IMLebanon

فضيحة التفاح… الأموال لم تدفع كاملة والبساتين تحوّلت إلى مزادات “حطب”! (بالصور)

تحقيق رولان خاطر

عجز متراكم، أزمة تتواصل منذ سنوات من دون حل جذري، ومبادرات خجولة لـ”ترقيع” ثوب الأزمة الممزق الذي بدأ يمزّق بساتين التفاح ومالكيها، فيحوّل البساتين إلى مزادات “حطب” ومالكيها إلى “دلاّلين” يدقون مطرقتهم لمن يعطي السعر الأفضل.

تمنيات ووعود، هو فقط ما حصل عليه مزارعو التفاح منذ بدء الأزمة بدل أتعابهم والمواسم التي تذهب هدراً. الدولة غائبة عنهم، مبادرات ميتة، وإذا وجدت “ما بتبلّ الريق”، حتى وبعد تقديم اقتراحات القوانين وطلب تطبيق قوانين موجودة وعرض اقتراح مراسيم. ولو ربما كانوا يملكون سطوة السلاح غير الشرعي وقوة الميليشيات لصًرفت لهم ميزانيات ووُضعت لهم موازنات، وحتى فرضت لـ”عيونن” ضرائب على المواطنين.

 

قطاع مزارعي التفاح منتشر وانتاجه كبير جدا لذلك فإن ازمته موجعة أكثر من قطاعات زراعية أخرى، فبحسب جمعية المزارعين اللبنانيين رميت أكثرية المحصول في البقاع الشمالي، ورغم ضآلة الانتاج هذا العام لم يستطع المزارعون تصريفه.

علما أن معلومات ترددت عن خطة وضعتها شركات عقارية تريد الحصول على اراض بأرخص الأسعار، في اي منطقة من لبنان، لاقامة الفنادق والمنتجعات وحلبات السباق، والاتجاه في أكثر الأحيان صوب الأراضي الزراعية.

في الشمال، وفي بشري تحديدا، حيث السوق الأكبر لإنتاج التفاح، مزارعو التفاح يشتكون، موجوعين، وحزينين، من ما آلت إليه المعالجات في هذا الموضوع، خصوصاً أن مسألة حل هذه المعضلة لا تتعلق بنائب أو وزير وحده، بل هي مسؤولية الحكومة مجتمعة ايجاد سبل وحلول لقطاع التفاح في لبنان. فإنتاج هذا القطاع ليس محصوراً ببشري فقط، إذا كان هناك من يريد تسييس هذا الموضوع، إنما هناك إلى جانب بشري، العاقورة، عكار، البقاع الغربي، بخعون، وغيرها…

وبالتالي فإن مسألة معالجة هذه الأزمة هي مسؤولية وطنية، تفترض من كل المسؤولين دق ناقوس الخطر بعدما بات “اليأس” يضرب نفوس المزارعين بحسب ما اكد العديد منهم لـIMLebanon.

 

كنا فريقاً من ثلاثة أشخاص نجول في بشري، نطلع على أوضاع الناس، و”ننزل” في بستان وآخر، حتى وصلنا إلى ما يفاجئ العين على الرغم من أننا كنا على علم مسبق بالحادثة.

بستان تفاح بأكمله تمّ “جزّه” من على “بكرة ابيه”، بعدما وصل “اليأس” بالمزارعين إلى الذورة، والحلول إلى مكان مقفل. وللحدّ من خسائره، قال لنا شربل سكر إنّه باع البستان “حطباً”، مضيفاً: “لم نعد نتحمّل الخسائر، لم يعد لدينا القدرة على الاستمرار في النزف الحاصل. فالأزمة تتكرر كل سنة ولا معالجات جدية ولا اهتمام من قبل الدولة بقطاع التفاح. علماً ان سوق البطاطا تهتم الدولة به، وتم ايجاد أسواق لها إلى الدول العربية”.

جيران شربل أتوا بدورهم ليؤكدوا لنا أن المسألة باتت لا تطاق، والديون أصبحت ثقيلة على كاهل المزارعين، فلا يوجد مزارع تفاح أو مالك بستان إلا وتثقله الديون، فالصندوق هذه السنة بيع بنحو 10 إلى 12 ألف ليرة ع “إمّو” بعدما وصل الصندوق في السنوات الطبيعية إلى 25 ألف ليرة لبنانية، وهذا ما أرهق المزارعين بالديون التي اضطروا عليها. وللحد من الخسائر اضطروا الى بيع التفاح بأسعار زهيدة بعدما أقفلت أسواق التصريف بوجههم، وها هي برادات بشري وطرابلس مليئة بالتفاح بانتظار تصريفها بطريقة أو بأخرى، علما أنه من بشري وحدها يوجد أكثر من مليون صندوق تفاح برسم البيع ولا نوافذ تصريف لها.

 

في الـ2003 دعمت الدولة مزارعي التفاح بـ5 مليارات ليرة كتعويض استثنائي، وفي الـ2016، دعمتهم بـ40 مليارا، إلا أنهم لم يصلوا بمجملهم الى المزارعين، بحسب بيان صادر عن رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك في 13 تشرين الأول 2017، مشيراً إلى أن “ملف هذا الدعم غامض بالنسبة الينا وعليه علامات استفهام كما ترفض الحكومة اللبنانية والهيئة العليا للاغاثة والجيش أن يعلنوا عن الارقام التي صدرت لنتأكد من الصرف كما يلزم”.

هذا الغموض والاستفهام يؤكده سكر لـIMLebanon، ويكشف أن المساعدات وصلت على دفعتين وقبضها المزارعون، إلا أن قيمتها لم تكن كما أُعلن عنها، فالمساعدات التي تلقيناها تصل كحد أقصى إلى حدود الـ2000 ليرة كتعويض وليس 5000 كما قيل، و”لم نحصل على القيمة التي وعدنا بها”. والسخرية ان المعاملات التي طلبوا أن نؤمنها و”المشاوير” ذهابا وإياباً لتأمين الأوراق كلفتنا ما أعطونا إياه تقريباً”، ساخراً من هذا الوضع برمته.

وعلى الرغم من إعلان رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك في 29 أيلول الماضي أن “ثورة الفلاحين” انطلقت، إلا أن البرادات لا تزال ممتلئة بالتفاح. وأكثر من 30% من المزارعين يتجهون إلى “قصّ” بساتينهم وبيعها حطباً للحد من خسائرهم وبالتالي الخروج من قطاع زراعة التفاح، مع ما يشكله هذا الأمر من ضرر على القطاع الزراعي اللبناني بشكل عام وعلى قطاع التفاح بشكل خاص.

وفيما تقوم بعض المبادرات الخاصة بجهود لتأمين حد أدنى من معالجات لأزمة التفاح في لبنان، ولتخطي الازمة الناتجة عن اهمال الدولة ومنع القطاع الزراعي من انشاء مؤسساته وبنيته التحتية، وفي طليعة هذه الجهود “مؤسسة رينه معوض” التي تحاول فتح أسواق جديدة لتصريف إنتاج التفاح وخصوصاً مع روسيا، يبدو أن لا وسيلة امام مزارعي التفاح إلا التحركات والاعتصامات في الشوارع طالما هناك من أعلن عن “ثورة”، وذلك لتحصيل كامل حقوقهم، وإجبار الدولة على الاهتمام ورعاية هذا القطاع الوطني التقديم.