IMLebanon

نظرة تشاؤميّة ترافق “مرحلة تفكيك العقد”!

ذكرت صحيفة “الجمهورية” انّ الأمور سائرة في ملف تأليف الحكومة الى عطلة حدّها الادنى عشرة ايام، ما يعني انّ الاسبوع المقبل هو اسبوع ميّت حكومياً، خصوصاً انّ الرئيس المكلف على أهبة القيام بزيارة خاصة تستمر أياماً عدة. على ان تشكّل عودته، التي يفترض ان تتواكَب مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الاوروبية، نقطة لإعادة إطلاق محركات التأليف بوتيرة جديدة.

وبحسب “الجمهورية”، فإنّ لقاء بعبدا بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، الذي أعاد ترسيم العلاقة بين الرئيسين في دائرة الايجابية التي عبّر عنها الرئيس الحريري بتأكيده الالتزام بالتسوية الرئاسية، حَدّد مكامِن العقد والمطبّات التي يفترض تبديدها، وتمّ وضع آلية لمقاربتها.

وأشارت مصادر معنية بحركة التأليف الى انّ أيّاً من الامور لم يحسم بعد، وكلها قابلة لإعادة النقاش حولها، سواء ما يتصل بالعقدة الدرزية التي يؤكد الاشتراكيون انها حلّت، او العقدة السنية التي تعالت بالأمس اصوات متجددة بألّا ينحصر التمثيل السني في الحكومة بتيار المستقبل، او ما يتّصل بحجم تمثيل «القوات اللبنانية» ونوعية الحقائب التي ستسند إليها.

واللافت للانتباه هو التقاء التيار والقوات والحزب التقدمي الاشتراكي على الحديث عن إيجابية، فالتيار بحسب أوساطه يؤكّد من جهة على البيان الرئاسي الاخير لرئيس الجمهورية، ولا فيتو من قبله على منح القوات حقيبة سيادية. وامّا الحزب الاشتراكي فينطلق من تأكيد الايجابية ممّا تعتبره مصادره بأنّ موضوع التمثيل الدرزي قد حسم نهائياً، ولم يعد هناك وجود لأيّ عقدة. وامّا «القوات» فتعكس مصادر لـ»الجمهورية» انّ المناخ صار ايجابياً، وانه يمكن القول إننا دخلنا في مرحلة تفكيك العقد. لا نستطيع ان نقول انّ الامور انتهت، لكن على ما يبدو النيّات إيجابية.

وإذ فضّلت مصادر القوات الدخول في تفاصيل ما يجري بحثه معها، تحدثت معلومات عن فكرة مطروحة لمنح القوات 4 وزارات، إحداها سيادية وتحديداً وزارة الدفاع، حيث لا يوجد أي فيتو او ممانعة من اي طرف سياسي، سواء «حزب الله» او غيره، على منح هذه الحقيبة للقوات التي يمكن ان تشكّل تعويضاً لها عن موقع نائب رئيس الحكومة. ولم تسبعد مصادر معنية بهذا الأمر ان تكون القوات قد أُبلغت بموقف «حزب الله» هذا عبر قنوات صديقة.

وامّا سائر الحقائب القواتية، فكشفت مصادر التأليف انّ البحث لم يحسم بعد هوية الحقيبة الخدماتية التي ستسند الى القوات، بعدما سحبت حقيبة الصحة من يدها ومُنحت لـ»حزب الله». وفيما تردد انّ القوات تطالب بالاشغال، أكدت المصادر انّ هذه الحقيبة تقع حالياً في نقطة تجاذب بين رغبات العديد من القوى السياسية بها، وخصوصاً تيار المردة، والحزب التقدمي الاشتراكي الى جانب القوات.

على انّ اللافت للانتباه في هذا الجو الايجابي، صدور موقفين بارزين الاول للدكتور سمير جعجع والثاني للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والجامع المشترك بينهما انهما لم يقاربا مسار تأليف الحكومة بالإيجابية المَحكي عنها.

على انه مقابل الإيجابية التي تمّ ضخها على سطح المشهد الداخلي، هناك قراءة متشائمة لمرجع سياسي، قال فيها: إنّ نظرة معمّقة الى مسار التأليف والمشاورات التي تجري بين القوى السياسية، تظهر ان ليس في حوزة طبّاخي الحكومة دليل حسّي ولَو بسيط، أو مادة صلبة يمكن الركون اليها للقول إنّ لهذه الايجابية التي يجري ضخّها في الاجواء، مَعنًى، وانّ حبل التعقيدات الطويل قد قُطع، وبدأ الوصل الجدّي لخيوط التأليف بذهنية التفاهم والتنازل والموضوعية، بعيداً عن الذهنية السياسية المعقّدة التي تعطّل كل هذا المسار، والتي تبدأ وتنتهي عند شهوة الحكم والاستئثار والتسلّط.

أضاف المرجع: هذه الايجابية، سواء أكانت جدية ام ظاهرية، تسبح في بحر التجاذبات السياسية والشهوات المحتدمة على تقاسم جبنة الحكومة ومغانمها وملذّاتها، ولا تعني اللبنانيين الذين لا همّ لهم سوى إخراجهم من سحن المعاناة المتعددة الوجود والالوان الذي يُحبَسون خلف قضبانها. فالناس تشكو ممّا آلت اليه أحوالهم، التي هي انعكاس لحال بلدهم المهترىء على كل المستويات، حتى صار وكأنه يعيش بالصدفة ويتنفّس رغماً عنه، فيما تستفحل السموم القاتلة التي تنخر جسمه اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وبيئياً، ناهيك عن الفلتان السياسي الذي يضرب عميقاً في التخاذل والاستلشاء، وهنا الباعث والمسبّب الأساس لكل تلك السموم، وأخطرها الفلتان الاخلاقي الذي يُرهب الناس بالتسيّب وفوضى اللصوصية والسرقات والجرائم في كل مكان.

واكد المرجع «أنّ أسوأ عناوين الفلتان هي افتقاد الناس للراعي الصالح الذي يضع همومهم وأولوياتهم فوق كل اعتبار. وانّ من يفترض ان يشكو الناس إليه، هو المَشكو منه، الذي يبدو انه يعيش في كوكب آخر يصمّ آذانه إلّا عن مصالحه، ويحقق رغباته التي يريدها لنفسه فقط، ومن بعده الطوفان».

ويخلص الى القول انه «في ظل هذا الوضع، وفي ظل العقلية القائمة أيّ حكومة ستتشكّل، وفي ظل هذا الوضع يصبح الكلام عن إيجابية أشبَه بنكتة سخيفة، فضلاً عن انّ لهذه المُفرَدة حكاية طويلة وقديمة مع اللبنانيين، الذين اعتادوا سماع هذه الاسطوانة بين حين وآخر، واكد لهم تكرارها انّ هذا النوع من الايجابية، ما هو سوى تعبير كلامي يَستبطن الهروب الى الأمام من الفشل، الغاية منه نَثر غبار في الاجواء الداخلية لحجب الرؤية عن حقيقة انّ الأمور ما زالت في مربّع السلبية.