IMLebanon

بيوت البلاستيك تنقذ الاقتصاد الزراعي في عكار

woman-agriculture
رسلان منصور

أخذت زراعة بيوت البلاستيك من الزراعات، تحتل مكانتها المرموقة في الاقتصاد الزراعي العكاري، ومصدراً من مصادر دخله الاساسية بديلاً لزراعات باتت تشكل عبئا كبيرا عليه ومشكلة انتاجها وتصريفها امراً ليس بالسهل بعد اقفال الحدود. هذه الزراعة التي تبدأ من أيلول وصولاً الى كانون الأول حيث يزرع في خلالها: (البندورة، الخيار، الكوسا، اللوبية…الخ)، ومن كانون الثاني وحتى أيار ويزرع في خلاها (البازلا، الباذنجان، الشّمام، الملوخية وغيرها…الخ)، وهي خضر يزداد الطلب عليها، الى بعض الاشهر المتبقية التي لا يزرع فيها اي شيء حيث يتم اراحة الأرض أو ترييحها بلغة المزارعين، وذلك استعداداً لموسم جديد،هذه المواسم باتت تغطي الاسواق المحلية والمدن، حيث بدأ التحول نحوها وبقوة نظرا للتقلبات المناخية وازدياد الملاح والثلوج في المناطق الساحلية والتغيرات المناخية، وبالتالي باتت تعتبر أكثر أمنا وضمانة للمزارع، لجهة ضمان موسم مقبول ومربح.

امام هذا الواقع تشهد منطقة عكار منذ عشر سنين تقريبا تحولاً ملحوظا من الزراعة الحقلية الى زراعة البيوت المحمية، بحيث إن عدد هذه البيوت، كما يؤكد رئيس نقابة مزارعي الاشجار المثمرة في الشمال محيي الدين الرفاعي يبلغ نحو 60 ألف بيتا بلاستيكيا.. ورغم العناصر الايجابية في هذه الزراعة، ومع هذا التحول فان المزارع يعاني من معوقات عدة أبرزها الأضرار التي تخلّفها العواصف وارتفاع تكلفة الإنتاج وتدني الأسعار في الموسم في غياب الحماية وتكلفة المواد الاولية من نايلون وقساطل او اخشاب وغيرها، كما أن هذه الزراعة في هذه البيوت تتم وفق رغبة المزارع ما يؤكد الحاجة الى خطة وبرنامج لتوزيع الزراعات كما الى تطبيق الروزنامة الزراعية وفق الاتفاقات مع الدول الأخرى.

ويؤكد أن تحول المزارع العكاري الى بيوت البلاستيك جاء للتعويض عن الزراعة الحقلية التي تبقى عرضة لتقلبات المناخ والمنافسة، لكن زراعة البيوت المحمية لم تسلم من أضرار العواصف وهي نالت نصيبها من العاصفة الأولى والثانية هذه السنة. ويعتمد بعض مزارعي البيوت المحمية وخاصة في «سهل عكار« طرائق بسيطة مبتكرة لتخفيف تكاليف الزراعة، وتحقيق مردودية اقتصادية عالية، بالمقارنة مع تكاليف الزراعة بالطرائق المعتادة.

والعمل بزراعة البيوت المحمية وفق الطرائق البسيطة، المعتمدة في تحضيراتها على الطبيعة بعناصرها ومقوماتها، ومنها تغريق التربة بالرذاذ وتحضيرها للتعقيم بواسطة الشمس واعتماد الروث كغذاء، ومن ثم المكافحة الحيوية. يقول ابو احمد فريوان من مزارعي بيوت البلاستيك، انه في الاونة ارتفعت أسعار مستلزمات زراعة البيوت المحمية، لأن أغلب هذه المستلزمات مستوردة، لذلك كان لا بد من العودة إلى طرائق الزراعة البسيطة المعتمدة على مقومات الطبيعة للتخفيف من التكاليف وتحقيق إنتاجية جيدة، ومنها مرحلة التعقيم الشمسي أولى خطوات الزراعة وتحضير البيوت المحمية، حيث تتم حراثة الأرض عدة مرات وتنظف جيداً من البقايا الزراعية السابقة والحراثة بواسطة الجرارات الزراعية الصغيرة، ومن ثم تمد أنابيب التنقيط المعروفة بالرذاذ على كامل مساحة الحقل ضمن الأقواس المعدنية، وذلك بطريقة منظمة لتكون عملية الري المعروفة باسم الإغراق متكاملة وشاملة لكامل الحقل، ويتم استخدام الرذاذ الذي يوفر من كميات المياه المطلوبة للتغريق إلى أكثر من النصف بدل الأنابيب العادية التي تعتمد كميات كبيرة من المياه، ناهيك عن الجهد العضلي المطلوب في نقل الأنبوب لتغطي المياه كامل مساحة الأرض.

وبعدها يغطى سطح التربة بشرائح البلاستيك المخصصة لهذه العملية، وتحكم عملية التغطية، وخاصة الجوانب بواسطة وضع التراب على الشرائح، إضافة إلى وضع لاصق البلاستيك على الأماكن التي لا يمكن للتراب أن يحكم إغلاقها. ويضيف «تترك التربة مغطاة لنحو شهر وتزيد، حيث تتبخر المياه بفعل أشعة الشمس، وتسخن الأجواء تحت شرائح البلاستيك؛ وهذا يقتل مختلف البكتيريا الضارة والحشرات الصغيرة، هذا التعقيم للتربة الطبيعي يتم بتكاليف قليلة، مقارنة مع من يستخدم المعقمات الكيميائية«.

المزارع « احمد ابراهيم، ابو ابراهيم من بلدة القليعات، قال «لا شك ان هذه الزراعة باتت مصدرا مهما لدخل المزارع، ونحاول التكيف مع ارتفاع كلفة الانتاج باستخدام «السواد العربي« العضوي المعروف بروث البقر أو زرق الطيور، لتسميد الشتول، وبذلك نوفر الكثير من تكاليف التسميد الكيميائية المرتفعة الثمن، فعمليات الزراعة المعتمدة على مقومات الطبيعة كالتسميد بروث البقر والمصائد الفرمونية والتعقيم الشمسي وغيرها، هي الأكثر جدوى في الوقت الراهن، لأن مستلزمات زراعة البيوت المحمية مرتفعة جداً، وهذا وضع المزارع أمام خيارين أحلاهما مرٌّ، فإما التخلي عن زراعة حقله، أو تحمل أعباء التكاليف المرتفعة، لكن إبداع المزارع العكاري والعودة إلى تلك المقومات حل المشكلة وأمّن محصولاً زراعياً نظيفاً ومردودية إنتاجية جيدة«.

وعن مواعيد الزراعة بوجه عام وزراعة البندورة قال «بعض المزارعين يزرعون البيوت المحمية ضمن مرحلتين تسميان موسمين زراعيين ضمن السنة الزراعية الواحدة، وتبدأ زراعة شتول الموسم الأول ضمن التربة في شهر آب وتستمر فيها نحو شهرين ونصف الشهر، وتكون الأسعار منخفضة نوعاً ما لكثافة الإنتاج؛ عكس الموسم الثاني الذي ترتفع أسعار المنتج «البندورة« أو «الخيار« مثلاً لانخفاض كميات الإنتاج، حيث تزرع الشتول ضمن التربة في شهر كانون الأول وتبقى فيها ثلاثة أشهر، وهنا تكون عمليات التسويق جيدة ومثمرة للمزارع لارتفاع الأسعار على عكس الموسم الأول. ويضيف «هناك آخرون يزرعون موسماً زراعياً واحداً ضمن السنة الزراعية، ويسمى موسماً طويلاً كما في منطقة ببنين ووادي الجاموس وقبة بشمرا ، حيث تزرع الشتول ضمن التربة في آب، وتبقى فيها ما يقارب سبعة أشهر، وهنا يكون للشتول تعامل خاصة كتنزيلها عدة مرات عن الشبكة الهوائية إلى سطح التربة كلما نمت.

ويضيف «يشكو المزارعون من التكلفة العالية للإنتاج بدءاً من البذار والأسمدة ومواد المكافحة وصولاً الى تكلفة اليد العاملة في المشاريع الكبيرة في وقت تتدنى فيه أسعار الإنتاج في الموسم لأسباب عدة أبرزها اتجاه المزارعين الى أصناف محددة في الموسم وإغراق الأسواق بالإنتاج المستورد المماثل في ظل غياب الحماية».

من جهته، دعا المزارع حسين الرفاعي، وزارة الزراعة الى دعم البيوت المحمية من جهة وحماية إنتاجها من جهة ثانية، ودعا الإدارات المعنية الى التعويض عن أضرار العواصف التي طالت المزارعين في عكار. ولفت الى ضرورة الشروع بدراسة تهدف لتنويع الزراعات في بيوت البلاستيك، مؤكداً الحاجة الى تطبيق الروزنامة الزراعية عبر الاتفاق مع الدول الأخرى. وأوضح أن مشروع تأهيل زراعات بيوت البلاستيك، الذي يطبق بالتعاون مع (الفاو) يجري دورات تدريب للمزارعين، إضافة الى أبحاث عن الزراعات المحمية

يذكر أن الزراعات المحمية لا تقتصر على السهل، فقد وصلت الى ارتفاع 1200 متر في جرود عكار الضيقة والقموعة وفنيدق وهي تشكل عنصرا جاذباً للمزارعين، وأملاً لهم بإنتاج شتوي يؤمن مدخولاً مستداماً، خصوصاً أن هذه الزراعة تؤمن الخضر المطلوبة في غير مواسمها كالبندورة والخيار والكوسا واللوبياء والفليفلة والبازيلا وغيرها، وهم يأملون بإجراءات فعلية تحمي إنتاجهم وتخفض تكلفته، وتواجه الاعباء المتزايدة.