IMLebanon

لبنان يَخشى حرباً تستجرّها تَفاهُمات “ترامبوتين”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يدرك الجميع في بيروت أن لبنان لم يعد نقطة ارتكاز دوران الأرض، وهو يكاد أن يغيب عن شاشة الرادار الإقليمي – الدولي لولا الصواريخ الإيرانية وأدوار «حزب الله» العابرة للحدود والمليون نازح سوري، وهي ملفات «لا حول ولا قوة» للبنان في بتّ مصيرها المحكوم بمجرياتِ الصراع بين اللاعبين الإقليميين والدوليين.

ففي صالونات بيروت وأنديتها السياسية، ما من أحدٍ يقيم وزْناً لمآل المفاوضات حول تشكيل الحكومة وكأن في الأمر «لعبة محلية» لن تقدّم أو تؤخّر، رغم الصراخ السياسي اليومي وما يقال عن عضّ أصابع ولي أذرع وحروب باردة… فالحكومة ستولد عاجلاً أم آجلاً وبتوازناتٍ لن يكون ممْكناً القفز فوقها.

تحت جنْح «القمر الدموي» في سماء بيروت، لا صوت يعلو فوق أنين الدم المسفوك في السويداء وقرْقعة عظامِ أهل داريا في سجونٍ كأنها مقابر جماعية، ورائحة الفضيحة من تفاهماتِ خط الـ 1974 في الجولان، وشبَح الموت الذي يطلّ من إدلب، وخفايا قمة هلسنكي، وما يحاك على امتداد خط النار من معبر التنف الى مضيق هرمز.

فبيروت بدت كمَن ينحني أمام العواصف… تلهو بمطارداتٍ للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وباقتيادِ نماذج من بقايا النُخب الى التحقيق كالدكتور عصام خليفة، وبشجارٍ لا يكلّ ولا يملّ حول الكهرباء والنفايات، في انتظار الإفراج عن مراسيم تشكيل حكومة جديدةٍ شبيهة بالقديمة في حصصها وتوازناتها ورجالها ومهامها وفي بيانها الوزاري وعبقرياته اللغوية في التعميةِ والهروبِ إلى الأمام.

حكاية «إبريق الزيت» في تشكيل الحكومة من ألفها الى يائها ترتبط بأنها ستدير ثلاثة استحقاقات: رسْم الطبيعة الجديدة للعلاقة مع سورية بعد القرار الإقليمي – الدولي بـ «تثبيت» نظام بشار الأسد، وإجراء الانتخابات النيابية، والتحضير للانتخابات الرئاسية التي ربما تكون مبكّرة لأسباب عدة بينها ما يشاع عن رغبة الرئيس ميشال عون بـ «توريث» صهره رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل.

هذه الوظيفة للحكومة العتيدة كانت وراء هنْدسةٍ حكومية أَرادَها فريق الرئيس عون في بداية مشوار التشكيل، بما يجعله مُمْسِكاً بالثلث المعطل (11 وزيراً) الذي يمكّنه من أن يكون صاحب الكلمة الفصل في إدارة اللعبة السياسية، وهو الأمر الذي يعارضه الآخرون الذين يُمَتْرِسون خلف هنْدساتٍ أخرى لحكومة الـ 30 وزيراً، وفق معادلة حسابية – سياسية متوازنة.

فـ «التوليفة» التي من المرجح أن تبصر النور، إلا إذا… ستكون واحدة من صيغتين هما:

اعتماد توزيعة الـ 3 عشرات. عشرة لرئيس الجمهورية (3 وزراء) ولفريقه (7 وزراء). عشرة لرئيس الحكومة وتياره (6 وزراء) ولـ «القوات اللبنانية» (4 وزراء). وعشرة للثنائي الشيعي (6 وزراء) وللحزب التقدمي الاشتراكي (3 وزراء) وللمردة (وزير واحد).

صيغة تقوم على تخصيص 9 وزراء لرئيس الجمهورية وفريقه، 7 وزراء لرئيس الحكومة وتياره، 6 وزراء للثنائي الشيعي (حركة امل وحزب الله) 4 وزراء لـ «القوات»، 3 وزراء لـ«التقدمي»، ووزير واحد لـ «المردة».

ورغم الايحاءات بمرونة عون حيال صيغٍ من هذا النوع وطلبه من الرئيس المكلف سعد الحريري مناقشة المَخارج مع باسيل، فإن المناخ الايجابي سرعان ما تهاوى مع تسريباتٍ عن أن باسيل لا يملك ما يمكن أن يقدّمه للحريري، وسط هجمةٍ عنوانها «المعيار» الواحد، شارك فيها «التيار الحر» و«حزب الله».

و«المعيار الواحد» هو الاسم الحرَكي لحملةِ ضغوطٍ قاسية يتعرّض لها الحريري لدفْعه إلى تشكيل حكومةٍ تجسّد «الانقلاب» الذي أَحْدثته الانتخابات النيابية لمصلحة فريقيْ عون و«حزب الله»، في الوقت الذي يعاند الرئيس المكلف سعياً الى حكومةٍ متوازنة تحكمها روح التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي.

وبدت الصالونات السياسية «أكثر ميلاً» للاعتقاد بأن التشنج المستجد في مسار تشكيل الحكومة مردّه الى طبيعة مفاوضات ربع الساعة الأخير، مستبعدةً تكرار تجارب أمنية سابقة لكسْر المأزق ولفرْض وقائع بالقوة، خصوصاً أن البلاد لا تحتمل مغامرات في ظل «العين الحمراء» الخارجية.

فالخارج هو الأكثر حضوراً على «الطاولة» في الداخل المشغول البال بما انطوتْ عليه التفاهمات الأميركية – الروسية التي يُعتقد أنها أسست لنهايةِ مرحلةٍ لم تنته تماماً وبدايةِ مرحلةٍ أخرى لم تبدأ بعد، وسط انطباعٍ بأن المنطقة ستكون مسرحاً لاختبار تلك التفاهمات بين قمة «ترامبوتين» الأولى والقمة التالية بينهما مطلع 2019.

أحد الذين تسنى لهم الاستماع الى تقويم ديبلوماسي اوروبي للمستقبل القريب في المنطقة، عَكَس اعتقاداً بـ«أننا لسنا على موعد مع حربٍ شاملة في الشرق الأوسط بل سيكون الإقليم أسير توتّرات تحت السيطرة بين اسرائيل وإيران في سورية وفي غزة، في الوقت الذي لن تستقرّ الأوضاع في سورية أو العراق أو اليمن أو في أيّ ساحات أخرى مضطربة».

وفي تقدير هؤلاء انه رغم التسليم بإطلاق يد روسيا في سورية والإقرار ببقاء الأسد والحاجة الى «إعادة تأهيله»، فإن التسوية الهشة في جنوب سورية أَبْقَتْ اللغم الاسرائيلي – الإيراني مشرّعاً، خصوصاً أن تل أبيب التي رفضتْ عروضاً بإبعاد الايرانيين وحلفائهم مسافة 100 كيلومتر عن خط الـ 1974 ترى أن مشكلتها مع الصواريخ لا مع أي وجود آخر.

وكشف هؤلاء ان الاسرائيليين يشترطون إخراج الصواريخ الإيرانية من سورية لأن مساندة نظام الأسد أو مكافحة الإرهاب لا تحتاج الى أسلحة من هذا النوع، ويطالبون بضمانات بعدم تَسلُّل صواريخ «حزب الله» من لبنان الى سورية، وهو الأمر الذي ما زال عالقاً في المفاوضات الصعبة بين تل أبيب وموسكو.

ويُستبعد في ضوء إمساك روسيا بخيوط التفاوض مع حليفيْها، الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إنزلاق الوضع الى مواجهة عسكرية كبرى على الجبهة السورية، وهو ما يجعل تل أبيب أمام خيارين: إما انتظار «جدوى» العقوبات الأميركية المتدحْرجة ضد إيران في شهري اغسطس ونوفمبر وإما الذهاب إلى حربٍ ضد «حزب الله» بذريعة الإجهاز على ترسانة الصواريخ الإيرانية.

وما يعزز مثل هذا السيناريو أن الترتيبات الدولية في المنطقة والتي تحتاج الى «ترويض» الوقائع الجيو – سياسية لمعاودة تأهيل نظام الأسد والشروع في حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي قد تشجّع إسرائيل على التخلص من زنار الصواريخ الذي يحوطها لا سيما من على جبهة جنوب لبنان وإنهاء حال «المساكنة مع التنّين».

فالمسألة، في رأي هؤلاء، لم تعد الموقف من الأسد، الذي تعمل الحاضنة الروسية على معاودة تعويمه ورسْم دوره، فثمة اتجاه خليجي لـ «استرداده» وفق دفتر شروطٍ الأهم فيه وقفٌ لإطلاق النار في عموم سورية وإعلان عفو عام شامل وإعادة اللاجئين الذين يُقدّر عددهم بنحو 7 ملايين، أما الوجود الايراني ومصيره فمتروك للأميركيين والروس.