IMLebanon

الإقامة مقابل تملُّك شقة… أزمة سياسية أم إقتصادية؟

كتبت رنا سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:

يعتبر مبتكرو قانون «منح إقامة للاجانب مقابل التملّك في لبنان»، ان المخاوف المثارة حول مساهمة هذا القانون في توطين السوريين، مخاوف وهمية ستساهم في انهيار القطاع العقاري.

يواصل الاتحاد العمالي العام معركته، للإطاحة بالمادة 50 من قانون الموازنة 2018 والمتعلقة بمنح كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامة له ولزوجته وأولاده القاصرين في لبنان، حيث وجّه رئيس الاتحاد بشارة الأسمر أمس، كتاباً مفتوحاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ناشده فيه «ردّ هذه المادة ضمن المهلة الدستورية القانونية قبل فوات الأوان».

في المقابل، من المقرّر ان يقوم وفد من الجمعيات العقارية بزيارة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، من أجل شرح أهمية هذه المادة في تحريك عجلة القطاع العقاري الذي يرزح تحت الديون، ومن أجل تبديد مخاوفه المتعلّقة بامكانية مساهمة هذه المادة في توطين السوريين في لبنان.

وسبق للراعي أن أبدى رفضه لهذه المادة معتبرا انها «مقدمة للتوطين خلافاً للدستور» وكرّر في عظة قداس الأحد أمس الاول، مطالبته بإلغاء هذه المادة وتعديل قانون تملّك الأجانب وتعليق العمل به، «لأن عدد هؤلاء (السوريون) بات يفوق حاليا نصف شعب لبنان، والأوضاع الراهنة لا تسمح بمنح أية إقامة أو تمليك أو تجنيس أو توطين».

شقير

في هذا الاطار، رأى رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، أحد الداعمين ومطوّري فكرة منح إقامة مقابل التملّك، ان هذه الضجة المثارة حول المادة 50 من قانون الموازنة غير مبرّرة، شارحاً لـ«الجمهورية» ان هناك قانوناً لبنانياً قائماً منذ عقود ينصّ على منح إقامة لكلّ من يودع مبلغ 200 مليون ليرة لبنانية في مصرف لبناني.

وأسف شقير أن يتناول رئيس حزب الكتائب سامي الجميل هذا الموضوع من الناحية السياسية وليس الاقتصادية، قائلا: لا أحد يعي ان لدينا 15 الف وحدة سكنية شاغرة وان ديون القطاع العقاري لدى المصارف تبلغ 18 مليار دولار، وإذا لا سمح الله لم نجد حلّاً للقطاع العقاري فان المصيبة ستطال القطاع المصرفي.

وتمنى شقير عدم ربط المواضيع الاقتصادية بالامور السياسية من اجل مصالح انتخابية، «لأن انهيار القطاع العقاري سيؤدي الى انهيار قطاعات اقتصادية اخرى عدّة».

وحول المخاوف من مساهمة المادة 50، في توطين السوريين، اعتبر شقير ان السوري الذي أراد التملّك في لبنان سبق وفعل ذلك. وهذه المادة لا تهدف الى استقطاب السوريين بل الجنسيات العربية الاخرى بالاضافة الى الاجانب الذين يسعون الى شراء مسكن في لبنان.

لافتا الى ان تملّك منزل في لبنان تقابله مصاريف عدّة كالرسوم البلدية والمالية والضرائب وما يستلزم ذلك من مفروشات او شراء سيارة وغيرها من المصاريف التي ستساهم في تحريك العجلة الاقتصادية.

ولفت شقير الى ان دولاً أوروبية عدّة لجأت الى إجراء منح الاقامة مقابل التملّك «قد انتعشت قبرص من جديد من جراء الـgolden visa التي تمنح إقامة دائمة مقابل شراء وحدة سكنية بقيمة 240 ألف دولار، وتمكن صاحب الاقامة من التقدم للحصول على الجنسية بعد 5 سنوات.

في المقابل، شرح ان شروط منح الإقامة في لبنان ليست مسهّلة كما يتم التداول، لأن القانون ينصّ على منح اقامة لمدة 3 سنوات مقابل شراء وحدة سكنية بقيمة 500 ألف دولار خارج بيروت ومليون دولار في بيروت. وفي حال بيع الوحدة السكنية، تلغى الإقامة.

وأسف شقير ان يتم شنّ هجوم على هذه المادّة من دون الاطّلاع على تفاصيلها وأهميتها الاقتصادية، «وذلك من اجل حشد أصوات انتخابية فقط». متمنياً انتهاء الانتخابات النيابية من اجل اعادة التركيز على مصالح البلد «لأن البلد سينفجر اقتصادياً واجتماعياً في وجه كافة الزعماء».

مرقص

من جهته، أوضح الخبير القانوني بول مرقص لـ«الجمهورية» ان منح إقامة مقابل ايداع مبلغ معيّن من المال في المصرف ليس قانوناً بل هو تدبير متّبع من قبل الامن العام اللبناني من ضمن عدّة شروط مجتمعة يجب ان يستوفيها طالب الإقامة. شارحاً لـ«الجمهورية» ان هذا التدبير يبقي في اطار السلطة التقديرية للامن العام في إعطاء الإقامة ولا تُمنح الاقامة بالمطلق على غرار القانون الذي يمنح اقامة مقابل التمّلك.

ورأى مرقص ان المعايير الموضوعة لمنح الاقامة ضمن هذا القانون اي المادة 50 من قانون الموازنة، ليست منظمة ومدروسة، إذ يمكن على سبيل المثال، ان يدّعي صاحب الوحدة السكنية باستمراره في الملكية بينما يقوم بوكالة غير قابلة للعزل ووكالة عادية لاشخاص آخرين أو عقد بيع ممسوح، وبالتالي يستمرّ في حصوله على الاقامة رغم بيعه المسكن لشخص آخر ولو لم يتم تسجيله فعلياً.

وانتقد عدم وضع دراسة جدوى لتداعيات هذا القانون من ناحية كلفته والايرادات المتوقعة والتداعيات الاقتصادية والديموغرافية والسكانية، مما قد يؤدي الى آثار سلبية على تكوين البلاد ومستقبلها. لافتا الى ان الدول التي تلجأ الى هذا النوع من القوانين، تضعها ضمن برنامج استثماري معيّن ستعتمده يحدد شروط منح الاقامات ومعايير الاشخاص المستهدفين، كالموظفين المتعاقدين أصحاب الدخل الثابت على سبيل المثال.

كتاب «العمالي»

جاء في الكتاب الذي وجهه الاتحاد العمالي العام أمس الى رئيس الجمهورية: «عندما سارع الاتحاد العمالي العام في الرابع من شهر نيسان الحالي بالاعتراض على دسّ المادة الخمسين في موازنة العام 2018 المتعلقة بـ«منح كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامة دائمة له ولزوجته وأولاده القاصرين في لبنان» في ذلك التاريخ لم يكن قد بدر أي اعتراض علني نيابي أو سياسي أو إعلامي».

أضاف البيان: اليوم، تنبّه الكثيرون من المتعاطين بالشأن العام إلى المخاطر التي أشار إليها بيان الاتحاد في حينه بدءاً ممن اعتبر ذلك: مقدمة للتوطين أو لتأييد وجود اللاجئين في لبنان – شرط من المانحين في مؤتمر «سيدر» – خدمة لأصحاب العقارات المبنيّة وشركات تطوير العقارات وقد يكون من بينهم على الأرجح مسؤولون كبار. تابع: كل ذلك في وقت توقفت فيه المصارف عن تنفيذ العقود الموقعة لتقديم القروض المدعومة من مصرف لبنان لأكثر من 1600 مواطن تورّطوا في دفع 25% من قيمة الشقق السكنية.

في حين أنّ الكثير من العرب والأجانب الميسورين الذين يقيمون اليوم في مساكن مفروشة أو في الفنادق أو بالإيجار وهؤلاء يُعدّون بالآلاف سيستفيدون حتماً من هذه المادة.

استطرد: ولأنّ هذه المادة تمّ تهريبها في قانون الموازنة حيث قفزت من لجنة المال إلى الهيئة العامة دون المرور على لجنة الإدارة والعدل واللجان المشتركة. ولأنّ هذه المادة دسّت في الموازنة خلسةً لأنّ الموازنة هي لمدّة سنة فقط بينما المادة خمسون تصبح قانوناً دائماً نافذاً وبالتالي فهي غير دستورية، ولأنها تهدّد النسيج الاجتماعي الوطني وتفسح المجال لمخاطر ديموغرافية مفتوحة على جميع الاحتمالات.

ولأنها تأتي في ظل تطورات كبرى ومصيرية في المحيط الجغرافي للبلاد. ولأنها تتزامن مع إقرار قانون إيجارات غير عادل.

ولأنها تأتي في غياب خطة إسكانية وطنية. ولأنّ قانون تملّك الأجانب تمّ خرقه فتجاوز الـ22% في بيروت بدلاً من 10% و 6% في المناطق بدلاً من 3% بسبب غياب الضوابط، وهذا ما يستدعي إعادة النظر به جذرياً ارتباطاً بحجم مساحة البلاد وحاجات اللبنانيين، لذلك، نناشدكم يا فخامة الرئيس العماد ميشال عون لكل هذه الاعتبارات الوطنية والسياسية والاجتماعية، ردّ هذه المادة ضمن المهلة الدستورية القانونية قبل فوات الأوان».