IMLebanon

“الكتائب” عند معراب: هكذا نجح “الإنقلابيون”

كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:

لو قُدّر لرئيس حزب الكتائب سامي الجميل أن يستعينَ بعلم الغيب، ليعرفَ مسبَقاً ما ينتظر حزبه من تحالفاتٍ إنتخابية، ما كان ليرضى بها قبل ثلاثة أشهر، لكان بالتأكيد التزم الصمت، أو أقلّه، أعاد النظر بكل خطاب المرحلة الأخيرة ووفّر على نفسه صدمة «الارتطام بالحائط».

هكذا وبلا مقدّمات اضطُر الشاب الى رمي كل خطابه المعارض في سلّة المهملات. مجلّدات من الانتقادات والاتّهامات كالها رئيسُ حزب الكتائب طوال الأشهر الماضية، «شيطن» خلالها كل الأطراف الحكومية، عادت الى الأدراج. لا محلَّ لها في معركته الانتخابية بعدما تغلّب التحالف مع «القوات» على ما عداه.

أربع دوائر أساسية التقت فيها مصلحة الصيفي مع مصلحة معراب، ولو تفاوتت النسبة بين الاثنتين، لكنّ آمال البيت المركزي، وتحديداً رئيسه، بالتمرّد على مكوّنات السلطة للتحالف مع خصومها، باءت بالفشل بعدما نجح «انقلابيّو» البيت المركزي بفرض تفاهمات مناطقية، بدت أكثرَ متانة وفائدة، من تلك التي كانت يريدها رئيس الحزب.

هكذا، نسج ثلاثة نواب كتائبيّون تحالفاتٍ «على قياسهم» مع «القوات»، كل في دائرته، ووضعوها على طاولة رئيس الحزب أمراً واقعاً عليه التعامل معه، بينما مانع الجناح المحسوب على الجميل الإبن هذا الخيار، حتى لو خاض مرشحوه «معارك دونكيشوتية».

البداية كانت في الدائرة الأولى لبيروت، حيث عاد النائب نديم الجميل الى المكتب السياسي ليخبرَ أعضاءَه أنه لم يجد له كرسيّاً على طاولة الحراك المدني. مجموعاتُ الأخير تتنافس في ما بينها وعقجة ترشيحات لم تترك لنجل بشير مقعداً شاغراً، فلجأ الى معراب التي أخذته بالأحضان وكرّمته في لائحتها عن المقعد الماروني. لم يجد ابنُ عمه ما يردّ به فقبِل معه على مضدد.

التقط النائب ايلي ماروني الفرصة ليحيك مطرَحاً له على لائحة «القوات» طالما أنّ فرصَ الحراك المدني في تخطّي الحاصل الانتخابي لا تُذكر. هكذا أيضاً لم يتمكّن المرشح الكتائبي الأرثوذكسي شارل سابا من إكمال الطريق بعدما كان التفاهم مع «القوات» منجَزاً بتوقيع ايلي ماروني. كذلك لم يجد رئيسُ الحزب ما يقوله أو يطرحه كسيناريو بديل يضمن فوزَ مرشح له. فبلع الموسى.

هكذا، تحمّس النائب سامر سعادة لفتح الدفاتر العتيقة مع معراب، وهو يدرك جيداً تفاصيل العلاقة الملتبسة التي كانت تجمع والدَه الراحل جورج سعادة برئيس «القوات» سمير جعجع. ومع ذلك لم يتردّد في تفعيل قنوات الحوار والتواصل، خصوصاً وأنّ لائحة «الحراك المدني» التي كان يستعدّ للمشاركة في إعلانها بدت غيرَ مستقرّة، والأهمّ غيرَ مطمئنة للنتائج لأنها بعيدة من الحاصل.

فأعاد سعادة تنشيط قنوات التواصل مع معراب التي كانت تتمّ بواسطة النائب فادي كرم للبحث في إمكانية التفاهم، مع أنّ النائب الكتائبي كان يشترط سحبَ المرشح فادي سعد لقيام لائحة كتائبية ـ قواتية، الأمر الذي رفضته معراب جملةً وتفصيلاً.

قبل نحو شهر، تسلّم ألبير كوستانيان ملف التفاوض مع «القوات» بعدما كُسر «التابو» وبدأ البحث عن خطوط الإلتقاء بين الحزبين، ما ساعد النائب البتروني على المضي قدماً في محاولاته إقتناعاً منه بأنّ مضارّ خيار لائحة الحراك المدني أكثر من فوائدها. لماذا؟

ـ لأنها، أولاً، ووفق كتائبيّين، لا تستوفي الشروط «المدنية» الصرفة، وفيها ترشيحات مسيّسة وكانت تعبّر في مرحلة سابقة عن اصطفاف محدّد.

ـ وثانياً، لأنها عاجزة عن بلوغ الحاصل الانتخابي، خصوصاً أنّ محازبين كتائبيّين لمَسوا لمْس اليد ميل شريحة من المؤيّدين للتصويت «البراغماتي» للوائح المنافسة كونها أقوى وتتمتع بمقوّمات الفوز.

ـ ثالثاً، تبيّن أنّ بعض المجموعات المعارضة التي تصنّف نفسها في خانة المجموعات المدنية، لن تعطي سامر سعادة أصواتها التفضيلية لأنها لا تعتبر الكتائب مقبولة من هذه البيئة أو تعبّر عن أفكارها، وذلك تناغماً مع رأي هذه المجموعات مركزيّاً، وهي تعتبر أنّ وجود كتائبيّين على لوائحها من شأنه أن يضربَ صدقيّتها.

هكذا بدا خيارُ التحالف مع «القوات» أكثرَ إنتاجيّةً وتفاؤلاً، لا بل ثمّة كتائبيون يتأمّلون في أن يتجاوز «سكور» سعادة بالأرقام التفضيلية، ذلك الذي سيحصّله مرشح «القوات». قد يكون احتمالاً صعباً لكنّه ممكن، على عكس سيناريو التحالف مع مجموعات الحراك المدني.

ولمؤيّدي خيار التفاهم مع معراب وجهة نظرهم تجاه الانتقاد الذي يُرمى في وجههم بأنّ هذا التفاهم يرفع مِن حاصل «القوات»، ويفيد أنه حتى لو صحّ هذا السيناريو، فإنّ رفع حاصل اللائحة سيزيد من فرصة كسبها مقعداً إضافيّاً، قد يكون من حصّة الكتائب في قضاء الكورة، أي لمصلحة مرشحها ألبير اندراوس إذا ما تمكّن من تجاوز مرشح «اليسار الديموقراطي» جورج منصور.

إذاً التحالف ليس مجاناً كما يروّج معارضوه، وفق ما يؤكّد مؤيّدو التفاهم. لا بل ثمّة منافع كثيرة، من وجهة نظر كتائبية، لعلّ أبسطها الحفاظ على القواعد المؤيّدة وشدّ عصبها بدلاً من تشتّتها نتيجة شعورها بضعف اللائحة، وأهمها الإمكانية الجدّية لتحصيل مقعد في هذه الدائرة.

وفق حسابات «القوات»، تستحق الدائرة الرئاسية رفع الحاصل الانتخابي، وتحديداً في مواجهة جبران باسيل، ومع انضمام «الكتائب»، يمكن مرشحها أن يغرفَ من وسط البترون، ولو أنّ السيناريو المثالي كان يقضي بسحب سعادة أو سعد من السباق.