسة الجمهورية. ويظنّ البعض ان المعركة الفعلية القائمة اليوم وسط حمى اللقاءات والمشاورات، تدور حول اسم الرئيس العتيد وانتمائه السياسي، طمعاً من طرفي النزاع 14 و8 آذار بموقع الرئاسة الأولى لما له من اهمّية على كافة الصعد!

غير ان مرجعاً سياسياً عتيقاً التقته “النهار” الكويتية اكّد ان الصلاحيات التي حدّدها اتفاق الطائف لرئيس الجمهورية حصرته في مصاف المراقب فعلياً، وان كانت اعطته القدرة النسبية على تعطيل بعض القرارات، لكنها لم تعطِه صلاحية صنع القرار السياسي الى حد كبير، ولفت الى ان صلاحية التنفيذ حُصرت بعد الطائف بمجلس الوزراء، فيما صلاحية التغيير الفعلي بقيت في يد مجلس النواب، الذي بدوره يسمّي رئيس الوزراء ويعطي الثقة او يحجبها عن اية حكومة، معتبراً ان أعداء الديموقراطية والتغيير انما ارادوا تكبيل سير الحياة الديموقراطية في لبنان كي لا يشكّل مقدار الحرية فيه تهديداً لأنظمتهم القمعية، فعمدوا الى اغواء قسم من الطبقة السياسية الحاكمة بقانون انتخابي يضمن تأبيدها في السلطة، الأمر الذي رسّخ منظومة حكم قائمة على المحاصصة الطائفية والزبائنية والفساد.

وعليه، رأى المرجع انه مع حاجة لبنان الى تجديد مجلسه النيابي للتأسيس لمرحلة سياسية جديدة، يبدو ان قانون الانتخاب هو العقدة الأبرز، واعتبر ان الترويج للقانون المختلط الذي يجمع بين الأكثرية والنسبية هو عارٌ ما بعده عار، وما هدفه سوى تكريس بقاء البعض في السلطة، على حساب ارادة المواطنين وحريتهم في انتقاء من يمثلهم في الندوة البرلمانية، مسجّلاً ملاحظات رئيسية على النقاش الدائر تحت الطاولة حول قانون الانتخاب، اهمّها:

أولا، انّ حصول اي تسوية مفادها وصول سليمان فرنجية الى الرئاسة مقابل اقرار قانون الستين يعدّ تنازلا خطيرا، ورضى باستمرار الظلم للكثير من القوى التي ستحصل على حجمها الحقيقي في القانون النسبي، الذي يعترف العالم كله وكل اصحاب المنطق والخبرة انّه يؤمّن التمثيل الأصح. كما وأنّ مثل هكذا تسوية تُعدّ قبولاً باستمرار سرقة حصة نيابية من حق المسيحيين الذين سيحصلون عليها حتما ان تم اقرار قانون النسبية. ثانيا، ان القول بالقانون المختلط، هو لجوءٌ وقحٌ الى الظلم واللا منطق ايضا. فما هو وجه الحق الذي يمكن ان يقنعوا به المواطن اللبناني، بأن تخضع دائرة معينة للنسبية ودائرة اخرى للنظام الأكثري؟ بأي حق يتم التفريق بين اللبنانيين؟ الا يعني مثل هذا الكلام انّ البعض يصر على التحايل على اللبنانيين الذين يجمعون على احقية القانون النسبي، بأن يقول لهم سنقبل بالنسبية حيث لا تشكل ضررا لنا، وسنرفضها حين تضرّنا وتقلص من حصتنا النيابية؟!

وجزم المرجع بأن قانون الانتخاب هو الذي يحدد مستقبل لبنان وهو الذي سيتوج خلاصة المواجهة التي شارك فيها اللبنانيون في الميدان كما في المواقف السياسية.