IMLebanon

مرسوم التجنيس الصاخب يُنافِس تشكيل الحكومة في لبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

استمرّت في بيروت التشظياتُ السياسية لمرسومِ تجنيسِ نحو 400 شخص من جنسياتٍ عربية وأجنبية بينهم عدد كبير من السوريين وفلسطينيون، وسط طغيانِ ضجيج هذا الملف «الطارئ» على الاستحقاق الذي يفترض أن يكون «الرقم واحد» على جدول الاهتمامات الداخلية والمتمثّل في تأليف الحكومة الجديدة، بعد نحو أسبوعين من تكليف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري بتشكيلها.

وبدا أن أزمةَ المرسومِ – اللغز الذي أثار الضجةَ بعد ما تَسرّب عن أسماء من الحلقة الضيّقة للرئيس السوري بشار الأسد جرى منْحُها الجنسيةَ اللبنانية مع ما يعنيه ذلك على المستوى السياسي المحلي كما الخارجي، تُسابِق منحى «تَريُّثي – تبريدي» من فريق السلطة الذي وقّعه (رئاستا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية) في مقابل تنظيم المعترضين لصفوفهم على جبهة الإصرار على الحصول على نسخة من المرسوم تمهيداً للطعن به.

وكانت بارزة الاندفاعة الدفاعية من «رعاة» المرسوم، ولا سيما الرئيس الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق وذلك بعدما ظَهَرَ وكأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «متروكٌ وحيداً» لتَلقّي السهام في هذا الملف رغم مُسارَعَتِه على وهْج كتلة الاعتراضات المتدحْرجة وسيل التشكيك الذي وُصف بأنه «صفقة»، الى إحالة المرسوم للتدقيق على الأمن العام الذي انطلق بمسار «تنظيفه» من أي أسماء لا تستوفي الشروط أو تحوم حولها شبهات مالية أو دولية.

وغداة سلسلة اللقاءات التي جرت يوم الاثنين في محاولة لحصْر مفاعيل هذه القضية التي عُلم انها وُضعت تحت معاينة ديبلوماسية غربية وخليجية، برزتْ ملامح رغبة رسمية في استمرار حجْب المرسوم والأسماء الواردة فيه إلى حين انتهاء عملية «تنقيحه»، في موازاة الانطباع بأنّ الآليات التنفيذية التي ستترتّب على أيّ تعديلٍ فيه ستُترك للحكومة الجديدة (وزير الداخلية الجديد). علماً أن المسار التطبيقي للمرسوم، الذي عُلم أنه صدر بعد الانتخابات النيابية في 6 مايو الماضي وقبل تَحوُّل الحكومة إلى تصريف الأعمال، جُمّد بحيث لن يكون ممكناً لأيّ من المشمولين به الحصول على وثائق رسمية تثبت نيلهم الجنسية اللبنانية وذلك ريثما يُنهي «الأمن العام» مهمّته.

وفي موازاة ذلك، فإن «رافعي الصوت العالي» بوجه المرسوم – التهريبة والمتخوّفين من «قطب مخفية» وراءه والمتحدّثين عن عودة النظام السوري عبر «رجاله المجنّسين» إلى لبنان لم يهدأوا رغم طلب التدقيق في المرسوم وإعلان المشنوق أن «هناك أسماء كانت موجودة في مسودات وتمّ حذفها بسبب وجود شبهات حولها ‏والمرسوم لا يتضمّن أياً من الأسماء التي عليها شبهات أمنيّة أو أي مشكلة بسيطة‎»‎.

وفي هذا السياق، عُقد اجتماعٌ أمس في مقر حزب «الكتائب اللبنانية» (حضره رئيسه النائب سامي الجميل) لنواة الأطراف الرافضة للمرسوم والمطالِبة بالحصول على نسخة منه أولاً لاتخاذ قرار في شأن الطعن به أم لا، والتي تضمّ (الى الكتائب) حزب «القوات اللبنانية» و«اللقاء الديموقراطي» (الكتلة المحسوبة على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) وذلك بمشاركة محامي هذه القوى. وقد خُصص اللقاء لتنسيق الخطوات المستقبلية ودرس الخطوات القانونية بحال حصولهم على نسخة عن مرسوم التجنيس ام لا.

وتَرافق ذلك مع كلام عالي السقف لجنبلاط الذي قال: «يبدو أنّ أشباحاً تسلّلت وانتحلتْ صفة الذين وقّعوا المرسوم، ولستُ أدري ما إذا كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية كافّة تستطيع معرفة مصدر هذه الأشباح»، مشيراً إلى أن «الجميع يتنصّلون، ولا أحد يتجرّأ على الاعتراف بالحقيقة، ولذلك تجري مسرحية التمويه غير المُقْنعة»، قبل أن يغرّد: «الاجهزة الأمنية منكبة على معرفة كيفية حصول التجنيس. كفى استهزاء بعقول الناس فرئيس الحكومة قالها انها صلاحية رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية قال ان التجنيس الافرادي يعزّز الهوية. هويتنا تتعزّز فعلاً بأشخاص من هذه الطينة النادرة. خبّرونا انكم تصالحطو مع رامي مخلوف (ابن خال الرئيس الأسد) مش أفضل؟».

وجاءت هذه القضية الصاخبة لتحجب الأنظار عن ملف تشكيل الحكومة الذي تبرز قراءتان لخلفيات تَراجعُه في المشهد الداخلي: القراءة الاولى تعتبر ان هذا الأمر هو نتيجة انتقال مفاوضات التأليف الى دائرة «الكوْلسة» وسط رهان على أن يكون اللقاء الذي جمع بعد ظهر الاثنين الرؤساء عون والحريري ونبيه بري والذي خُصص في الأساس لبحث موضوع النزاع الحدودي مع اسرائيل ساهم في المزيد من دفْع قطار التشكيل الى الأمام بعد الحِراك الكثيف الذي اضطلع به علناً «حزب الله» في أكثر من اتجاه للإسراع في التأليف الذي يريده الحريري أيضاً في أقرب وقت حرصاً على حماية الواقع اللبناني من أي عواصف آتية في الإقليم قد يجد لبنان نفسه في عيْنها انطلاقاً من وضْع «حزب الله»، كذراع لإيران، على «الرادارات» الخليجية والاميركية، وتالياً تسييل ما أقرّته مؤتمرات الدعم الدولية للبنان وقفل الباب أمام أي مفاجآت سلبية مالية او اقتصادية يمكن أن تنقل البلاد الى مناخاتٍ من التوتر فوق «برميل بارود» المنطقة.

والقراءة الثانية تعبّر عنها أوساط سياسية ترى انه رغم شعار «الحكومة سريعاً»، فإن أطرافاً قد لا يكون من مصلحتها التأليف قبل انقشاع الرؤية في مسارات مفصلية في بعض أزمات المنطقة أو مآل الضغوط التصاعدية على إيران وذلك بما من شأنه الحدّ من قدرة «حزب الله» على صرف نتائج الانتخابات النيابية في الحكومة العتيدة وتوازناتها، وهو السيناريو الذي تلمّح إليه بعض الدوائر القريبة من الحزب ربما من باب إحباط أي «تفكير» بهذا الاتجاه.

ونَقَلَ رئيس مجلس الأعمال اللبناني – السعودي رؤوف أبو زكي عن الحريري قوله رداً على تمني وفد المجلس الذي زاره الإسراع بتشكيل الحكومة، ان ذلك فعلاَ محتمَل وهو «داعس بنزين على أعلى سرعة».