IMLebanon

5000 جندي بمئة موقع يحمون عرسال والبقاع الشمالي!

 

army-lebane-arsal

 

 

كتبت سعدى علّوه في صحيفة “السفير”:

تمسك كنيسة «السيدة» ببلدة رأس بعلبك من أعاليها. هنا احتفل «الراسية» قبل أيام بقداس منتصف الليل الميلادي. معظم سكان «الراس» المقيمين شتاء، وأولئك الذين قصدوا بلدتهم في عطلة رأس السنة، حضروا.

بعد الكنيسة بأمتار قليلة ينتهي الإسفلت لتكمل الطريق ترابية نحو جرود رأس بعلبك التي تلامس في أعاليها جرود عرسال والقاع وصولاً إلى الجرود السورية، حيث يتمركز مسلحو تنظيم «داعش».

الاحتفال بميلاد السيد المسيح في قرى الفاكهة ورأس بعلبك والقاع الحدودية هذا العام ليس كما العام السابق. معمودية الدم التي دفعها الجيش اللبناني للإمساك بتلتي أم خالد والحمرا وراح ضحيتها 14 شهيداً، لم تغيّر في كيفية الاحتفال بالعيد فقط بل أيضاً في شعور الأهالي بالأمان وتشبثهم بقراهم.

يساعد الصعود نحو جرد رأس بعلبك بدءاً من كنيسة «السيدة» في فهم ذلك الامتنان الذي يكنه «الراسية» للجيش وشهدائه. بعد «الراس» بنحو كيلومترين إثنين تقع كسارة «المشرف» التي غزاها عناصر «داعش» في العام 2014 ونهبوا محتوياتها وخطفوا رعاة وأحد أبناء الراس من قلبها. يومها دفعت «الخوات» للإفراج عن المخطوفين.

نعم هناك في رأس البلدة كان «الدواعش» على قاب قوسين من استهداف الأهالي والوصول إليهم، شأنهم شأن أهالي الفاكهة الذين توجسوا من وصول الإرهابيين إلى «مار كولا» في أعالي بلدتهم، وكذلك أهالي القاع الذين عاشوا قلق تمركز المسلحين في جرود ضيعتهم قبل معركة «فخ الفجر» التي قادها مقاتلو حزب الله ضد «الدواعش» المتسللين من «حقاب الكاف» على الحد بين جردي عرسال ورأس بعلبك والقاع.

ولكن اليوم ليس كالأمس. تقول ذلك مراكز الجيش اللبناني المعززة والمحصنة التي تمتد من جرد القاع إلى جرد رأس بعلبك فجرد الفاكهة وصولاً إلى جنوب الجرد العرسالي على الحد مع جرد نحلة. هناك، في هذه المساحة المترامية، حوّل نحو خمسة آلاف جندي وضابط، موزعين على مئة مركز ونقطة عسكرية وحاجز، خراج القرى الممتدة من القاع إلى أعالي اللبوة بما فيها جرود عرسال المحيطة بالبلدة إلى «ثكنة» عسكرية. أضحت الحدود ما بين القرى والجرود التي يحتلها المسلحون أو تقع تحت سيطرة مواقعهم، وكأنها مرصوفة بـ «العكسر».

هناك من تلة «أم خالد» ستسمع مدفعية الجيش تقصف موقع «عش الحقاب» الداعشي المواجه للتلة كلما تحرك المسلحون لشل حركتهم وأي عملية تسلل قد يخططون لها. ومن تلة الحمرا إلى يسار تلة أم خالد لن يتردد جنود الجيش اللبناني في ضرب أي تحركات مشبوهة للمسلحين في جرود رأس بعلبك والقاع وعرسال وتحديداً في مناطق طواحين الهوا وصولاً نحو خربة داوود على الحد مع قارة السورية، والطريق المؤدية نحو خربة يونين فوادي الخيل حيث تتمركز «النصرة».

أما مواقع الجيش في الجرد الجنوبي لعرسال فبالمرصاد لأي تحركات للمسلحين من «النصرة» الذي تقاسموا و «الدواعش» المساحة التي ما زالوا يحتلونها من جرد عرسال. وعليه، يمكن أن نتبين من الجولة على مواقع الجيش المتقدمة في جرد عرسال القذائف أو المدفعية التي لا تنفك تطلق من التلال المشرفة على وادي الحصن من جهة، ومن موقع وادي عطا وعقبة الجرد من ناحية ثانية. هناك يشل الجيش أي محاولة تسلل للمسلحين باتجاه عرسال والقرى اللبنانية في السهل بعدما أصبحت مواقع «النصرة» في منطقة «الكسارات» على كتف خربة يونين، ومعها دشمهم في كتف سهل الرهوة تحت سيطرة الجيش بالنيران.

وما بين موقع للجيش وآخر، يمكن إدراك التضحية الكبيرة التي يدفعها جنود وضباط الجيش المرابطون ليس فقط في وجه المسلحين، قابضين على زناد بنادقهم، وإنما أيضاً في وجه الطقس القارس على ارتفاعات تراوح ما بين 1300 و1800 متر.

تغيير جذري عن آب 2014

يقول قائد المنطقة في اللواء الثامن العميد الركن محمد الحسن لـ «السفير» إن «تغيير كل طبيعة الانتشار العسكري للجيش اتخذته قيادته وبإشراف العماد جان قهوجي شخصياً بعد حرب آب 2014». «كان القرار واضحاً: لن يترك الجيش لقمة سائغة للإرهابيين»، وفق الحسن، وعليه «تغير الوضع اللوجستي جذرياً منذ شباط 2015، تاريخ بدء الخطوة الأولى للانتشار الحالي».

كلام الحسن يعيدنا إلى الثاني من آب 2014 . عندما هاجم مسلحون من تنظيم «داعش» عشرة عسكريين على حاجز وادي الحصن، حيث استشهد أحد الجنود فيما خطفوا البقية وما زالوا. كان حاجز وادي الحصن أحد الحواجز التسعة التي تزنر عرسال من مدخلها إلى جرودها ولكن من دون أي تعزيزات فعلية، وتحديداً بما لا يتناسب وحجم الخطر الداهم.

وكان حاجز «الحصن» على تخوم عرسال لناحية جردها وتحديداً نحو خربة يونين ووادي الخيل. يومها لم يكن تنظيما «داعش» و «النصرة» قد فرزا خراج عرسال الجردي بينهما، محددين خربة يونين فيها كخط تماس.

«اليوم لم يعد الوضع كما كان»، يقول الحسن بخبرة الرجل العسكري الميداني: «يمكن للإرهابيين أن يقوموا بعمل انتحاري ضد أي من مراكزنا، ولكنهم لن يتمكنوا من التغيير قيد أنملة في موازين القوى».

وعليه، كان العام 2015 عام «تعزيز مواقع الجيش وحماية قرى البقاع الشمالي بكل ما تحمل الكلمة من معنى»، وفق الحسن.

وارتكزت الخطة على إبعاد المسلحين عن المراكز الأمامية المتقدمة للجيش عبر استعمال الأسلحة المباشرة وضمن المدى الفعال لها. وعلى خط مواز تم تفعيل العمل الاستخباراتي حول المواقع غير المرئية بما فيها من خلايا الإرهابيين والمتورطين الذين يجب مداهمتهم في عرسال البلدة. وبناء على المعلومات الاستخباراتية واظب الجيش على قصف مواقع «داعش» و «النصرة» وراء التلال والجبال لمنعهم من تنظيم عمليات منسقة للتأثير على مواقع الجيش أو قصف القرى اللبنانية، والأهم الحؤول دون تسللهم إليها وخصوصاً تلك القريبة من مواقع تواجدهم. وفي هذا الإطار جاءت معارك السيطرة على تل الحمرا في جرد رأس بعلبك وتحصين التواجد العسكري في «أم خالد».

وفي عرسال تمكن الجيش من توقيف متهمين بإرهاب السيارات المفخخة وغيرها من الجرائم من أمثال ابراهيم الأطرش والسوري ابراهيم مطاوع، ومحمد الحجيري الملقب بـ «كهروب»، وهو ابن شقيقة ابراهيم الأطرش.

ولكن الخطة الأهم تمثلت في حماية كل جندي لبناني أينما كانت نقطة انتشاره سواء على حاجز من الحواجز التسعة التي «تزنر» عرسال، أو في نقاط التمركز ومواقع السرايا والأفواج المشاركة. وعليه، تم التركيز على تعزيز العديد، وإن عبر سحب قوات عسكرية من مناطق أخرى، حتى وصل العدد إلى خمسة آلاف جندي ينتشرون من جنوب الجرد العرسالي إلى الحدود السورية في خراج القاع.

وبذلك لم يعد تواجد الجيش، كما كان في آب 2014، يقتصر على حواجز عين الشُعب وثكنة 83 ورأس السرج ووادي الرعيان ووادي عطا وعقبة الشيخ ووادي الحصن ووادي حميد والمصيدة. بقيت هذه الحواجز ولكن تم تعزيزها بنقاط دعم وبمراكز أساسية تشكل مداً عسكرياً على صعيد الأسلحة والعديد والآليات. إذا لا جديد على صعيد دعم الجيش، وبالرغم من كل ما قيل عن الهبات والمساعدات، إلا ببعض الذخيرة والأسلحة التي تعود إلى الحقبة نفسها التي يمتلك الجيش سلاحها، أي العام 1982، من دبابات وملالات وصواريخ وقاذفات وذخيرة ومعها العتاد والأسلحة الرشاشة. وكل ذلك يتم تحت ذريعة خوف «الواهبين» من انتقال سلاح الجيش اللبناني إلى أيادي «حزب الله».

ويمكن لجولة على مواقع الجيش اللبناني من رأس السرج في أول عرسال مروراً بتنية الفاكهة والمصيدة ثم وادي حميد ووادي الحصن وعقبة الشيخ ووادي عطا وصولاً إلى أعالي وادي الأرنب فوادي الرعيان، أن توضح خريطة الانتشار المكثف للجيش بطريقة لا تترك نقطة من دون دعم من أكثر من جهة.

ويقول العميد الحسن أن الجيش»نجح في عزل الإرهابيين عن عرسال والقرى المحيطة بها في السهل. وعليه، تم الانتشار في المواقع والتلال المشرفة على طرق تحركاتهم المكشوفة جغرافياً، مما يتيح عزلهم في الجرود بعيداً عن أي دعم لوجستي بما فيه التغذية». وتفعلت الرماية المباشرة على مواقع «النصرة» و «داعش» مما أبعدهم نحو أربعة كيلومترات وما فوق عن القرى اللبنانية. وكانت سلامة العسكريين المخطوفين أحد هواجس الجيش خلال قصف مواقع الإرهابيين. يرى العميد الحسن أن عزل المسلحين في أعالي جرود عرسال، بعدما تم شل حركتهم في المواقع والسهل المواجه لمواقع الجيش، قد أضعف شروط تفاوضهم على تحرير الجنود المخطوفين لدى «النصرة».

وينفي الحسن نفياً قاطعاً ما أثير من مخاوف لدى أهالي عرسال من منح «النصرة» أي حرية حركة على الأرض «عرسال أكثر أمناً من أي منطقة لبنانية، والحوادث سواء من اغتيالات أو خضات أمنية تحصل في كل مكان في لبنان وليس في عرسال وحدها». ويرى الحسن أن الجيش تمكن من تصفية نحو 300 مسلح من «داعش» و «النصرة» على مدى العام المنصرم، حيث صدرت الأوامر باستهداف أي تحرك لهم في مراكزهم المقابلة لمواقع الجيش، كما المواقع خلف التلال بناء على إحداثيات عسكرية.

وتتألف قوات الجيش التي توحدت في قيادة واحدة من جرد عرسال إلى الحدود السورية في القاع قبل شهر من اليوم من اللواء الثامن ومن الفوج الخامس والكتيبتين 82 و83 وسرية احتياط من فوج المجوقل، بالإضافة إلى لواء المشاة الحدودي.

السيطرة على الأرض بالنيران

يسيطر الجيش من موقع ضهر الجبل (حيث يوجد سبع نقاط كل منها محمية بنقطتين إثنين)، بمنطقة شمال غرب عرسال وصولاً إلى حاجز المصيدة المعزز من أربع جهات بنقاط حماية سواء من ضهر الجبل أو المراكز الأساسية على التلال المشرفة، وأهمها «قرن السيد» بين «الحصن» مروراً بأعالي تنية الفاكهة و «وادي حميد».

ومن ضهر الجبل يحكم الجيش السيطرة بالنيران على كامل وادي حميد وصولاً إلى مدينة الملاهي حيث يوجد مواقع للمسلحين المتحركين عميقاً في وادي حميد أيضاً حيث أنشأوا مشفى ميدانياً.

ويركز الجيش موقعاً محصناً من ناحية الجرد الشرقي ليحمي حاجز وادي حميد مع نقطة متقدمة ومحصنة بين وادي حميد ووادي الحصن. وفي أعالي وادي الحصن يتركز الجيش في مواقع محصنة قبالة منطقة الكسارات في أعالي سهل الرهوة المشرفة أيضاً على خربة يونين ومنها إلى وادي الخيل. ومن هناك يقوم بقصف شبه يومي لأي تحركات للمسلحين سواء في الكسارات أو في أعالي سهل الرهوة.

ومن وادي عطا أو عقبة الجرد يمسك الجيش بالمعابر التي تصل عرسال بجرودها لهذه الناحية فيما يكثف دوريات ليلية للتأكد من عدم تسلل المسلحين حتى عبر المعابر الترابية التي تم إقفالها بالصخور والأسلاك الشائكة.

وكما في وادي عطا، عزز الجيش مواقعه في أودية الأرنب وسرج حسان ووادي الرعيان ودعمها بنقاط ثابتة محصنة، وهذه التحصينات أمنت حماية قرى السهل في منطقة اللبوة ومحيطها.

ومن تنية الفاكهة التي تشرف على المنطقة الواقعة بين «المصيدة» وجرد الفاكهة يحكم الجيش سيطرته بثلاثة مراكز محصنة هي المرتفع 1666 المشرف على سهل الوسعة في جرود عرسال وموقع سرية تنية الفاكهة المتحكم بصفا الأقرع وشبيب في الجرد العرسالي المنخفض، ثم مركز «شير النسور»، وهي مواقع تؤمن تواصل مواقع ضهر الجبل بموقع المنصرم في جرد الفاكهة. ومن «المنصرم» إلى موقع تلة «أم خالد»، يؤمن الجيش تواصل جردَي الفاكهة ورأس بعلبك ليحول دون تسلل المسلحين من الجرود بعدما يمسك بوادي «سيل» الفاكهة ووادي «سيل» رأس بعلبك الذي يمر بين تلتَي أم خالد (1300 متر) والحمرا (نحو 1500 متر).

ومن تلة «أم خالد» يستهدف الجيش موقع «داعش» في ضهر «عقاب العش» الذي يبعد كيلومترين إثنين فقط عن «أم خالد». هناك لا تغمض عين للجنود المرابطين في قلب الجبهة على جميع المواقع، إذ إن أي سهوة قد تؤدي إلى تسلل الإرهابيين سواء إلى مراكز الجيش أو إلى القرى المحيطة. وتمسك تلة «أم خالد» ومن فوقها تلة «الحمرا» وقمَّتا «الجراج» و «جب الجراج» على الحد بين جردي رأس بعلبك والقاع بالجرد العرسالي وصولاً إلى خربة داوود في أسفل تلال حليمة قارة السورية. ومن «أم خالد» أيضاً يسيطر الجيش بالنار على أي حركة في المزارع وطواحين الهوا في الجرد العرسالي فوق تنية الراس.