IMLebanon

الجامعة اللبنانية تُعاود التدريس.. الهدنة لا تعني وقف المواجهة مع السلطة

كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

«عالوَعد يا كمّون». على طريقة هذا المثل الشعبي، يُعاود اليوم أساتذة الجامعة اللبناية التدريس بعد إضراب استمرّ 3 أسابيع، لازَم خلاله أكثر من 75 ألف طالب منازلهم. تعود الحياة بشكل كامل إلى 16 كلّية وثلاثة معاهد للدكتوراه على امتداد الأراضي اللبنانية، فيما تعود بشكل جُزئي إلى نفوس الأساتذة الذين لا تزال آمالهم مُعلّقة بما يمكن أن يُنجزه المجلس النيابي في الدقيقة الأخيرة مِن عمره. وبين حسابات حقلِ الأساتذة وبيدر السياسيين، تؤكّد مصادر الأساتذة المتفرّغين لـ»الجمهورية»: «أنّ تعليق الإضراب لا يَعني انتهاءَ الكباش مع السلطة أو وقفَ التحرّكات».

بمرارة مزدوجة يُستكمل اليوم الفصلُ الثاني من العام الجامعي في الجامعة اللبنانية، مرارة الاساتذة الذين بُحّت حناجرهم وهم يطالبون باعدة التوزان إلى رواتبهم من دون أن يُحققوا مكتسبات ملموسة، ومرارة الطلاب الذين يتخوّفون من ضغط نفسيّ قد يُرافق آليّة تعويضِ ما فاتهم.

في التفاصيل

كلّ مَن يُراقب المسار الذي انتهجَه أساتذة «اللبنانية» في رفعِ صوتهم، يتأكّد من أنّ المسألة لن تنتهيَ بفكّ الإضراب ومعاودة التدريس، لا بدّ من «plan B» يُحضّر في ضوء ما يتهامسون في مجالسهم «نحن أصحاب حق، والحق ما بموت». وفي نظرة سريعة على المسار الذي حدّدوه لتحرّكِهم، تعود ذيوله إلى العام المنصرم، بدأ بزيارات رسمية وجولات لرابطة الاساتذة المتفرغين على المعنيين والرؤساء كافة، حيث سَمعت منهم سيلاً من الوعود.

بعدها انتقلَ الأساتذة إلى تحرّكات رمزية في الكلّيات رافقَها تعليق الدروس لساعات كتحذير من الأعظم، ورغم ذلك لم يرفّ للسلطة أيّ جفن، إلى أن كان الإضراب لأسبوع، ومُدّد مرّتين. في هذا الإطار، يُعرب مصدر مواكب لقضية الأساتذة لـ«الجمهورية»، عن الوضع غير المطَمئن لعودة الاساتذة إلى التدريس، قائلاً: «تجاوَبنا أكثر من مرّة مع تمنّيات المسؤولين بإرجاء أيّ تحرّكٍ أو اعتصام، لذا لم نعلِن الإضراب إلّا بعدما هُرّبت الدرجات للقضاة ولو أنّها زيادة مستحقّة لهم. عندها وصَلت الامور عند حدّها ودخلنا بالإضراب لأسابيع».

السؤال المُحرج

ماذا حقّقَ الأساتذة في إضرابهم؟ سؤال أحرَج الأساتذة الذين حاوَلت «الجمهورية» معرفةَ موقفِهم، لقد أُحرِجوا ليس لأنّهم لم يلمسوا باليد مكتسباتِهم، بل لأنهم عرفوا حقيقة نوايا السلطة في تعاملِها معهم لسياسة التجاهل والمماطلة. رغم ذلك، يقول المصدر نفسه لـ«الجمهورية»: «حقّقنا الكثير»، موضحاً: «أوّلاً نقلنا وجَعنا إلى السلطة والمعنيين، أضِف إلى ذلك أنّنا بعدما أعلنّا يوماً تضامنيّاً مع الجامعة اللبنانية منتصف الاسبوع المنصرم، تمكّنا من الحصول على مجموعة من تواقيع نوّاب من معظم الكتل النيابية، على مشروع القانون المعجّل المكرّر لإعادة التوازن إلى رواتب الاساتذة، لذا اتّجَهنا إلى تعليق الإضراب ولكن هذا لا يعني انّ التحرّكات توقّفت أو محرّكات المساعي لتحقيق مطالب الاساتذة قد أطفِئت».

ويتابع المصدر قائلاً: «بعدما تضاءلت حظوظ الوعود بإمكانية عقدِ جلسة لمجلس النواب قبل الانتخابات النيابية، ارتفعَت حظوظ ترجمةِ وعود الرسميين في المهلة ما بين 6 أيار و 20 منه موعدِ انتهاء صلاحية المجلس، لعقدِ جلسة تشريعية وتمرير القانون المعجّل المكرّر الخاص بالأساتذة بذلك نكون قد حقّقنا الهدف الاكبر».

لا ينكِر الأساتذة في قرارة أنفسِهم «الحقيقة المؤلمة» التي اكتشفوها، وهي تجاهلُ السلطة لمطالبهم، فيقول المصدر: «كأنّ «اللبنانية» على كوكب آخر خارج نطاق مسؤولية الدولة اللبنانية، وتستحوذ الانتخابات النيابية على اهتمام السلطة إلى حدّ أنّها لم تُبالِ بوجود أكثر من 75 ألف طالب في منازلهم وإلى وجود الآلاف من الأساتذة في الشارع. حيال هذه الحقيقة المرّة، كان لا بدّ من العودة إلى التدريس».

نتيجة الإضراب، خسرَ الطلّاب أكثر من 10 أيام تدريس فِعلي، كيف سيتمّ التعويض؟ يُجيب المصدر: «سيتمّ تكثيف الدروس من خلال اللجوء إلى أيام السبت والاستعانة بمواعيد حصص ومواد تنتهي قبل غيرها. وفي أقصى الظروف سيتمّ تمديد العام الجامعي أسبوعاً إضافياً، ونقلُ الدورةِ الاستثنائية إلى أيلول عوضاً عن تمّوز، وذلك في ضوء المستجدّات».

كواليس الإدارة

«الأساتذة محِقّون في مطالبهم»، عبارة لا تُفارق لسانَ رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب في مجالسه وهو يناقش قضية الاساتذة، وسرعان ما تتبدّل تعابير وجهه وكأنّها تقول: «العين بصيرة واليد قصيرة»، بعد كلّ ما قام به من زيارات ويقوم به من اتّصالات.

سرعان ما ينخفض منسوب التفاؤل لدى استفسارنا من مصدر إداري في «اللبنانية» عن مفاعيل الإضراب وإمكانية تحقيق المطالب في المدى المنظور، فيوضح المصدر: «الإضراب بالمعنى الملموس لم يحقّق أيَّ غاية إلّا وعوداً من الوعود السابقة، بانتظار إقرار مشروع القانون و3 درجات، ما يَضمن إعادة التوازن لرواتب الأساتذة». ويذهب أبعد من ذلك، قائلاً: «نخشى المزيد من التأخّر، لأننا ننتظر المجلس النيابي الجديد للبتّ بمطالب الاساتذة، إذ منذ الاستقلال حتى يومنا هذا لم تجرِ العادة أن شرّع مجلس النواب بعد الانتخابات ضِمن مفهوم أدبي أنّ المجلس النيابي الراحل لا يمكن أن يُلزم الدولة بتشريعات أو بإنفاق جديد»، ويضيف: «نحن في موقع ربطِ نزاع، هل سيُقدم المجلس النيابي فوراً على الأخذ بمشروع القانون؟ أستبعد، لذا قد ينتقل ربط النزاع إلى بداية العام الدراسي».

هنا يَكمن الرهان…

أكثر ما يزيد الطين بلّة في الكباش بين الأساتذة والسلطة، غياب التصريحات الخاصة بالجامعة وإضراب أساتذتها عن ألسِنة معظم المرشحين. ويقول المصدر نفسُه: «رغم التعطيل غابَ ذِكرُ الإضراب عن تصريحات المسؤولين لا بل تمّ تجاهله بالكامل حتى في حملاتهم الانتخابية، علماً أنّهم تطرّقوا إلى مواضيع مطللبية، ولكن يبدو أنّ الجامعة ليست موضوع اهتمام بالوقت الراهن».

في وقتٍ يُراهن الأساتذة على أن تُراجع السلطة حساباتها وتنصِفَهم كما أنصَفت القضاة، يؤكّد المصدر رفضَ الأساتذة وإدارتها «أخذَ الطلّابِ للحظةٍ كرهينة»، لافتاً إلى «أنّه لو كانت مشاركة الطلّاب إلى جانب أساتذتهم أوسعَ وأكبر لكان أخَذ الإضراب منحىً مغايراً، نظراً إلى أنّ المطالب ليست شخصية إنّما تعود بالفائدة على الجامعة بمختلف مكوّناتها».

إختبار مزدوج

لم يكن الإضراب مجرّد اختبار لنظرة الدولة ومدى مسؤوليتها تجاه أبنائها في تأمين التعليم العالي لهم، إنّما شكّلَ في الحقيقة اختباراً لأفراد الهيئة التعليمية في ما بينهم، إذ مع كلّ تحرّكٍ وفي كلّ اعتصام، كانت ترتفع الانتقادات الداخلية، لماذا التحرّك أمام القصر الجمهوري؟ ولماذا هذا التوقيت أمام السراي؟ وغيرها من الأسئلة التي كادت أن تنخرَ صفوف الأساتذة كالسوسة. وأبعد من ذلك كاد يعلو الانقسام حول مدى الجدوى من تعليق الإضراب.

لذا يبقى الرهان ليس فقط على وحدة الهيئة التعليمية إنّما على وحدة كلّ مكوّنات الجامعة اللبنانية من أساتذة وموظفين وطلّاب… أمّا الرهان الأكبر، فهو متى تعي الدولة أهمّية الاستثمار في طلابها، في رأس المال البشري الذي يؤهّلنا للدخول في الاقتصاد الجديد إقتصادِ المعرفة، فتلتفتُ إلى صَرحها التربوي الجامعي الوحيد؟