IMLebanon

الدواعش مُحاصرون في الجرود… فكيف تَصِلُهم الأموال؟

 

 

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”: لا تفرغ جعبةُ «داعش» من الأساليب المختلفة لإغراق نفسه بالأموال التي تشكّل شريانَه الحيوي.. وفيما تُحكم الأجهزة الأمنية سيطرتها على المعابر كافة، يلجأ التنظيم الإرهابي الأكثر ثراءً على مرّ العصور الى «الحيَل» لإيصال الأموال الى الجرود، فما بين تخبئتها في مقاعد السيارات، أو إيصالها تحت غطاء الجمعيات الخيرية، وصولاً الى تشغيل مكاتب نقل أموال غير شرعية تسرق زبائنها وترسلها للداعشيين، تكشف «الجمهورية» الحقائق التي أوردتها محاضر التحقيقات حول آلية التمويل في لبنان.

منذ بدء الحرب السورية، ومع ظهور التنظيمات الإرهابية، نجحت الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها مديرية المخابرات بتوقيف العديد من الأشخاص والشبكات المرتبطة بتمويل هذه المجموعات، أو الأصح نقل الأموال لها، خصوصاً تلك الموجودة في جرود عرسال وداخل المخيمات الفلسطينية، وضبطت كميات كبيرة من الأموال على الرغم من أنه في بعض المرات كانت الأموال تُمرَّر بإغفالٍ سياسي متعمّد أو نتيجة تدخّلات سياسية.

ومن أبرز هذه الشبكات، شبكة أوقِفت أخيراً، مؤلّفة من خالد مصطفى الفليطي، محمد أحمد الشيخ صالح، صالح الشيخ صالح، ونشمة جاسم الهويّش، الذين كانوا يشكّلون شبكةً لوجستيةً تنقل الأموال الى جرود عرسال، حيث أوقِف الفليطي أولاً عند حاجر للجيش على أطراف عرسال حين كان يقود سيارة «بيك أب» مخبِّئاً مبلغ 26,500 دولار تحت مقاعدها، وذلك في طريقه الى أحد المخيمات في الجرود، علماً أنه ليس المبلغ الأكبر الذي يضبطه الجيش، بل إنه وصل في بعض المرات الى 150 ألفاً و200 ألف دولار، وحسب ما تبيّن في التحقيقات أنّ هذه الأموال تُعطى لـ«داعش»، حيث يصل الفليطي الى أحد المخيمات ويعطيها لشخص معيَّن، ليوصلها بدوره الى الجرود عند المسلّحين. أما باقي عناصر الشبكة فأوقِفوا في بيروت بالقرب من مخيّم صبرا.

الكبتاغون: المموّل الأبرز

لا شك في أنّ تجارة الكبتاغون أدرّت على التنظيم كثيراً من المال، وتفيد المعطيات بأنّ هناك معملاً للكبتاغون في الجرود، حيث يصنعون هذه الحبوب ويعيدون تهريبها إما الى الداخل اللبناني أو الى سوريا، لإستعمالاتٍ محلّية أوّلاً بما أنّ تعاطي الكبتاغون يؤدّي إلى تدمير الخلايا العصبية المركزية والاضطراب العقلي، والميل إلى العنف والإحساس بالاضطهاد، واستسهال التفكير في الانتحار، وهو ما يحتاج له «داعش» لتجنيد الشبان، وأخرى تجارية بعدما بات الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة سوقاً جديدة رئيسة ينصبّ فيها الطلب على الكبتاغون، خصوصاً في بلاد معيّنة منها سوريا.

جمعيات خيرية «للتمويه»؟

يشكّل المال عصبَ «داعش» الأساسي، وهو ما تُرجم على الأرض حيث إنّ التنظيم وبعدما كان يعاقب مَن يخرج عن قوانينه بانتقامات وحشيّة، أصبح منذ بعض السنوات يعاقب بعضهم من خلال مطالبته بالأموال التي لا يمكنه الإستمرار من دونها. لذلك فإنّ أولى معارك الحرب على الإرهاب اليوم هي تجفيف مصادر تمويله، والتي غالباً ما تكون من خلال جمعيات خيرية تدعمها دولٌ معيّنة وتمرّر لها الأموال لتنقلها الى الإسلاميين المتطرّفين أو الجماعات الإرهابية، إضافة الى رجال أعمال ومتموّلين يساهمون في هذا الموضوع كذلك.

طريقان لتهريب الأموال

تبيّن من خلال التحقيقات والمتابعة وتقاطع المعلومات نتيجة توقيف الشبكات المختلفة، أنّ معظم عمليات التمويل يصل من خلال طريقَين: إما من طريق مكاتب الأموال غير الشرعية الموجودة في مناطق لبنانية عدة، لا سيما في منطقتَي صبرا وشتورا، والتي عادةً تجمع الأموال من العمّال السوريين على أساس أنها ستوصلها الى أهاليهم في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في الداخل السوري، إلا أنها تبقي الأموال في المكتب في لبنان وتهرّبها الى الجرود مع أشخاص عاديين عندما تكون المبالغ صغيرة، سواءٌ كانوا مواطنين لبنانيين متعاونين مع «داعش» أو من خلال سوريين، في مقابل بدل مادي يتراوح بين 200 و500 دولار حسب ضخامة المبلغ المُهرَّب، وكل ذلك تحت غطاء جمعيات خيريّة تتذرّع بأنها ستوزّعها على النازحين في عرسال.

أما الطريقة الثانية وهي الأخطر، فهي عبر أشخاص يدخلون المطار آتين من دول عربية وفي جِعابهم كميات من المبالغ، حيث يقضون مدة قصيرة في لبنان، يسلمون خلالها الأموال لشخص معيّن تكون هناك وسيلة تعارف واتصال مُتّفق عليها مسبَقاً في ما بينهم، إما داخل عرسال أو خارجها، وبعد أن تُسلَّم الأموال يغادرون لبنان مباشرةً.

مع العلم أنّ هؤلاء الأشخاص يأتون الى لبنان مرة واحدة خوفاً من أن يصبحوا مكشوفين تجاه الأجهزة الأمنية، خصوصاً وأنّ هناك متابعةً بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والدولية، والمطار مضبوط ولا يُعتبر نقل الأموال سهلاً، خصوصاً وأنه يجب تبرير المبالغ الضخمة رغم أنّ القانون لا يفرض ذلك.

في المخيّمات الفلسطينية…

أما تمويل الإرهابيين الموجودين داخل المخيمات الفلسطينية فيُعتبر أكثرَ تعقيداً، كونه يتمّ من خلال تحويلات داخلية عادية بأسماء أشخاص ليسوا مشبوهين، تدخل الى المخيم بمبالغ صغيرة جداً أضخمها 3000 دولار، من خلال أشخاص من سكان المخيم معتادين على الخروج منه والعودة إليه بشكلٍ دوري بحيث لا يلفتون النظر، أو من خلال نساء يتحجّجن بزيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء في المخيمات، في الوقت الذي يحملن معهنّ كمياتٍ من الأموال.

ويُعتبر ضبط هذه العملية صعباً إذ إنه لا يمكن توقيف زائر لا شبهات حوله وإن كان يحمل مبلغ نحو 500 دولار لأنه لا يمكن إثبات موضوع التهريب، خصوصاً وأنها تُعطى لفرد معيّن وهو يتكفّل بباقي آلية التهريب. أما الأكيد فهو أنه لا توجد مكاتب لتحويل الأموال أو استلامها في المخيمات الفلسطينية.

وهكذا تُصرف…

عادةً تُستخدَم الأموال لشراء السلاح من السوق المحلية داخل المخيّم، ويُصرَف قسمٌ صغير جداً منها على رواتب المقاتلين وعلى بدل الأكل والشرب والسكن، فيما يُستخدَم قسمٌ ثانٍ لتأجير الشقق والبيوت، وقسمٌ آخر في تأمين الحاجات اللوجستية للعمليات الإرهابية التي تُنفّذ، من متفجرات، وسيارات، مروراً بالفنادق خارج المخيمات وغيرها، واللافت أنّ الإنتحاريين وعكس ما يعتقد الناس لا تُدفع لهم الأموال لتنفيذ المخططات.

أما الأموال في الجرود، فتُعطى للمقاتلين ولعائلاتهم، من أجل شراء الأكل وحاجيات المعيشة، لكنّ الحاجة وصلت بهم الى كميات أضخم من الأموال في ظل الضيقة والحصار اللذين يعانون منهما، وذلك لتأمين كل ما هو مقطوع من أكل ومازوت ومياه وغيرها…

إذاً، بين استخراج النفط وبيعه واستغلال الأراضي عبر جباية الرسوم والضرائب والغرامات، والإتجار بالآثار القديمة، مروراً بتصنيع المخدرات وبيعها، وصولاً الى المتاجرة بالأعضاء البشرية، وفديات الخطف، وغيرها، يستخدم «داعش» مصادر عدة جعلت منه التنظيم الأكثر ثراءً على مرّ العصور، أما في لبنان فمصادر تمويله محدودة، وتخطط الأجهزة الأمنية للقضاء عليها من خلال إستراتيجيات وقائية وعلاجية وقتالية للحدّ من مخاطرها وتمدّدها.