IMLebanon

ساحة قتال بين جدران المنازل (آية يونس)

الصراع بين الآباء والأبناء صراع أبدي، الّا أن نظريّة تفهّم الكبار للصغار بدأت تتغيّر مع التطوّر التكنولوجي الذي طال العالم في السنوات الـ 30 الأخيرة، والذي بدوره وسّع الفجوة بين الجيلين ليصبح الفارق شاسعاً في استيعاب أمور الحياة ورؤيتها بطريقة مختلفة تماماً عمّا كانت عليه من قبل. ولكن ماذا لو؟

لو قلبت القاعدة وحاول الأبناء استيعاب الآباء؟

ان الظروف التي مرّ بها معظم الأهل في لبنان لا تشبه ظروفنا اليوم، لهذا باتت محاولة وضع الأبناء البالغون او الراشدون نفسهم مكان أهلهم ضرورة تخفّف من حديّة المشاكل وتحول من دون تضخيم الأمور واخراجها عن حدّها الطبيعي. علماً بأن المراهق لا يمكن أن يقوم بهذه الخطوات أبداً بل على الأهل محاولة ايجاد حلول مناسبة لتمرّ هذه المرحلة من العمر بأقلّ ضرر ممكن.

في بعض المجتمعات اللبنانية، لا يزال هناك تعنيف لفظي وجسدي من الأهل لأبنائهم (غير المتزوجين) بين عمر الـ 20 والـ 30  تحت شعار “بعدن تحت سقف بيتنا”. هذا الأمر الذي يحثّ الفتيات على الزواج المبكر من أشخاص بسرعة كردة فعل على القساوة، وفي اكثر الأحيان يكون الخيار غير صائب.

ان العلم لا يعرف عمراً، فالطبيب المتخرّج من الجامعة يقوم في السنة نفسها بعمليات، تشفي من المرض كبار السنّ وتعطيهم الأمل بحياة أطول. اذاً العلاج لا يسأل عن عمر بل عن وعي ومعرفة وطريقة فعّالة. وانطلاقاً من هنا ليجرّب هؤلاء الأبناء معالجة المشكلة مع أهلهم بطرق تجدي نفعاً وتحول من دون تحويل المنزل الى ساحة قتال ومعارك بين أفراد العائلة الواحدة.

الهدوء، شرط أساسي لحلّ الأمور. وليقتنع الأبناء بأن التغيير صعب، فمحاولة برمجة عقل أهلهم كما يريدون ليس الّا محاولة فاشلة “تصبّ الزيت على النار” وبدل دفن الرأس في التراب، ليبحثوا عن اسلوب لطيف يطفئ نار الشجار. والمعروف أنّ الابناء يدركون سلفاً رأي أهلهم حيال طلب معيّن: السهر، النوم عند الأصدقاء، التدخين، السفر، الخروج مع شاب أو فتاة معيّنة، الزواج من شخص غير مرغوب به من قبل الوالدين وغيرها من المواضيع “الطبيعية” التي يختلف عليها الجيلان. لن ندخل هنا في الآفات الاجتماعية كالمخدرات والاغتصاب والاجرام التي تحتاج الى علاج ومعالجة من نوع آخر. فعندما يحاول الأبناء طرح سؤال ما معروف جوابه عند الأهل وجب عليهم عدم طرحه.

نعم، علينا معرفة أن المواجهة لن تجد نفعاً بل تشجّع ظاهرة التنمّر من ناحية الأولاد ومحاولة  فرض النفس عند الأبناء.

تفسّر الأخصائية النفسانية دلال بوخليل أن التغيرات والتحولات الجسدية والنفسية التي حصلت مع المراهق ليصبح شخصاً بالغاً فكرياً وجسدياً يحب أن تتزامن مع تطورات على صعيد العلاقة بينهم وبين أهلهم اذ أنّ معاملة الأولاد وطريقة التصرّف معهم لا يمكن أن تبقى كما هي على مرّ السنوات.

من ناحية الراشدين، اعتبرت بوخليل أنّهم عليهم المبادرة بالحوار مع أهلهم وطرح الأمور بوضوح وصراحة، واستغلال كل فرصة تسمح لهم بشرح طريقة تفكيرهم وكذلك الظروف التي يعيشونها مع أصدقائهم وفي مجال أعمالهم وجامعاتهم والتفسير لهم انهم اشخاص مسؤولين ويهتمون بأنفسهم ويخافون عليها تماماً كما أهاليهم. كما ويجب على الأولاد محاولة فهم شعور الخوف والخطر الذي ينتاب الأهل وخصوصاً في ظلّ سماع اخبار عن القتل والاغتصاب والسرقة وغيرها من الأمور التي تقلقهم وتؤدي الى ردّات فعل تظلم الأولاد احياناً.

تحتاج العلاقة بين الآباء والأبناء إلى الرّعاية  الدائمة والاهتمام ورفدها بالمحبة للمحافظة عليها بأقلّ نسبة مشاكل ممكنة  وان لم يتمكّن الآباء من فهم أولادهم فلما لا نجرّب العكس؟