IMLebanon

الإنتخابات تفجّر البنية التنظيميّة والإجتماعية لـ”الجماعة الإسلامية”

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

قوّتان لبنانيتان أساسيتان موضوعتان تحت مجهر الملاحظة الإقليمية والدولية، وذلك في مناسبة الإنتخابات النيابية المحتدمة في لبنان: الأولى هي «حزب الله»، ويتركّز النظر عليها لرصد ما إذا كانت قوتها على الساحة الشيعية تناقصت، ولو بحسابات حواصل الكسر وليس بالضرورة حواصل المقاعد. والثانية هي «الجماعة الإسلامية» التي تمثل في لبنان سليلة تنظيم «الإخوان المسلمين» الدولي.

تتركز النظرة الى «الجماعة» على ما إذا كانت قاعدتها الإجتماعية السنّية اللبنانية تضاءلت نتيجة تراجع التنظيم الاخواني الأم في مصر والحصار المالي المفروض على فروع «الإخوان» في المنطقة كلها، وربطاً ايضاً بصلتها العقائدية وشبه العضوية بشقيقتها «حماس» في غزة، حيث إنّ الأخيرة خرجت بجزء مهم من ولادتها، من رحم «الجماعة الاسلامية» في لبنان خلال ثمانينات القرن الماضي.

ويبدو واضحاً من سياق إدارة «الجماعة» في لبنان معركتها الانتخابية الراهنة، أنها نالت حصّتها من الانتكاسات التي طاولت كل فروع «الاخوان» في المنطقة. ومنذ بداية استعدادها لخوض الانتخابات النيابية، برز الوهن المتعدّد الوجوه الذي تعانيه «الجماعة» في لبنان، فمن جهة لم تكن لديها رؤية موحّدة إزاء هذه الانتخابات سواءٌ لجهة الموقف من القانون الإنتخابي الجديد وما يستتبعه من تحالفات إنتخابية قسرية، أو لجهة ما اذا كان من الأفضل للجماعة في ظلّ أوضاعها الجديدة عدم المشاركة في الانتخابات والتفرّغ لحلّ أزماتها الأعمق الناتجة عن ظروف خارجية وذات صلة بانتكاسة مشروع «الإخوان» في المنطقة. قاد هذه النظرية الداعية الى مقاطعة الانتخابات، رئيس المجلس السياسي للجماعة اسعد هرموش، في مواجهة أمينها العام عزام الايوبي المتّصف منذ فترة غير قصيرة داخل الكواليس المطلّة على «إخوان لبنان»، بأنه الرجل الاقوى فيها.

الايوبي عارض الانكفاء عن المشاركة في الانتخابات، وطرح ضرورة المشاركة تحت عنوان إتّباع نهج السياسات المفتوحة مع كل الاطراف اللبنانية، وذلك وفق المصالح الانتخابية. فيما اعتبر هرموش أنّ هذه السياسة لا تخدم المصالح الإسلامية والوطنية، وأنّ المشاركة في الانتخابات ضمن معايير الايوبي ستكشف ظهرَ «الجماعة».

وجاءت قبل ايام استقالةُ هرموش من رئاسة المكتب السياسي للجماعة، من دون أن يترك عضويّته فيها، بمثابة تظهير لا يقبل التأويل عن أنّ «الجماعة» تخوض انتخابات العام 2018، في ظروف من الترهّل الداخلي التنظيمي والبنيوي. ففي كل دائرةٍ انتخابية تشارك فيها الجماعة بمرشح أو حتى بدعم أحد «المرشحين غير الإخوانين» في مناطق وجودها الشعبي، حصل شقاق بين اتّجاهات قواعدها وبنى قياداتها الفوقية والوسطية حول صوابية هذا الترشيح أو الدعم. في منطقة اقليم الخروب حيث يوجد لـ»الجماعة» إرث من الوجود التاريخي، وقوة ناخبة لا يُستهان بها، وبمجرد أن قرّرت تسمية مرشح فيها حدث انقسام في صفوفها في الإقليم، بين مؤيّد لترشيح سلام سعد، وبين معارض له لكونه لا ينتمي لبلدة برجا التي هي مركز ثقل قاعدة «الجماعة» في هذه المنطقة. لقد قاد هذا الشقاق الى استقالة هيئة مكتب الجماعة في محافظة جبل لبنان التي من ضمنها اقليم الخروب.

وتؤشر هذه الواقعة الى وهن تماسك «الجماعة» تنظيمياً، بأكثر ممّا تؤشر الى اعتراض أبناء برجا من «الجماعة» على استبعاد تسمية شخصية من بلدتهم. وفي المقارنة كان «حزب الله» واجه هذه المشكلة نفسَها بعد تسمية مرشحين من خارج بعلبك مركز ثقل دائرتها الانتخابية، على لائحته هناك.

ولكن ذلك قاد الى انتقادات في اوساط الحزب، ولم يصل الى حالة شقاق، أو الى ذراع قوة المركز في تنظيم الحزب من قاعدته الاجتماعية، كما حدث مع «الجماعة الإسلامية».

وتتمّ المقارنة هنا، نظراً لكون «حزب الله» و«الجماعة» يتشابهان من حيث إنهما قوتان دينيتان، وتشتركان في إتّباع نفس آليات «التكليف الشرعي» أو «التكليف التنظيمي» المستند «لصيغة الفتوى الدينية المقدّسة»، ولكونهما يتشابهان في التشدّد في إبقاء الاعتراضات داخل قنوات المؤسسات الحزبية المغلقة والحديدية.

هذه المقارنة نفسها ممكنة في شأن ما حدث داخل جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) من اعتراضات داخل قواعدها في بيروت الثانية نتيجة تحالفها انتخابياً مع «حزب الله»، ولكن تمّ استيعابُ هذه الاعتراضات من خلال فرض إرادة قوة المركز على «القاعدة الحبشية».

وواضح أنّ هذه الوقائع الانشقاقية والمتمرّدة التي سادت «الجماعة» في مناسبة اشتراكها في الانتخابات النيابية، تُظهر حجمَ الوهن الذي أصاب تماسكها التنظيمي الداخلي وهو انعكاس للوهن الذي طاول مؤسسة «الإخوان» الأم في مصر وكلّ فروعها في المنطقة.

أكثرُ التوقعات ورديّة داخل «الجماعة» حالياً، ترى أنه سيكون إنجازاً في حال فازت بمقعد نيابي واحد، والتوقع الأكثر تواضعاً يعتبر أنه سيكون بمثابة إنجاز في ظلّ ظروفها الداخلية والخارجية، في حال حصل مرشحوها في بيروت الثانية (عماد الحوت) وصيدا (بسام حمود) وطرابلس ـ الضنية وعكار (وسيم علواني) على نسبة اصوات غير مهينة، أي فوق الـ 6 آلاف صوت في كل دائرة. يبقى القول بحسب ارقام ماكينات «الجماعة»، أنّ فوز أحد مرشحيها في دائرتي بيروت الثانية او عكار، يظلّ محتمَلاً.

ففي الأولى يوجد رهان على أن تؤيّد مجموعة من الجمعيات السلفية والإخوانية الحوت، إذ يقدَّر حجمها بـ 2500 صوت تتمّ اضافتها الى حجم «الجماعة» في بيروت البالغ بحسب ارقام ماكينتها بين 5 آلاف الى 6 آلاف صوت فيما لو لم يصبها تشتّت خلافاتها الداخلية.

أما في عكار فإنّ تحالف «الجماعة» مع «التيار الوطني الحر»، بالإضافة الى وجودها شكّل مناخاً وليس فقط قوة تنظيمية في تلك المنطقة، قد يمهّد لحصول مفاجأة على مستوى فوز مرشحها هناك.