IMLebanon

هل طلبت واشنطن “إذن” بيروت لعبور صواريخها؟

 

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: سيسيل مزيد من الحبر عن الضربة الصاروخية الأميركية الأسبوع الماضي على قاعدة الشعيرات السورية، ومعه كثير من الأسئلة الغامضة. وبمعزل عما جرى، فقد تحدث قريبون من المحور الروسي أنّ منظومة صواريخ الـ(S400) التي رصدت صواريخ الـ«توماهوك» قالت إنها عبرت الأجواء اللبنانية ولم تتصدَّ لها حفاظاً على سلامة اللبنانيين. وإذا صحّت هذه الرواية فهل طلبت واشنطن الإذن من لبنان لعبور أجوائه؟

من المتعارف عليه أنّ منظومة الـ(S400) التي تستخدمها القوات الروسية المتمركزة على الساحل السوري لرصد الأجواء تغطي المنطقة الممتدة من شمال إسرائيل والأردن والشاطئ المصري حتى مدينة بور سعيد وقسم من صحراء سيناء جنوباً وحتى عمق الأراضي التركية واليونانية شمالاً وفي مدى يمتد حتى الى وسط الأراضي العراقية شرقاً وعمق المتوسط غربي جزيرة قبرص وبالتالي لا يمكن أن تعبر أيّ طائرة أو صاروخ هذه المنطقة من دون رصدها مع إمكان التصدي لها.

هذا العرض ليس للدلالة الى القدرات العسكرية للمنظومة الصاروخية الروسية ومواصفاتها. وهي التي تتباهى بها روسيا وتفرض شروطاً تعجيزية لبيعها أو استخدامها في أيّ أراض خارج أراضيها. بل للإشارة الى دورها في رصد الصواريخ الأميركية الـ 59 التي عبرت هذه الأجواء من شرق المتوسط في اتجاه قاعدة الشعيرات السورية الجوّية التي تبعد أقل من 100 كيلومتر من قاعدة حميميم الروسية حيث نصبت هذه المنظومة.

وما الذي حال دون استخدامها في تعطيل العملية الأميركية أو التصدي لها أو التنبيه منها على الأقل لحماية قاعدة أعادت ترميمها ويستخدمها حليفها النظام السوري ويتمركز فها خبراء إيرانيون ومن جنسيات أخرى.

سبق لروسيا في نهاية تشرين الثاني 2015، أي بعد 60 يوماً على تدخّلها المباشر في الأزمة السورية أن رسمت خطوطاً لمنع سقوط الساحل السوري وذلك أمام كل قوات الحلف الدولي بما فيها القوات الأميركية والفرنسية والسعودية والإماراتية التي تشارك في الحرب على «داعش» في سوريا والعراق وكل شركات الطيران المدنية في سوريا ودول الجوار وهي خطوط جوّية محددة لسلوكها منذ أن أنهت تجهيز قاعدتها الجوية في حميميم بالمنظومة الجديدة تحت شعار منع أيّ احتكاك جوّي غير مرغوب به بين الطائرات الروسية وطائرات هذه الدول التي تسلك مسارات عسكرية ومدنية في المنطقة التي تشملها المنظومة.

كان الحديث يتناول ما سبق من عرض، يجري بين مجموعة من السياسيين وخبراء عسكريين يناقشون في ما يحوط بالعملية العسكرية الأميركية التي نُفِّذت في سوريا بعد ايام على قصف خان شيخون بغاز السارين وتداعياتها الإقليمية والدولية بحثاً عما هو متوقع من ردات فعل.

فتوالدت الأفكار وتعددت السيناريوهات من منتقد للدور الروسي المتفرّج يحصي الصواريخ الى أخرى تتحدث عن تشتّتها في المجال الجوي من دون الإشارة الى مواقع سقوطها بعد الإشارة الروسية ـ غير الرسمية – الى أنها لم تسقط كلها في القاعدة المستهدفة.

استغرب الخبراء العسكريون هذه الرواية الروسية وفضلوا لو أنها حددت في بياناتها مواقع سقوط هذه الصواريخ الشاردة. فهل يُعقل مثلاً أنها سقطت في أراض عراقية أو سوريّة أخرى من دون أن يدري بها أحد، سواءٌ في مناطق سكنية أو في البادية البعيدة عنها؟ ولذلك أُهملت الرواية من أساسها.

وعندما قيل لماذا لم تتصدَّ شبكات الصواريخ الروسية لنظيراتها الأميركية؟ فهي عبرت في أقرب نقطة من مواقع تمركز المنظومة الروسية الأكثر تطوّراً، وهي التي رصدت قبل اشهر اكثر من صدام محتمل بين طائرات حربية من جنسيات مختلفة من بينها أميركية وروسية فوق المتوسط وفوق سوريا وما بين صواريخ عابرة في اجوائها وطائرات مدنية.

ووجهت تحذيرات الى شركات الطيران المدنية من دول الخليج العربي التي تعبر المنطقة مخافة أن تتعرّض لكوارث شبيهة بتلك التي شهدتها سيناء وأوكرانيا ومناطق أخرى كانت تشهد نزاعاً مماثلاً.

رداً على هذه الأسئلة جاء الجواب وفق بعض الروايات أنّ هذه الصواريخ عبرت الأجواء اللبنانية وأنّ التصدي لها كان سيلحق أضراراً بالأراضي والسكان اللبنانيين فلم تتصدَّ لها. فجاء رد على الرد بأنّ الصاروخ الذي دمرته اسرائيل فوق الأردن لم يلحق أيّ ضرر بالمنطقة وسكانها وكان من الأفضل تدميرها في الجوّ.وما بين هذه الروايات التي حفل بها الحوار، طرح سؤال وجيه: هل أبلغت واشنطن الى بيروت بالعملية؟

وهل نال الأميركيون إذنها مسبقاً لعبور صواريخهم الأجواء اللبنانية؟ فكان الرد أنّ في الفضاء الخارجي أجواءً اقليمية وأُخرى دولية تُحتسب بعلوّ يزيد على آلاف الأميال كما في احتساب المياه الإقليمية للدول والمياه الدولية المحرّرة من أيّ قيود قانونية وسيادية.

وردّ آخر: مَن قال إنّ الصواريخ عبرت سماء لبنان؟ وهل رصدها أحد؟ وهل أفصحت القيادة الأميركية عن خطوط عبورها من شرق المتوسط الى الشعيرات؟ ولماذا بقيت البيانات الروسية على لسان المصادر؟

وهل في الأمر سرّ عسكري يتجاوز كشفه مخاطر الكشف عنه؟ ولما بلغت الأسئلة حدود التخوين للبنانيين في العملية، جاء الرد على شكل سؤال ومفاده: عندما أطلقت صواريخ الكروز الروسية المجنحة في السابع من تشرين الأول 2015 ودفعة أخرى منها في 20 تشرين الثاني من العام 2015 من بحر قزوين في اتجاه الأراضي السورية هل طلبت القيادة الروسية إذناً من الدول التي عبرت سماءها؟ وقد قيل يومها إنها عبرت الأجواء التركية والإيرانية والعراقية، بعدما أعلنت القيادة الأميركية صراحة أنّ بعضها أخطأ الهدف وقد سقط في الأراضي الإيرانية.

عند هذه الملاحظات توقف الحوار على رغم تشعبه في نواح أخرى، وبقيت الأسئلة المطروحة كثيرة. ومنها ما كان ساخراً: هل كان على واشنطن ان تبلغ دمشق أيضاً بالعملية والهدف المقصود منها؟ وهل إنّ أحداً من القوى العظمى يحتسب مواقف الدول الصغيرة في مثل هذه العمليات الكبيرة!؟