IMLebanon

أجندة دولية لملاقاة “الإستراتيجية الدفاعية”

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

خلال مؤتمر روما، نقل رئيس الحكومة سعد الحريري عن رئيس الجمهورية ميشال عون، أنّ الأخير سيطرح بعد الانتخابات عنوان المباشرة بالبحث في ملف الاستراتيجية الوطنية الدفاعية. وردّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله مؤكّداً أنّه لا يتحسّس من طرح هذا الملف كون الدعوة لفتحِه تصدر من حليفه عون.

ليست واضحة بعد طبيعة الأُسس التي سيتمّ الاستناد إليها لمقاربة ملف الاستراتيجية الدفاعية، فهل ستتمّ محاكاة الخريطة التي اعتمدها العراق في شأن «الحشد الشعبي»، والتي بدأت بتشريعه قانوناً، ومن ثمّ العمل على ضمِّه إلى الجيش العراقي، أم أنّه سيُصار إلى اعتماد آليات أُخرى تستوجبها ظروف البلدين المغايرة.

وحسب مصادر متابعة لهذا التطوّر، فإنّ النقطة الراهنة التي يوجد فيها لبنان في مقابل بدء فتحِ ملف الاستراتجية الدفاعية، لا تزال تقع في مربّع أنّها «فكرة مجرّدة»، ولا تزال أيضاً تتفاعل ضِمن ظرف أنّه ليس هناك أيّ مستجدّات موضوعية داخلية أو خارجية يمكن الاتّكاء عليها للقول إنّ الوقت حانَ لمقاربتها عملياً.

ومع ذلك يتمّ داخل محافل داخلية وإقليمية ودولية التوقّفُ عند بعض المؤشرات التي في نظرها تشجّع على الاعتقاد بأنه يمكن طرح الاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث اللبنانية بعد الانتخابات.

أبرزُ هذه الأفكار تتحدّث عن ضرورة الاستثمار في عهد حليفِ الحزب الأساسي، أي عون، ليتمّ خلاله طرحُ موضوع الاستراتيجية الدفاعية، كونه قد يمثّل بالنسبة إلى الحزب مناخاً داخلياً مطَمئناً له، خصوصاً أنّ المطروح ليس تجريده من سلاحه، بل «قونَنته».

وإلى هذه الفكرة، تُطرَح جملة معطيات جديدة يراهن القائلون بها على أنّها ستجعل لبنان، وأيضاً «حزب الله» معنيَين بالسير في مقاربةٍ لا تتجاهل فتح ملفّ الاستراتيجية الدفاعية، بعد الانتخابات، وأبرز هذه المعطيات:

  • أوّلاً، وجود اقتناع بأنّ الدول المانحة للبنان، وخصوصاً الخليجية، ستضغط على الدولة اللبنانية لدفعِها إلى بدء البحث في الاستراتيجية الدفاعية، وذلك عبر وضعِ بيروت أمام معادلةٍ تفيد بأنّ ثمن نجاح المؤتمرات الدولية الداعمة للاقتصاد اللبناني، مرهون بما تبديه الدولة اللبنانية من مؤشّرات فعلية للبدء بحوار وطني لإقرار كلّ تطبيقات سياسة «النأي بالنفس» والتي في مقدّمها الاستراتيجية الدفاعية.

وهناك تصوُّر ضِمن هذا النطاق يفيد أنّ هذا الضغط الدولي والإقليمي لن يخيّر فقط الدولة اللبنانية بين البدء بتطبيق كلّ فعاليات النأي بالنفس، (ومن ضِمنها البحث في الاستراتيجية الدفاعية) شرطاً لتوفير الدعم الدولي للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، وبين الذهاب إلى نموذج اليونان، بل أيضاً يخيّر «حزب الله» بين الحفاظ على مكاسبه الداخلية وبين جعلِه يواجه في لبنان وضعَ حركةِ «حماس» نفسه في قطاع غزّة، حيث تتهدّدها الأزمة الاجتماعية هناك بأن تنفجر في وجهها.

وكان لافتاً أنّ الإقرار اللبناني بأنّ «البلد مفلس» وأنه «ذاهب إلى نموذج اليونان»، جاء على لسان رئيس الجمهورية قبل أيام، وذلك حسب ما نَقل عنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد زيارته القصر الجمهوري. ويترجم هذا الكلام الهواجس التي ترى أنّ المرحلة المقبلة سشهد ضغوطاً دولية وإقليمية غير مسبوقة على كلّ من لبنان الرسمي و»حزب الله» بغية دفعِهما إلى فتحِ نقاش في ملف سلاح الحزب، وذلك بأسلوب يُمارِس في وقتٍ واحد «تقديمَ جزرةِ المكاسب الاقتصادية و»عصا» التهويل بالانهيارات المالية».

  • ثانياً، في الغرب، يبدو حسب معلومات متقاطعة أنّ دعم اقتصاد لبنان والجيش اللبناني خرج عن نمطيته السابقة، وأصبح مرتبطاً بخطط مستجدّة حول طريقة جعلِ هذا الدعم يصبّ في استراتيجية حماية «النأي بالنفس» وإيجاد مشكلة من داخل الدولة اللبنانية لموضوع سلاح الحزب. والمطروح هنا هو هندسة المشهد الداخلي والإقليمي للبنان على نحو جديد. ومن المعطيات المطروحة على هذا الصعيد الآتي: عام 2020 يُنهي البريطانيون مساهمتهم في مساعدة الجيش اللبناني عبر مدِّه بوسائل مراقبة تكنولوجية لضبطِ الحدود الشرقية.

ولكنّ لندن ترى أنّ المطلوب حالياً هو البحث في طريقة مساعدة الجيش اللبناني خلال مرحلة ما بعد 2020، حيث تُراهن على نقلِ تجربة ضبطِ الحدود الشرقية إلى جنوب لبنان. أمّا الأميركيون فيعتزمون دفعَ عجلةِ مفاوضاتِ ترسيم الحدود البرّية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، للنجاح. وليس المقصود هنا إنتاج حلول سياسية بين بيروت وتل أبيب. بل ما تقترحه واشنطن تحديداً، بحسب معلومات لـ»الجمهورية»، هو «العمل على إبرام اتّفاق تقني اقتصادي على مستوى شركات التنقيب، بدلاً من الاتفاق السياسي.

وتهدف الوساطة الأميركية إلى أن تقوم شركات متخصّصة بمسحِِ جيولوجي تحت سطح الماء لمعرفة الحدود الفعلية للآبار، وبعد ذلك تدخل الوساطة الدولية لاحقاً لإيجاد حلٍّ وسط بين الطرفين يؤدّي إلى استخراج سلمي لمصادر الطاقة، ويَسمح في أن لا يكون الملف سبباً لاندلاع حروب جديدة، بل أداة لتخفيف وتيرة التصعيد ومساعدة الدولة عبر إعطائها كلَّ المبررات للبدء بفتح حوار داخلي حول سلاح الحزب». ويُتوقع أن يتزامن الحلّ البحري مع السعي إلى سحبِ اإرائيل من مزارع شبعا اللبنانية.

وسيتمّ إدراج هذين الأمرَين بصفتهما ثمناً دولياً سيتمّ دفعُه للبنان من جرّاء البدء الفعلي من جانبه بتطبيقٍ عملي واستراتيجي لمبدأ «النأي بالنفس» ومِن ضِمنه بتُّ استراتيجية الدفاع الوطنية.