IMLebanon

صرف المعلمين… الحقيقة الكاملة! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

الواقع التربوي مؤلم ومرير. هو في خطر. مجازر بانتظار أساتذة المدارس الخاصة التي تضم نحو 700 الف طالب. مئات من المعلمين، مهدّدون بلقمة عيشهم. الأساتذة في دائرة القنص. مدارس أقفلت، في صور، ومدارس على لائحة الاقفال، في بشري، والمتن وغيرها. فبسبب عدم القدرة على سداد مدفوعات بعد الزيادات على الرواتب، وإقرار السلسلة، وبسبب العجز المالي، بدأت بعض المدارس الخاصّة صرف مُعلّمين لديها.

تشرح العديد من التقارير المشكلة بأنها تدخل ضمن الإطار المادي الصرف، على الأقل، هكذا تبرر إدارات المدارس عملية الصرف التي تستند في إجراءاتها إلى المادة 29 من القانون التعليمي الذي يعطي المدارس حق الإستغناء عن خدمات الاساتذة في نهاية كل عام دراسي قبل تاريخ 5 تموز.

فهناك من يعتبر أن زيادة الأقساط من قبل بعض المدارس على خلفية إقرار سلسلة الرتب والرواتب، دفع الكثير من الأهالي إلى نقل اولادهم إلى مدارس رسمية تلائم وضعهم المعيشي، ما أضرّ بوضع المدارس الخاصة المالي، فتضطر الى صرف العديد من الأساتذة بغية الموازنة بين مدخولها ومصروفها.

لكن، هل هذا فعلا السبب الحقيقي؟ 

لا شك ان تطبيق القانون 46 من سلسلة الرتب والرواتب، لا بل إقرار السلسلة بشكل عشوائي، ومن دون تأمين الموارد المطلوبة، ومن دون القيام باصلاحات في الدولة توازيها، بدأ ينعكس سلباً على الأساتذة، إلى حدّ أن البعض بدأ يقول بالاستغناء عن الدرجات الست شرط ابقائهم في أعمالهم.

نقيب المعلمين رودولف عبود رأى في حديث لـIMLebanon ان ما تقوم به المدارس من صرف لبعض الاساتذة هو عملية انتقامية بالدرجة الأولى بحق الاساتذة الذين تحركوا سابقا للمطالبة بالسلسلة وبالدرجات وبحقوقهم، أكثر مما هو وضع اقتصادي وعجز مالي، ولتأكيد وجهة نظرهم بأن القانون 46 له تبعاته الخطرة، وبالتالي رتب أعباء مالية أدت إلى صرف الاساتذة، واصفاً ما يحصل بأنه طرد تعسفي.

وكشف بأنه وُجه كلام بالمباشر لبعض الأساتذة مفاده “قطع الرأس الكبير” من أجل الاطمئنان للعام الدراسي المقبل، ما يؤكد أن ما يحصل عملية انتقامية.

موقف المدارس الكاثوليكية، موقف آسف ورافض لما آلت اليه الأمور، وقال أمين عام المدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، لـIMLebanon: “ما يحدث اليوم هو ما سبق وحذرنا منه منذ سنوات انه في حال إقرار سلسلة غير عادلة وغير متوازنة وغير ممكنة سيؤدي ذلك إلى اقفال مدارس وصفوف وتشرد تلامذة واعتذار من معلمين ومعلمات، لكن لم يكن هناك من يسمع ويهتم. اليوم نحن أمام مأزق كنا نبهنا اليه مرارا وتكراراً”.

عازار رفض استخدام كلمة “طرد” وما يتم تداوله عن ان المدارس تقوم بطرد الأساتذة، مؤكدا ان ما تقوم به المدارس الخاصة يستند إلى المادة 29 من قانون المعلمين التي تمنح المدرسة الحق بصرف المعلمين قبل 5 تموز واذا كان هذا الصرف تعسفيا بإمكان المعلم أن يراجع السلطات المعنية للحصول على كامل حقوقه”. من جهة أخرى، لا يجوز اتهام إدارات المدارس بانهم يقومون بصرف الاساتذة لاسباب انتقامية، كما قال عازار، فهي لو أرادت اتخاذ تدابير بخلفية انتقامية لكانت قامت بها سابقاً بحق بعض الاساتذة النقابيين ومن بينهم نعمة محفوض، حيث لم تتخذ اي موقف انتقامي بحقه، وبالتالي ما يصدر من كلام في العلن هو كلام غير مسؤول.

مسألة تدخل الدولة في دعم التعليم الخاص عبر دفع الفروقات مثلا التي طالبت بكركي والمداراس الكاثوليكية إتمامها، تتطلب من هذه الدولة أولا أن تعتبر أن كل التلاميذ هم أبناؤها، وليس فقط تلامذة المدرسة الرسمية والتلامذة السوريين. وقال الأب عازار: “الدولة تراقب موازنات المدارس الخاصة من خلال تقديم الموازنات ومن خلال لجان الأهل، ومن خلال صندوق التعويضات وصندوق الضمان وغيرها من الاجراءات، لذلك، على الدولة ان تهتم، من هنا، نحن نطالب بالبطاقة التربوية، كاشفاً ان الحكومة لا تتجرأ على إعلان تكلفة التلميذ في المدرسة الرسمية، لأن كلفته تفوق بكثير كلفة التلميذ في المدارس الخاصة، والكاثوليكية تحديدا.

وكشف الأب عازار ما قاله امام مجلس النواب اخيرا: “أعطوني ميزانية وزارة التربية للمدارس الرسمية وأعلم تلامذة لبنان مجاناً”.

من هذا المنطلق، البطريرك الراعي ورئيس الجمهورية قاما بنداءات عدة لتفادي الأزمة، بسبب قانون صدر من دون أن يؤمّن الاصلاح المطلوب في الدولة اللبنانية لاقتلاع الفساد، ومن دون ان يؤمن التوازن بين مكونات الأسرة التربوية، أضف إلى ذلك، أننا اليوم في وضع اقتصادي مرهق، وكان مستغربا من السادة النواب في المجلس السابق أن يقروا قانونا، ليس فقط قانون 46، إنما أيضاً قانون 45 الذي يتناول الضرائب. وبالرغم من الطعن به، بقيت الضرائب.

وكشف أنه قبل نحو 4 اشهر، في احد الاجتماعات مع وزير التربية وبحضور نقيب المعلمين، والعديد من المؤسسات التربوية، سأل عازار: “عندما تأتي الفرصة الصيفية وسنرى بأم العين نحو 3 آلاف استاذ يفتشون عن عمل، عندها من يتحمّل المسؤولية”؟

فضيحة المجالس التحكيمية

الأب عازار، تناول في حديثه مسألة إحالة العديد من المدارس الخاصة إلى المجالس التحكيمية، لأسباب واهية، وبسبب شكوى من هنا ومن هناك غير مبررة وغير مستندة الى وثائق.

وقال: “مسألة تحويل هذه المدارس مخالفة للقانون 515، التي توضح كيفية تحويل المدارس الى المجالس التحكيمية، “فاذا قدمت المدرسة موازنتها وفيها نقص بالمستندات أو خطأ بالأرقام، تتصل وزارة التربية عبر مصلحة التعليم الخاص بالمدرسة وتوضح لها الخطأ، وتطلب تبريراً وتصحيحا لما قدمته ضمن 10 ايام، فاذا لم تستجب المدرسة وتعنتت بموقفها عندها يحق لوزير التربية ان يحيلها الى المجلس التحكيمي، لكن ما حصل مع المدارس المحولة من قبل وزارة التربية الى المجالس التحكيمية أن هذه الآلية لم تعتمد، وأحيلت المدارس إلى مجالس تحكيمية غير موجودة، استلحقت بتعيين رئيس المجلس فقط، وهو عادة يكون قاضياً، ولم يعينوا اعضاء المجلس، اي ممثل عن الاهل وممثل عن المدارس، ومفوض للحكومة، معتبرا أن ما جرى غير مقبول، والتهرب من المسؤولية لا يجوز.

الحل القانوني

عادة ما يتم الوصول إلى تفاهم بين إدارة المدارس الخاصة والأستاذ عند عملية الصرف، لحصول الاستاذ على تعويضه وكامل حقوقه، خصوصاً أن الدخول في أي مسار قانوني، سيعقد المسألة أكثر، ويضعها من تأجيل إلى تاجيل، من دون ضمانة ان الاستاذ سيحصل في النهاية على حقوقه، لذلك، أغلب الحلول، أن المدرسة تحتمي بأي عملية صرف بالمادة 29 من قانون التعليم، وبالتالي لا يبقى امام الاستاذ إ الرضوخ والوصول الى تسوية مع المدرسة.

اما عن دور نقابة المعلمين هنا، فيشير نقيب المعلمين رودولف عبود إلى أن المادة 29 من قانون الهيئة التعليمية ما زالت موجوداً، وكل المحاولات لتعديها ووضع ضوابط لها لم تنجح، وفي ظل وجود هذه المادة، دور النقابة يبدأ قبل هذه المرحلة بإصدار تعاميم لجميع الزملاء بضرورة عدم التسرّع بأي خطوات، والاطلاع على حقوقهم، وعدم التوقيع تحت اي ضغط.

ولفت إلى ان النقابة تقدم لكل الزملاء استشارات قانونية مجانية للاستفادة منها بشكل خاص أو بشكل عام. والنقابة تواكب الاستاذ حتى في حالات الصرف وتتدخل أحيانا كوسيط بين الاستاذ والمدرسة. الحق بالاعتراض القانوني والتقدم بأي دعوى هو حق للاستاذ، والنقابة لا تستطيع ان تدعي عنه، وهي تعين له محامياً اذا اراد، ومتابعة كل التفاصيل معه.

مدارس أغلقت واخرى قيد الدرس

لا حل يلوح في الأفق، إغلاق بعض المدارس بات حتمياً، فمدرسة راهبات مار يوسف – الظهور في مدينة صور، أغلقت، وهناك مدرستان في بشري، ومدارس عدة في المتن يتم درس وضعهم اليوم، بانتظار أي حلول تعجيزية.

خارطة الصرف التعسفي وفقاً لنقيب المعلمين السابق نعمة محفوض تبدأ من تعلبايا في البقاع وصولاً إلى المنية في الشمال. وبحسب مصدر تعليمي أفاد IMLebanon بأن أساتذة يتعرضون للتضييق والتهديد، في الشمال، والجنوب، والبقاع وبيروت، وجبل لبنان، مثل الإعدادية الحديثة في الشمال، مدرسة الصادق العاملية ومدرسة الأمير في مغدوشة وراهبات المحبة وغيرها، مئات المعلمين في مدارس خاصة، طلب منهم توقيع استقالاتهم قبل موعد الخامس من تموز المقبل، عينطورة، المركزية، اللويزة وغيرهم.

مجلس النواب ضرب ضربته قبيل الانتخابات وأقر سلسلة من دون اصلاحات، جعلت المعلمين ولبنان كله برسم “الصرف”، في ظل وضع اقتصادي مهترئ. صوت بكركي لم يُسمع. وصوت رئيس الجمهورية، أعلى مرجعية في الدولة اللبنانية لم يصل صداه، فمن المسؤول إذا؟ ومن يستنبط الحلول؟. سؤال برسم المسؤولين.