IMLebanon

مشاورات رئاسية لتفاهُم سياسي جديد؟

تنطلق اليوم المعالجة العملية لأسباب استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري “المتريثة” بمشاورات واسعة يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يُراد منها: أوّلاً، خلقُ دينامية تسمح بربط مرحلة خروج الحريري من السعودية وتجميد استقالته بالمرحلة اللاحقة التي ستشهد عودة العمل الحكومي الى طبيعته وفق تفاهمٍ سياسي جديد داخلي وإقليمي. وثانياً الاستماع إلى الآراء التي سيُدلي بها رؤساء الكتل النيابية والشخصيات السياسية حول النقاط الأربع التي ورَدت في بيان استقالة الحريري والخروج بموقف جامع منها. وثالثاً إعطاء الحركة الديبلوماسية الخارجية حول لبنان الوقتَ الكافي، ولا سيّما منها الفرنسية لكي تُحقّق النتائج المرجوّة منها.

وذكرت صحيفة “الجمهورية” ان المشاورات تنتهي بلقاء يَعقده رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ويعقبه لقاء لعون مع رئيس الحكومة المتريث في الاستقالة يُطلعه خلاله على نتيجة هذه المشاورات.

وأشارت الصحيفة الى أنّ رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية اعتذرَ عن المشاركة في المشاورات بسبب سفرِه خارج لبنان وسيمثّله أحد قياديّي “المردة”. كذلك أعتذرَ رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل الموجود في الخارج وسيمثّله الوزير السابق نقولا صحناوي، فيما سيمثّل رئيسُ كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الأمينَ العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله.

وفي الوقت الذي اجمعَت مصادر “عين التينة” و”بيت الوسط” على بثّ أجواءٍ من التفاؤل، انضمّت اليها دوائر القصر الجمهوري بالمناخ نفسِه ولفتت عبر “الجمهورية” الى أنّ ما يهمّ رئيس الجمهورية هو ان تستعيد البلاد بكل المؤسسات نشاطها بفاعلية، وأن يحصلَ ممّن سيَستشيرهم على أجوبة واضحة وصريحة حول بعض العناوين السياسية الاساسية التي تؤكّد ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في لبنان، بالإضافة الى تلك التي تناوَلها كتاب الاستقالة الذي كان ينوي الحريري تقديمه لرئيس الجمهورية قبل قبوله تمنّيَه بالتريث.

ومن هذه العناوين يمكن الإشارة الى الآتي:

الموقف من موضوع «النأي بالنفس» وتحديد مفاهيمه الأساسية وسبلِ ترجمته.

العلاقات بين لبنان والبلدان العربية وسبلِ الحفاظ عليها واستمرارها في افضلِ الظروف التي تضمن عدمَ التدخّل في الشان اللبناني مقابل عدم تدخّلِ اللبنانيين في الشؤون العربية الأخرى.

سبلِ مقاربة المرحلة المقبلة وإدارتها حكومياً ومؤسساتياً لتستعيدَ البلاد عجَلتها الطبيعية.

إستكمال تنفيذ «اتفاق الطائف» في ظل التوافق على الخطوات التي تحميه.

صحيفة “الأخبار” من جهتها، لفتت الى ان خلاصة ما يقوله أكثر من مصدر من انتماءات سياسية مختلفة، أنّ عون سيأخذ من القوى التي يلتقيها تعهدات تسمح له بإصدار بيانٍ، يصدر إمّا عن الرئاسة الأولى أو مجلس الوزراء، يؤكد الثوابت الآتية: ​النأي بالنفس​، ​اتفاق الطائف​، والعلاقات مع ​الدول العربية​. بعد ذلك، من المفترض أن تعود الحكومة إلى الانعقاد، ويكون الحريري قد تراجع كلّياً عن فكرة الاستقالة.

على خط مواز، تُشير المصادر إلى أنّ الإليزيه تواصلت مع عون والحريري ومع القيادة السعودية، بهدف تجديد إصرارها على المُضي قدماً في إعادة ترتيب الوضع اللبناني الداخلي، بما يضمن استقرار الحياة السياسية، واستمرار التسوية الرئاسية التي قام بها الحريري، واستمرار الأخير في العمل السياسي.

وكشف مصدر مطلع عبر “اللواء” ان البحث ربما يتطرق بعد المشاورات إلى موضوعين: الأوّل، تقريب موعد الانتخابات النيابية، والثاني الإبقاء على الحكومة الحالية أو تشكيل حكومة جديدة.

وفي هذا الإطار، أوضح النائب آلان عون ان مشاورات الرئيس عون لا تستبعد أية فرضية أو احتمال على الرغم من ان الأسهل الاستمرار في الحكومة.

والسؤال المطروح، عشية بدء المشاورات الرئاسية النيابية، هو ما هي الآلية التي يمكن الاتفاق عليها لضمان التزام كل الأطراف اللبنانيين بالنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية وتحييد لبنان عن الخلافات العربية، وهل هذا الالتزام يكون من الأطراف اللبنانية، وتحديداً هنا «حزب الله» أم يكون أيضاً من الخارج، وما هي الإمكانات المتاحة للبنان لالزام هذا الخارج بما يمكن الاتفاق عليه في الداخل؟ وهل يستطيع في ظل التزامات بعض الداخل ببعض الخارج إذا كان المطلوب من النأي بالنفس ان يكون فعلاً لا قولاً، على حدّ تعبير الرئيس الحريري؟

وأبعد من كل ذلك، هل يكفي تضمين عبارة النأي بالنفس في البيان الوزاري للحكومة الحالية، مع ان البيان التزم بما ورد في خطاب القسم والذي تبنى النأي بالنفس في إحدى فقراته، مع العلم ان أي تعديل في البيان الوزاري أو إضافة فقرة فيه، يحتاج إلى ثقة نيابية جديدة بالحكومة، يمكن تفاديها من خلال طرح التعديل ضمن مشروع قانون تتبناه الحكومة وتحيله إلى المجلس ويكون التصويت عليه بمثابة ثقة جديدة.

حتى الساعة، لا تبدو ثمة أفكار عملية مطروحة ومحددة لإيجاد مخرج ما يكون كفيلاً بعودة الرئيس الحريري رسمياً عن استقالته، سوى تأكيد الحكومة نفسها مجتمعة الالتزام بسياسة النأي بالنفس، وهي النقطة المركزية التي ستتركز عليها مشاورات اليوم، وهذا الأمر يتطلب انعقاد جلسة لمجلس الوزراء للخروج ببيان الالتزام، وبالتالي، فإن مجرّد انعقاد الحكومة في جلسة رسمية يعني ان الاستقالة لم تعد قائمة، وأن الحكومة عادت إلى وضعها الطبيعي قبل بيان استقالة الحريري في 4 تشرين الثاني، وبعد بيان التريث في عيد الاستقلال، مع العلم ان التريث لا وجود له بالمعنى الدستوري، فإما ان تكون هناك استقالة أو لا استقالة، وهو يختلف عن الاعتكاف الذي له سوابق في تاريخ الحكومات اللبنانية مع الرئيسين الراحلين رشيد كرامي وتقي الدين الصلح.

وفي تقدير مصادر مطلعة ان المشاورات التي سيجريها الرئيس عون ستكون فقط للاستماع إلى رأي وافكار رؤساء الأحزاب والكتل السياسية الممثلة في الحكومة والموجودين خارجها للصيغة التي يمكن ان تُلبّي مطالب أو شروط الرئيس الحريري للعودة عن تريثه بالاستقالة، وبما يكفل تحييد لبنان وابعاده عن الحرائق والحروب المحيطة به، وتطبيق سياسة النأي بالنفس فعلاً لا قولاً.

وبطبيعة الحال، فإنه سيكون للرئيس عون رؤية وتطلعات وكذلك لهؤلاء السياسيين، وستكون كل هذه الأفكار موضع تقييم وجوجلة بينه وبين الرئيس برّي في نهاية هذا اليوم الطويل، ومن ثم يتم اطلاع الرئيس الحريري على المحصلة وتاليا الوقوف على موقفه النهائي، بما يكفل عودته عن استقالته بشكل نهائي، أو ان يقدمها رسميا، بحسب الدستور، فيقبلها الرئيس عون أو يرفضها، وفي الحالة الأولى يفترض ان تجري استشارات نيابية تلزمه لتسمية شخصية سياسية جديدة لتكليفها تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر مستبعد كلياً.

وأوضحت مصادر رسمية للـ”اللواء” ان مشاورات الرئيس عون ستستمر طيلة نهار اليوم وعلى مرحلتين وتشمل ايضا من خارج القوى المشاركة في الحكومة، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وهو سيختتمها بلقاء مع الرئيس بري والرئيس الحريري لاطلاعهما على حصيلة المشاورات والتوافق على الاقتراحات لحل الازمة بما يكفل عودة الحريري عن استقالته بشكل نهائي، وإحياء جلسات مجلس الوزراء لمتابعة ومعالجة بعض المفات المتراكمة.

وقالت ان الرئيس عون سيستمع إلى ما يطرحه المشاركون في هذه اللقاءات، ويستمزج الآراء حول المواضيع المطروحة، ولفتت إلى ان الرئيس عون هو الجامع للكل وأن الأزمة التي شهدها مؤخرا أظهرت تأييد الجميع لدخول الرئيس المباشر لمعالجتها.

وأوضحت ان اللقاءات الثنائية ستفسح في المجال امام الأخذ والرد، على ان يساهم ذلك في تكوين رؤية.

وفهم ان الرئيس عون حريص على ان يناقش ما اورده الحريري في بيانه من بعبدا بعدما كان قد رغب الأخير في ان تشكّل النقاط التي اوردها منطلقا للحوار.

واضحت المصادر الرسمية ان الرئيس عون يريد الانتهاء من الاتصالات والمشاورات قبل سفره يوم الاربعاء (وليس الثلاثاء كما تردد) الى روما، مشيرة الى ان الاجواء المحيطة بتحرك الرئيسين عون وبري ايجابية للغاية، وكل الاطراف السياسية بما فيها «تيار المستقبل» و«حزب الله» تبدي استعدادا للخروج من الازمة بما يريح رئيس الحكومة ايضا لجهة تطبيق النأي بالنفس وتحسين العلاقات مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج، ووقف الحملات الاعلامية والسياسية ضدها.

في المقابل، ترى مصادر نيابية في «حزب الله»، ان الحزب مهتم بحفظ الاستقرار ومنع الفتنة وتفعيل العمل الحكومي وان الحل ليس بيده وحده بل بيد الاطراف الاخرى ايضا الداخلية والخارجية، لكن وفده الى قصر بعبدا سيكون مستمعا لما عند الرئيس عون من افكار ومقترحات، وسيبني على الشيء مقتضاه ويحدد الموقف لمناسب.

اما وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو فأعلن لـ «اللواء»: «نحن مع هذه المشاورات ونتمنى ان تصل إلى نتيجة وتعود الحكومة إلى ممارستها عملها».