IMLebanon

أيّ عطلة تزيدكم سعادةً في الأعياد؟

كتبت سابين الحاج في “الجمهورية”: 
ينتظر الكثيرون موسم الأعياد لكي يقوموا برحلة إلى الخارج. في هذه الفترة، يتدفّق المغتربون إلى وطنهم الأم تاركين مكان سكنهم وعملهم لقضاء الأعياد في كنف عائلاتهم. في المقابل، يغادر آخرون أرضَ الوطن ليستفيدوا من أيام العطلة ويتمتّعوا ببهجة الأعياد في مكان بعيد.

كلّ يخطّط للعطلة على هواه آملاً أن تجلب له قسطاً من السعادة والفرح، يخفّف من وطأة الروتين اليومي على نفسه ويعطيه جرعة أمل ونشاط تشحنه لأشهر مستقبلية. ولكن بحسب الخبراء والدراسات هناك نوعية عطل تُسعدنا وتريحنا أكثر من غيرها. فكيف نخطّط لعطلة ناجحة وسعيدة هذا الشتاء؟

عطلة استهلاكية فاخرة؟

ها هي «سالي» (27 عاماً) تستعد للسفر إلى إحدى الدول الأوروبية حيث ستقضي فترة أعياد رأس السنة برفقة أصدقائها. هي تجمع المال للقيام بهذه السفرة منذ سنة وتحرم نفسها الكثير لتتمكّن من جمع مبلغ يتيح لها شراء الثياب والأكسسوارات قبل أن تسافر، فهي تريد أن تتصوّر وتضرب «البوزات» بالقرب من كلّ عامود وشجرة، وفي كلّ الشارع ووسط كلّ ساحة.

لكل معلم ستزوره تخصّص بدلةً جديدة ما يضمن لها نشر «لوكاتها» المختلفة عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً فايسبوك وانستاغرام، فيراها أصدقاؤها وصديقاتها بإطلالة «الفاشونيستا». ذلك، يكلّفها مالاً ولكن أيضاً يصيبها بالتوتّر والتعصيب. تتنقّل من متجر إلى آخر لتجد ضالتها، في إطار عملية تكديس كمية كبيرة من الملابس الجديدة.

وتخطّط لطريقة ارتدائها بتنسيق كلّ بدلة مع الأكسسوارات الخاصة بها من حقيبة يدوية، ونظّارات، وأقراط، وطبعاً حذاء. وتفكّر بمكان ارتداء كلّ بدلة، إذ تقسّم ملابسها وإطلالاتها حسب البرنامج السياحي للرحلة وتحدّد أيَّ ملابس سترتدي في كل مكان ستذهب إليه.

كلّ ذلك وهي تطمح أيضاً لترك بعض المدّخرات تشتري بها أغراضاً ومقتنيات من هناك، فطبعاً هي ستجول الأسواق خلال سفرها، وتريد أن تبتاع الكثير من قارة الموضة أوروبا.من جهته، يخطّط وجيه (40 عاماً) لقضاء عطلة مع العائلة في بلد مجاور، إلّا أنه تكبّد مبلغاً كبيراً من المال ليحجز غرفة في فندق فاخر.

نعم، لقد نجحت الإعلاناتُ المختلفة في تشريب الناس عادات المجتمع الاستهلاكي، وزجّت في رؤوسنا فكرة أنّ الصرف وتكديس المقتنيات يضمن الشعور بالفرح. ولكن، تؤكّد العديد من الدراسات أننا نحصد المزيد من الفرح عبر الخبرات التي نعيشها وليس عبر اقتنائنا الأشياء، وبحسب الخبراء إنّ صرف مبالغ مالية كبيرة لجمع شتّى أنواع المقتنيات لا يجلب السعادة.يؤكد الباحثان الأميركيان رايان هويل وغراهام هيل أنّ «التجارب التي نعيشها أهم وأكثر فعالية في مجال زيادة السعادة من الأغراض والمواد التي نشتريها». ما يجعل السفر مرحاً وفق تحليلاتهما هو العلاقات التي يبنيها المسافر، والحديث الذي يتبادله مع وجوه غير مألوفة يلتقيها في المتاجر أو القطار أو المطاعم… تدبير أنفسنا في مكان غريب واعتماد عادات كانت في السابق غريبة عنّا يجعلنا أكثرَ فخراً وثقةً بأنفسنا بدل مضي الفرصة في فندق باهظ الثمن، حيث الخدمة مثالية ولكن أيضاً باردة، لا تسكنها عاداتُ الناس وطريقةُ عيش المجتمع.

مكانٌ جديد في كلّ مرّة؟

يسعى كثيرون إلى تغيير مكان الفرصة دائماً، فلا يحبّذون أبداً زيارة المكان نفسه لأكثر من مرّة، إذ يبحثون عن التجدّد والتعرّف الى مناطق لا زالت مجهولة المعالم بالنسبة لهم.

ولكن، يشير عدد من الخبراء إلى أنّ تغيير مكان العطلة وزيارة أماكن مختلفة دائماً، ليس شرطاً أساساً لشعورنا بالسعادة والاستفادة من إيجابياتها. فالعديد من الناس بحسب الخبراء يختارون قضاء عطلتهم لأكثر من مرّة متتالية في المكان نفسه، حيث يشعرون أنهم نسجوا علاقات ويجدون الراحة النفسية الأساسية لتوازنهم.

هل نخطّط للفرصة؟

يخطّط البعض لفترة الإجازة مدةّ طويلة بينما يتّخذ آخرون قرار القيام بها على حين غفلة تاركين لأنفسهم فقط فترة وجيزة لحزم الحقائب وتحضير الأوراق الضرورية.

في هذا السياق، تؤكّد دراسةٌ أُجريت بالتعاون بين جامعتي شيكاغو وكورنيل الأميركيّتين ونُشرت عام 2014، أنّ التحضير للفرصة يشكّل متعةً حقيقية. عندما ننتظر حدثاً ما بفارغ الصبر يُنتج دماغنا مادة الدوبامين بزيادة 14 في المئة عن الأيام العادية، لأننا نتخايل ونتأمّل ونتفاءل ونحلم… والوعد بتغيير مكان تواجدنا ووتيرة حياتنا، يحفّزنا على انتظار الأفضل.

إنّ التخايلات والأحلام ترفع من تفاؤلنا حتّى إنها تمنحنا أجنحة وقد تزرع في أنفسنا إيجابية تضاهي الرحلة بحدّ ذاتها. عندما نُخطّط لعطلتنا مُسبَقاً بدل اتّخاذ قرارها على عجلة، نكسب كلّ هذه المتعة جراء الانتظار.

طويلة أو قصيرة؟

تؤكّد أنيته فال فاخندورف، نائب رئيس الرابطة الألمانية لأطباء الشركات، أنّ الافتراض «بأنّ الشخص يحتاج إلى عطلة من ثلاثة أسابيع على الأقل ليتعافى من روتين العمل تمّ دحضُه». وتكشف: «يعتقد الكثيرون أنّ أخذ عدّة إجازات قصيرة يمكن أن يكون منعشاً بالقدر نفسه».

مكان بعيد؟

إلى ذلك، تلفت الخبيرة الألمانية الانتباه إلى أنّ أيَّ رحلة مُجهدة يمكن أن تُفسد أيّ خطة للاسترخاء الحقيقي. «فبدء عطلة لمدة أسبوع برحلة جوية طويلة مثلاً، لا يبعث على الاسترخاء إطلاقاً».

يُذكر أنّ السفر خلال العطلة أو انتقالنا إلى منطقة أخرى أو مكان سكن آخر ليس شرطاً للتعافي من إرهاق العمل فلكلّ شخص أذواقه وظروفه. هناك مَن يفضّلون عدم القيام بأيّ نشاط خلال العطلة وملازمة البيت، أو الخروج مع بعض الأصدقاء أو الأحباء لبضعة ساعات والعودة إلى المنزل للاسترخاء.