IMLebanon

جريمة القاع بين الدعاية الإنتخابية وترسيخ منطق الدولة

kaa-chouhada

 

 

كتب نوفل ضو في صحيفة “الجمهورية”:

بعد مرور أسبوع على التفجيرات الإرهابية التي استهدفت بلدة القاع، بدا واضحاً أنّ التعاطي الحكومي الرسمي كما التعاطي السياسي – الحزبي جاءا دون ما تتطلّبه مثلُ هذه الجريمة من مقاربات تلامِس الأسبابَ والدوافع، لتقتصرَ على مجرّد التعاطي مع النتائج ومحاولة احتوائها بالحدّ الأدنى من الخسائر أو محاولة الاستفادة منها والاستثمار في ذيولها.الحكومة تعاطت مع المسألة كحادث أمنيّ، ولم تقُم بأيّ خطوة من شأنها وضعُ الجريمة في إطارها السياسي الصحيح والسعي إلى معالجة أسبابها من خلال الاستفادة من مجموعة أوراق تملكها، بدءاً بكونها الجهة الشرعية القادرة على أن تتوجّه باسم الدولة اللبنانية إلى المجتمعَين العربي والدولي لمساعدتها على ترسيم الحدود السائبة وضبطِها بما من شأنه أن يمنعَ أو على الأقل يحدّ من تكرار مِثل هذه العمليات الإرهابية في المستقبل.

والمؤسف أنّ اللبنانيين لم يَسمعوا بأنّ وزير الخارجية جبران باسيل الذي هو رئيس «التيار الوطني الحر» رافع شعار الدفاع عن الدولة والمسيحيين وحقوقهم، بادرَ إلى استدعاء سفراء الدول العربية والأجنبية المؤثّرين في لبنان للطلب إليهم العمل على مساعدة لبنان على تطبيق القرارات الدولية التي تسمح له بضبط حدوده ومنعِ تدفّق السلاح عبرها في الاتّجاهين.

وفي وقتٍ كان عضو كتلة نواب «القوات اللبنانية» أنطوان زهرا يَجول على أحياء القاع وشوارعها ويشارك أبناءَها أعمال الدورية والحراسة في مواجهة الإرهابيين، بادرَ العميد شامل روكز إلى زيارة القاع ورأس بعلبك لشدّ أزرِ أبناء البلدتين، الذين حملوا السلاح الفردي دفاعاً عن أنفسِهم…

وبذلك بدا «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» المفترَض أنّهما مرتبطان بورقة إعلان للنوايا السياسية، وكأنّهما في عملية تنافس على استقطاب الرأي العام المسيحي في إطار لعبةِ تحديد الأحجام التي بدأت على الساحة المسيحية بالانتخابات البلدية الأخيرة ويفترض أن تُستكمل في الانتخابات النيابية المقبلة.

أمّا «حزب الله» الباحث عند كلّ مفترق ومناسبة، عن ذريعة لتبرير دور سلاحِه غير الشرعي، ومحاولة تأمين غطاء سياسي له، فوجَد في العمليات الإرهابية التي استَهدفت القاع مناسبةً لتصوير نفسِه وكأنّه يَحمي المسيحيين في لبنان في مواجهة حقيقة الدور الذي يقوم به في حماية نظام الرئيس السوري بشّار الأسد.

وعلى هذا الأساس سارَع «حزب الله» إلى الإعلان عن تنفيذه عملياتٍ انتقامية لشهداء القاع من خلال استهداف قائد ميداني لتنظيم «داعش» في جرود عرسال، وهو ما لم يقُم به الحزب حتى عند مقتلِ قائده العسكري مصطفى بدر الدين قبل أسابيع وثأراً لأكثر من خمسة وعشرين من عناصره سَقطوا في يوم واحد في معارك حلب.

وإذا كان موقف الحكومة الخاضعة لموازين القوى التي يفرضها «حزب الله» على أرض الواقع، وسعي «حزب الله» إلى استغلال المناسبة في إطار تجاوزه المعروف لمنطق الدولة والمؤسسات الدستورية مفهومين – ولو غير مقبولين – فإنّ ما ليس مفهوماً ولا مقبولاً هو موقف الأحزاب والقوى السياسية المسيحية التي جعلت من تفجيرات القاع الإرهابية فصلاً من فصول حملاتها الانتخابية والدعائية، في وقتٍ ترفَع شعار التمسّك بالشرعية والمؤسسات الدستورية من دون أن تقدِم على أيّ خطوة تعزّز مكانة الآليات الدستورية المعتمدة في النظام السياسي اللبناني.

فعلى الرغم من أنّ للأحزاب والقوى السياسية المسيحية المستقلة نوّاباً يفوق عددهم الـ 45 نائباً، فإنّ أيّاً منهم لم يكلف نفسَه حتى عناء توجيه سؤال الى أيّ من وزراء الدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق والخارجية جبران باسيل أو إلى رئيس الحكومة تمّام سلام عن الخطوات التي قاموا بها لمعالجة أسباب الجرائم الإرهابية التي استهدفت بلدة القاع.

كما أنّ أيّاً منهم لم يجتمع بسفير أجنبي أو يتصل بمسؤول عربي أو دولي مؤثّر مطالباً بوضعِ قرارات الشرعيتين العربية والدولية الخاصة باستعادة الدولة اللبنانية سيادتها وبسط سلطتها على كلّ أراضيها بقواها الذاتية الشرعية.

إنّ الدفاع عن الشرعية اللبنانية لا يتحقّق بمجرّد رفعِ شعارات عن أهمّيتها بين وقت وآخر. كما أنّ المطالبة بحقوق المسيحيين لا تكون بمجرّد السعي إلى رفع أعداد أعضاء الكتَل النيابية لهذا الحزب أو ذاك.

فما نفعُ شعار الشرعية وما الفائدة من زيادة المقاعد النيابية والوزارية إذا كان المطالبون بها لا يستفيدون ممّا هو متوافر لديهم حاليّاً من مقاعد نيابية ووزارية لاعتماد الآليات الدستورية في معالجة التطورات، حتى ولو بدا للبعض أن لا نتائج فورية تُرتجى من ذلك.

فمنطق الدولة يحتاج إلى من يتبنّاه قولاً وإلى من يُطبّقه فعلاً، لأنّ هذا المنطق، على الرغم من ظهوره وكأنه غير مؤثّر في المسارات السياسية والأمنية والعسكرية في ظلّ الاستباحة الراهنة للدستور والمؤسسات، فإنّه يبقى عملياً الحاجزَ الأبرز الذي يصطدم به «حزب الله» في كلّ محاولاته لتشريع الأمر الواقع الإنقلابي الحالي المفروض في لبنان بقوّة السلاح، والانتقال به إلى واقع دستوري وقانوني.