IMLebanon

الحريري على اندفاعه بخيار عون رغم اعتراضات حلفاء وأصدقاء

saad-hariri

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

يؤثر محيط زعيم تيار “المستقبل” رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اعتماد العبارة التي تقول أنه بتحركه لإنهاء الشغور الرئاسي، لجأ إلى “الخيارات المفتوحة” على المرشحن للرئاسة، من أجل توصيف اندفاعه نحو خيار زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وذلك لاستدراك إمكان فشل هذا الاحتمال الذي أكد لجميع من التقاهم أنه لم يتخذ القرار النهائي في شأنه بعد.

لكن بعض من يعارض خيار الحريري المحتمل، وأولئك الذين يتفاءلون به، يعتبرون أن المحاولة التي يقوم بها رئيس تيار “المستقبل” هي أهم مقاربة جدية في شأن الاستحقاق الرئاسي وحظوظها متساوية سلباً وإيجاباً. وهي دليل على أنه يختزن قدرة على اجتراح المبادرات بقدر من الشجاعة، مع أن فيها نسبة عالية من المغامرة. وعلى رغم أن جولة المشاورات التي قام بها حتى ليل أول من أمس، مع أقطاب السياسة اللبنانية، أظهرت وجود عقبات أمام اعتماده خيار العماد عون، فإن من التقوا الحريري في الأيام القليلة الماضية لمسوا منه استمراره على اندفاعه الشخصي في تبرير هذا الخيار.

أسئلة الحريري وتنبيه فرنجية

وباستثناء ابتهاج قيادة “التيار الحر” وعون، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتلك الاندفاعة الحريرية، كما ظهرت في لقائهما به ليل أول من أمس، فإن اجتماعاته التي سبقتها مع كل من رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط، والرئيس السابق أمين الجميل ورئيس “الكتائب” سامي الجميل، وقبلهم أعضاء كتلته النيابية وبعض الأصدقاء بعيداً من الأضواء، أظهرت وجود عقبات لا يستهان بها في وجه خياره، كان بعض محازبيه ونوابه وحلفائه يتوقعها.

ومع التكتم حول هذه اللقاءات، فإن الخطوط العريضة لحصيلتها باتت مسربة. وتقول مصادر واسعة الإطلاع أن فرنجية بادر الحريري إلى القول: “من الآخر. جئت لتبلغني بأنك ستسير بخيار العماد عون. وإذا كنت تنوي ذلك أتفهم ظروفك ولا أعتب عليك وتعرف أن عتبي الأساسي هو على حلفائي الذين لم يساندوا ترشيحي بعدما تبنيته أنت”… كرر الحريري لفرنجية مبررات تحركه الجديد، وفق أوساط “المستقبل”، بالقول أنه لم يترك مبادرة إلا وأقدم عليها للخروج من الشغور الرئاسي منذ ترشيح جعجع، إلى اقتراح الرئيس الجميل بديلاً، وحين طرحنا إمكان السير ببطرس حرب لم يقبلوا، ثم طرحنا فكرة المرشح التوافقي، وبعدها اتفقنا معك وما زلنا منذ زهاء 11 شهراً بلا أي تقدم على رغم ما قيل أن “حزب الله” دعا إلى التريث شهرين أو ثلاثة لعله يمشي بترشيحك. ثم رشح جعجع العماد عون لكننا ما زلنا على الحالة نفسها والحزب لا يقوم بأي خطوة ليجلب أصواتاً له مع أني رددت موقفي بالاستعداد للنزول إلى البرلمان ليجري التصويت وإذا فاز عون سأقول له مبروك. إلى متى نبقى على هذه الحال؟

وفيما قالت مصادر مطلعة أن أحد قادة “المردة” عاتب أحد مساعدي الحريري على تشجيع الأخير منذ أشهر على خيار عون، أوضحت أيضاً أن الحريري أكد حرصه على الخروج من الفراغ لأن البلد على حافة الانهيار اقتصادياً، وأن شلل المؤسسات بفعل الشغور لم يعد يحتمل، وأنه لم يخف ملاحظته لفرنجية بأن كتلته لا تنزل إلى البرلمان، وأنه لم يقنع حلفاءه بالسعي الى الخروج من هذه الحالة، فيما الحريري يتعرض لحملة بأنه يقف ضد الميثاقية وحقوق المسيحيين فوق ما عاناه من دعمه فرنجية على صعيد جمهوره، بينما الأقطاب الذين أيدوا خيار رئيس “المردة” لا يبذلون جهداً لإنجاح هذا الخيار، وهم يبدون مرتاحين على وضعهم، ويتركون “المستقبل” يتلقى الاتهامات بأنه يؤخر الرئاسة، فيما جمهوره يعاني من اهتراء الدولة ويصبح عرضة للتأثر بالخطاب المتطرف. إلا أن أوساط الحريري تضيف على ذلك القول إنه طرح السؤال كما في بقية محطات جولته حول ما يجب فعله للخروج من الركود وأنه قرر فتح الخيارات كافة ولم يحسم نهائياً السير بخيار عون بانتظار استكمال مشاوراته.

وتلفت المصادر الواسعة الاطلاع إلى أن فرنجية ذكّر الحريري بأنهما سبق أن اتفقا على أنه إذا ذهب إلى خيار آخر غيره لن ينسحب من السباق الرئاسي “إلا لمرشح ثالث وليس لعون ولن أمشي به”. وأضافت: “قال فرنجية بوضوح للحريري أن هناك ثقة بنيت بيننا لكن انسحابي لم نتفق عليه. وعلى كل حال أنا أنبهك إذا اتفقت مع عون من أن يحصل معك ما حصل مع الرئيس أمين الجميل حين عينه رئيساً للحكومة عام 1988 (اضطر الأخير لمغادرة البلاد بعد تعرضه لمحاولة اغتيال وقيل في حينها أن عون أبلغه أنه لا يستطيع حمايته…)، وهو ما صدر لاحقاً عن فرنجية في تغريدة على “تويتر”. وعلى رغم ذلك اعتبرت أوساط “المستقبل” أن حركة الحريري أنتجت إيجابيات مع فرنجية، لمجرد نزول عضو كتلة نوابه إسطفان الدويهي إلى جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب الرئيس الأربعاء الماضي منهياً بذلك تضامنه مع “حزب الله” في مقاطعة الجلسات.

وفي اللقاء مع “الكتائب” كرر الحريري مبررات انعطافته الجديدة، وكرر الجميل الأب والإبن اعتراضهما على مرشح من قوى 8 آذار.

اعتراض بري وجنبلاط

أما مع بري وجنبلاط، فإن المصادر السياسية الوثيقة الصلة بكل منهما تقول إنهما حرصا على الاختلاء بالحريري من دون مساعدي كل منهم، الذين حضروا جزءاً من المداولات لمدة وجيزة، فجرى الحديث الجدي رأساً برأس، حول خيار عون. وأكدت اعتراض الأول عليه، فيما أشارت إلى التحفظات التي طرحها الثاني. وتضيف المصادر أن بري سبق أن انتقد أداء بعض فريق الحريري ممن “يحمسونه” على خيار عون، وأنه سبق أن قال للحريري إنه إذا جاء رئيساً للحكومة في ظل رئاسة عون فإنه سيكلف بتأليفها من دون أن ينجح في ذلك. وعلى شح المعلومات في شأن مطالعة بري الاعتراضية على عون فإن المصادر المطلعة تشير إلى أن رئيس البرلمان جدد الحديث عن السلة التي يطرحها وعن التفاهمات الوطنية التي يعتبرها شرطاً للاتفاق على الرئاسة وتتناول عناوين هيئة الحوار الوطني، مصراً على التوافق العريض حولها مع ما يعنيه ذلك من عودة إلى طاولة الحوار التي علق “التيار الحر” حضوره فيها (تشكيل الحكومة وعمل البرلمان وقانون الانتخاب…)، أما جنبلاط فنصح الحريري بالتريث وأخذ موقف بري في الاعتبار، ومثله رئيس البرلمان تساءل عما إذا كانت الظروف الإقليمية تتيح السير بمثل هذا الخيار. كما أكد له الحرص على أخذ مزاج جمهوره في الحسبان في أي خطوة.

وتعدد المصادر نفسها الحجج التي ساقها من التقاهم الحريري قبل عون وجعجع كالآتي:

– أن التصرف على أنه أم الصبي لحرصه على إنقاذ البلد قد يرتد عليه ويدفعه الى مزيد من التنازلات أمام الفريق الآخر، فضلاً عن أنه ليس وحده أم الصبي والمعني بإنقاذ البلد من الانهيار، بل هو عبء على الجميع تحمله، وإلا بات تحركه مغامرة مكلفة لأن من يتهمونه بعرقلة انتخاب عون وخصوصاً أنصاره و “حزب الله”، سيواصلون حملتهم هذه إذا فشل في تأمين التوافق على عون، تارة بحجة أنه لم يتمكن من مواجهة معاندة فريق من تياره يقف ضد هذا الخيار، وأخرى بسبب ما انفكوا عن تكراره بأن الاعتراض السعودي وراء هذا الفشل.

– أن الوضــــع الإقــليمي الملتهب لا يتيح انتخاب الرئيس في لبنان، لاستمرار ارتباط التأزم في لبنان به. وثمة قناعة عند أصحاب هذا الرأي وبينهم أقطاب ومراجع على صلة بدوائر دولية وإقليمية، بأن اتهام إيران والحزب بتأخير ملء الشغور الرئاسي في انتظار اتضاح المعادلة في سورية ليس مجرد تكهنات أو تقديرات بل واقع فعلي. وهذا يعني أن مبادرته ستصطدم بحائط مسدود لا قدرة للقوى المحلية على اختراقه. أما الحديث عن عدم ممانعة السعودية انتخاب رئيس يتفق عليه اللبنانيون، فقد يكون اجتهاداً.

– أن اقتران أي تسوية على رئاسة عون، محفوفة بمخاطر الفشل، بتولي الحريري رئاسة الحكومة لأنها تصطدم بحديث “حزب الله” عن وجوب الاتفاق على سلة عناوين بينها تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري ومطالب الفرقاء في الحقائب الوزارية. وإذا كان إنهاء الشغور والسلة يتطلبان موافقة الحزب فمن الأفضل أن يفاوض الحريري الحزب بدلاً من مفاوضة عون. ولذلك تقول مصادر في فريق 8 آذار أن التسوية إذا كانت تشمل توزيعاً للمواقع، وأثماناً، فإن أقصى ما يقدمه عون للحريري هو تأييده لرئاسة الحكومة. أما الأخير فإن موقعه يوجب عليه أن يدفع أثماناً لغير عون، وتحديداً لـ “حزب الله” وحليفه بري.

– أن تبرير بعض المحيطين بالحريري انعطافته على أنها تصالح مع المناخ المسيحي الذي يتهمه والسنة بتجاهل حقوق المسيحيين في الرئاسة وغيرها، هو تسليم بالحملات التي استهدفت “المستقبل” منذ سنوات والتي تأسست على تلك الحملة التي طاولت الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تسعينات القرن الماضي بأنه يريد “أسلمة” البلد والتي كان رموز الوصاية السورية يشجعونها آنذاك لإبقاء الحريري الأب تحت الضغط ولابتزازه.

– أن رفض رموز من “المستقبل” السلة التي يطرحها بري والحزب اعتراضاً على تقييد رئيس الجمهورية وإلزامه باتفاقات مسبقة، يناقضه ما يتسرب عن أن فريق الحريري اتفق مع عون على الرئاسة الثالثة وعلى بعض الحقائب الوزارية في حال انتخب رئيساً.