كتبت بولا أسطيح في “الشرق الاوسط”:
فتح نجاح تحالف «التيار الوطني الحر» – مع «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة «أمل» و«حزب الله» – بتأمين فوز مرشح التيار نقيباً للمهندسين في بيروت، نهاية الأسبوع الماضي، الباب واسعاً أما احتمال انسحاب هذا التحالف مجدداً على المشهد السياسي اللبناني، وبخاصة على الملف الرئاسي بعد مرحلة من الصراع المحتدم بين «الثنائي الشيعي» ورئيس «التيار» النائب جبران باسيل الذي لا يزال يُعارض دعم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للرئاسة، كما لا يؤيد خيار فتح جبهة الجنوب لدعم غزة.
ورأى باسيل ما حصل في نقابة المهندسين حيث كانت معركته بوجه «القوات» و«الكتائب» بشكل أساسي، «انتصاراً مزدوجاً على مدى كل لبنان بأكبر نقابة وبمعركة سياسية واضحة، لها معان وطنية وسياسية وشعبية، وقد يكون لها أبعاد مستقبلية»، أي أنه لا يستبعد أن يكون هناك تفاهمات جديدة مع «أمل» و«حزب الله» على ملفات سياسية أكبر.
ومنذ فترة تسلم النائب في تكتل «لبنان القوي» غسان عطالله عملية التنسيق بين قيادة «الوطني الحر» والرئيس بري، بعدما كان يتولاها بشكل أساسي نائب رئيس المجلس إلياس بوصعب، وقد أثمرت تحالفاً في انتخابات المهندسين. ويعطي عطالله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لنتائج هذه الانتخابات أبعاداً سياسية، معتبراً أن «المهندسين اختاروا بين ثقافتين؛ ثقافة الفتنة والحرب والتحريض والميليشيا التي يمثلها حزب «القوات» والتي ظهرت مجدداً في تعامله مع الأحداث الأخيرة بعد مرحلة من وضع قناع أسقطوه مؤخراً، وثقافة الدولة التي نمثلها نحن»، لافتاً إلى أن ما حصل «ردة فعل طبيعية من قبل مجتمع مثقف نبذ أيضاً كذبة 17 تشرين، وهي كذبة لم تدم أكثر من 3 سنوات». ورأى عطالله أن «نسج تحالفات مع قوى أخرى أمر طبيعي؛ إذ لا أحد يستطيع أن يخوض هكذا استحقاقات وحده»، متسائلاً: «ألم يتحالف حزب (الكتائب) مع (أمل) و(حزب الله) في نقابة المحامين؟».
واستهجن عطالله الحديث عن عملية بيع وشراء تمت بين «الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي» لجهة دعم الأخير المرشح العوني في النقابة مقابل تغطية نواب «التيار» التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، متسائلاً: «أي ثمن قبضنا العام الماضي حين صوتنا مع التمديد؟!».
وأشار عطالله إلى أن «انتخابات نقابة المهندسين أتت في ظرف يتم العمل خلاله على تحصين البلد، وفي ظل أجواء إيجابية لتهدئة النفوس وإيجاد مخرج للأزمة الرئاسية»، مؤكداً «مواصلة العمل في هذا الاتجاه خاصة بعد وصول الجميع إلى قناعة بأنه لا يمكن الاستمرار بالبلد من دون رئيس كما بالعمل الحكومي كأن شيئاً لم يكن».
ويبدو واضحاً أن مساعي «الوطني الحر» لمد الجسور لا تقتصر على الرئيس بري، إنما تنسحب أيضاً على رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي يصر على الوجود في الوسط في المرحلة الراهنة، ويرفض التمترس في صفوف المعارضة أو إلى جانب «الثنائي الشيعي». كذلك يبدو أن هناك خطوطاً مفتوحاً بين «الوطني الحر» وحزب «الكتائب» بإطار «التنسيق على القطعة».
ويقول مصدر نيابي في «الوطني الحر» إن «العلاقة المستجدة مع الرئيس بري مرت باختبار ناجح في نقابة المهندسين ولكن لا يمكن البناء على تجربة واحدة لحسم أن هذه العلاقة ستتجذر وتنتج تحالفاً سياسياً ينسحب على ملفات أساسية كالرئاسة»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على «وجوب ملاقاة اليد العونية الممدودة كما التعاون البنّاء في ملفات نعدّها استراتيجية، عندها يمكن الحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة بالعلاقة مع عين التينة».
إلا أن سياسة التلاقي ومد الجسور التي ينتهجها «الوطني الحر» حالياً لا تشمل معراب (مقر رئيس «القوات» سمير جعجع) التي باتت مؤخراً هدفاً أساسياً لهجومات سياسية عونية شبه يومية، ما أدى لاتساع الهوة كثيراً بين الحزبين المسيحيين الأبرز على الساحة اللبنانية. واتهم باسيل جعجع مؤخراً بـ«الطعن بالظهر»، ومحاولة إشعال فتنة في البلد.
وترى مصادر «القوات اللبنانية» أن كل ما يحصل اليوم سواء التحالف في نقابة المهندسين أو غيره «يندرج بإطار محاولة (الثنائي الشيعي) تعويم باسيل؛ لأن هذا الثنائي بحاجة لحليف مسيحي يواجه فيه (القوات) أي قوة مسيحية مناهضة له، لذلك وضع كل ثقله ليربح المرشح العوني في نقابة المهندسين فأتوا بهم بالبوسطات من خلال تعبئة ما بعدها تعبئة». وتشير المصادر إلى أن «حزب (القوات) لم يخض أصلاً الانتخابات بمرشح حزبي إنما كان بموقع الداعم لتوجه نقابي معين، بالمقابل الثنائي الشيعي وضع كل وزنه لصالح حليفه جبران باسيل، فرغم الخلاف حول الملف الرئاسي فإن ذلك لم يُسقط التفاهم الاستراتيجي الذي يجمعهم… وكانت الرسالة واضحة لرئيس التيار أي أنه عندما تكون معنا تستطيع أن تفوز… هم يجعلونه مرة جديدة أسيراً لديهم وطنياً وسياسياً»، مرجحة أن تكون قد تمت عملية «بيع وشراء بين باسيل و(الثنائي الشيعي) لجهة أن دعم مرشحه في نقابة المهندسين يقابله تغطية باسيل تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية».
وتشدد المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الانتخابات النيابية الأخيرة أفرزت واقعاً واضحاً يقول إن الخيار المسيحي أصبح عند (القوات اللبنانية) بشكل أساسي، وهو ما أثبتته بعدها الانتخابات الطلابية والنقابية كما أكدت أن (التيار الوطني الحر) أصبح جزءاً من أقلية مسيحية»، مضيفة: «كذلك فإن الحزب (التقدمي الاشتراكي) أخذ بدوره قراراً بأن يبقى على الحياد، وهو حاسم بكونه لا يريد أن يكون جزءاً من أي تموضع وطني. أما المجتمع المدني ونتيجة الأداء بعد الانتخابات والرهان على تغيير حقيقي لم يتحقق، فمُني بخسارة وهو يشهد انكفاء على كل المستويات».