IMLebanon

الأسواق مصابة بذعر يتجاوز احتمال «خروج بريطانيا»

StockMarketAmerican3
من الصعب بصورة مزعجة تماما تأكيد السببية في الأسواق. تحركات الأسواق التي هي نتائج عديد من القرارات من قبل لاعبين مختلفين لديهم دوافع مختلفة، ربما لا يكون لديها سبب بعينه. لكن باعتبارنا بشرا لدينا رغبة قوية في استخلاص الروابط، والإجابة عن السؤال “لماذا؟” هذا يمكن أن يقودنا إلى أن نعزو الأمر للسببية حين لا يكون هناك سبب موجود.

هذا من باب الحذر قبل محاولة تفسير المرحلة التي وصلت إليها الأسواق. كثير من المقاييس الموثوقة، الخاصة بالقلق والعزوف عن المخاطر تظهر أن المستثمرين قلقون بعمق، أو حتى مستعدين لحدوث أزمة.

كذلك هذا الأسبوع يشهد الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر مصيريا بالنسبة للمملكة المتحدة، لكن أيضا ستكون له آثار عميقة على بقية الاتحاد الأوروبي. فهو يهيمن على النقاش في الأسواق المالية، حتى في أمريكا الشمالية وآسيا. لذلك، هل نوبة القلق التي تسري في الأسواق مدفوعة من المخاوف بشأن خروج بريطانيا؟ وهل ينبغي أن نستنتج أن التصويت بالمغادرة سيفضي إلى أزمة؟

دعونا نبدأ بالأدلة على الذعر. إنها في كل مكان. ارتفع الذهب 25 في المائة منذ أدنى مستوياته في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وأعلى مستوياته منذ آب (أغسطس) 2014. الذهب، بالطبع، “ملاذ” كلاسيكي.

الين، العملة التي يتدافع إليها المستثمرون تقليديا في أوقات الشدة، عند أعلى مستوياته منذ آب (أغسطس) 2014، على الرغم من محاولات اليابان لإضعافه. الدولار انخفض بنسبة 17.7 في المائة مقابل الين منذ الصيف الماضي.

الأكثر دلالة هي السندات الحكومية. العائد على سندات الخزانة الألمانية كان سلبيا لفترة وجيزة هذا الأسبوع. وهذا أمر غير مسبوق ولم يكن من الممكن تصوره حتى الآونة الأخيرة. ويعني، في الظروف العادية، أن الناس يائسون للغاية بشأن آفاق النمو الاقتصادي على مدى العقد المقبل حيث إنهم على استعداد لضمان خسارة صغيرة جدا لأنفسهم من خلال إقراض الحكومة الألمانية.

في الولايات المتحدة التي تتمتع في الوقت الحالي باقتصاد أقوى من اقتصاد ألمانيا، انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام إلى أدنى مستوياته منذ آب (أغسطس) 2012، وكان ضمن 15 نقطة أساس من مستواه المنخفض طويل الأمد، أيضا في عام 2012. هذا يحدث حتى في الوقت الذي يعود فيه معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى الوضع الطبيعي، وترتفع الأجور، و”الاحتياطي الفيدرالي” يتحدث عن رفع أسعار الفائدة.

أسهم المصارف تعاني أيضا، مما يشير إلى القلق بشأن النظام المالي. انخفض سعر أسهم دويتشه بانك في مرحلة ما إلى أدنى مستوياته على الإطلاق – أدنى مما كان عليه في أسوأ مرحلة من أزمة اليورو، أو ما بعد أزمة ليمان عام 2008.

ما الذي يمكنه تفسير مثل هذه الأمور؟ ربما تستطيع حملة الخروج من الاتحاد تفسير ذلك. هناك حجج وجيهة على جانبي القضية ينبغي للناخبين البريطانيين أخذها في الحسبان، لكن بقدر ما يتعلق الأمر بالأسواق، فإن الفوضى والإرباك اللذين يمكن أن يشعلهما الخروج، والسابقة التي سيشكلها من حيث المزيد من عمليات المغادرة من الاتحاد الأوروبي، كل ذلك من شأنه تصعيد حالة عدم اليقين. إنه تعبير مبتذل أن الأسواق لا تكره شيئا أكثر من كرهها لحالة عدم اليقين، لكن هذا لا يلغي صحة هذه المقولة.

من الصعب قياس النتيجة. فقط العام الماضي كانت استطلاعات الرأي مخطئة جدا بشأن الانتخابات العامة الأخيرة في المملكة المتحدة. لكن للمتداولين مصادرهم. محطات بلومبيرج الطرفية تتميز بإجراء تحديثات تتعلق باحتمال التصويت “بالخروج” مستمدة من النتائج المستخلصة من مواقع الرهانات، التي تظهر على موقع “أودس تشيكر”. وهذا أظهر أن احتمالات الخروج من الاتحاد ترتفع من نحو 20 في المائة قبل ثلاثة أسابيع، إلى 45 في المائة الأسبوع الماضي.

وهذا يتداخل بدقة مع وقوع الأسواق في حالة من القلق. والأمر الأكثر إيحائية هو أن التغير الحاد في احتمالات الخروج، في أعقاب الأحداث المأساوية التي وقعت يوم الخميس في المملكة المتحدة، عمل على تخفيض الفرصة إلى 36 في المائة، وشهد ارتفاعا في عائدات السندات، وتحركا في أسواق العملات. لكن الآن لنبحث عن واقع بديل. كانت عائدات السندات وأسهم المصارف في اتجاهها نحو الانخفاض منذ فترة طويلة. وهذه الاتجاهات تسبق وعود ديفيد كاميرون بإجراء استفتاء، التي يبدو من الواضح الآن أنها غير حكيمة. وكذلك هناك تحركات أخرى تجري على قدم وساق.

كانت أرقام الوظائف الأمريكية عن أيار (مايو)، التي أعلن عنها هذا الشهر مع ارتفاع احتمالات الخروج من الاتحاد، فظيعة. وفظيعة جدا لدرجة أنها ربما كانت تمثل خللا بعيدا في سلسلة بيانات تعرف بأنها عرضة للتنقيحات، لكنها لا تزال تمثل أخبارا سيئة.

جاءت تلك البيانات في الوقت الذي كان فيه “الاحتياطي الفيدرالي” يحاول إعداد الأسواق لارتفاع محتمل في أسعار الفائدة – الارتفاع الذي يمكن أن يكون الثاني فقط، لأنها بقيت عند مستوى الصفر خلال معظم العقد الماضي – خلال اجتماعه في حزيران (يونيو)، الذي جاء الأسبوع الماضي. لم يكن هناك أي ارتفاع. والأمر الأكثر غرابة، أن جانيت ييلين رئيسة “الاحتياطي الفيدرالي”، قدمت محاولة بسيطة لإقناع المستثمرين بأنه ربما سيكون هناك رفع لأسعار الفائدة في الشهر المقبل. كان تقييم “الاحتياطي الفيدرالي” للاقتصاد متشائما، ويتوقع عدد من المحافظين الآن حدوث ارتفاع واحد فقط في الأسعار هذا العام.

هذا الخبر يعمل بطبيعة الحال على خفض عائدات السندات وأسعار أسهم المصارف. وتراهن السوق على أن “الاحتياطي الفيدرالي” سيكون حتى أكثر تساهلا. العقود الآجلة على سعر الفائدة التي يدفعها الاحتياطي الفيدرالي على ودائع المصارف لديه ترى أن احتمال عدم حدوث أي ارتفاع في الأسعار هذا العام يزيد على 60 في المائة. وربما يكون هذا رهانا خطيرا، لكن جذوره عميقة ولا علاقة له بمغادرة بريطانيا للاتحاد.

تفرض مسألة الخروج ضغطا على الأسواق. هذا على الأقل أمر صحيح. إذا صوت البريطانيون لمصلحة البقاء في أوروبا هذا الأسبوع، يكاد يكون من المؤكد أنهم سيستثيرون اندفاعا قصير الأجل. لكن أن ننسب جميع مخاوف الأسواق إلى لاستفتاء فهذا مع الأسف مجرد تفكير قائم على التمني.