IMLebanon

تشكيل الحكومة خطوةٌ إلى الأمام… خطوتان إلى الوراء

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

رغم الاطمئنان إلى متانة الليرة اللبنانية و«مناعتها» بإزاء الانهيارات التي تصيب العملتين التركية والإيرانية، وذلك بفعل الاستراتيجية النقدية «الرؤيوية» للبنك المركزي وحاكمه رياض سلامة والسياسات «الآمنة» للقطاع المصرفي، إلا أن «عصْف» العقوبات الأميركية الاقتصادية على كل من أنقرة وطهران، وإنْ لاعتباراتٍ تختلف لكلّ منهما، يفترض أن يشكّل «جرس إنذارٍ» للبنان المنخرط بمهمةٍ شائكة لتأليف حكومة جديدة ستكون «المرآة» للواقع المحلي وتوازناته بأبعادها الإقليمية، وتالياً «القاعدة» التي سينطلق منها المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في التعاطي مع بيروت وخصوصاً بحال حصل «جنوحٌ» نحو تظهير سقوطها بالكامل في «الحضن الإيراني».

هذه أقلّه قراءة أوساط سياسية ترى أن الوقائع المتسارعة بالمنطقة، وصولاً للدفعة الأقسى من العقوبات الأميركية على إيران في نوفمبر المقبل، باتت معطى لم يعُد ممكناً تغييبه عن ملف تشكيل الحكومة، الذي كلّما تلقّى «جرعة تفاؤل» باحتمال الخروج من المأزق عاد إلى الدائرة المقفلة التي تستبطن، في أحد طبقاتها المتعددة، صراعاً خارجياً حول الوجهة الاقليمية للبنان الذي تعاطتْ طهران معه منذ الانتخابات النيابية الأخيرة على أنه بات «في جيْبها» بعدما حملت صناديق الاقتراع «ارتداداً» على مرحلة ما بعد 2005 وقلبتْ التوازنات لمصلحة «حزب الله» وحلفائه، الأمر الذي من شأن التسليم به وضْع البلاد برمّتها على «خط النار» الأميركي – الإيراني وتشظياته بأكثر من اتجاه.

ولم يكن ينقص المأزق الحكومي إلا أن «يدخل» عليه العنصر السوري بعد «إفلات» النظام من أزمته وإطلاق حلفائه اللبنانيين إشاراتِ «عودة» إلى الشأن الداخلي، تفسّر بعض نواحي تَشدُّد أطراف رئيسية مثل «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط بإزاء أي محاولة لتحجيمه درزياً وتَمسُّكه بـ «قفْل» ساحته عبر التمسك بحصْر التمثيل الدرزي به، ورفْض أيّ توزيرٍ للنائب طلال إرسلان الذي يصرّ عليه فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان عدم منْح «فيتو ميثاقي» لـ «التقدمي».

وهذا الاعتبار لا يغيب عن عقدة تمثيل «القوات اللبنانية»، وإنْ كان عدم سير فريق عون بتوزيرها وفق ما ترغب به (4 وزراء أحدهم بحقيبة سيادية) ينطلق من عنوان «المعيار الواحد» للتأليف. علماً أن «القوات» تعتبر أن حجمها الوزاري يحدّده اتفاق معراب مع «التيار الوطني الحر» (حزب عون)، ونسبة تمثيلها مسيحياً وفق الانتخابات الأخيرة، وتَضاعُف عدد كتلتها البرلمانية تقريباً.

وتشكّل مراعاة تمثيل «التقدمي» و«القوات» من الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، العنوان الخلفي لحكومةٍ متوازنة يريدها زعيم «المستقبل» بقواعد لا تمنح أي فريق لوحده الثلث المعطّل أو مع أفرقاء آخرين الثلثين، أي سلطة القرار في القضايا الكبرى، وذلك بما يحفظ الحدّ الأدنى من التوازن السياسي الذي يُطَمئن الخارج الذي وفّر إطاراً لمساعدة لبنان على النهوض الاقتصادي مشروطٍ بوجود بيئة سياسية مؤاتية تلتزم الشرعتين الدولية والعربية.

وهذه الوقائع تراها الأوساط السياسية «حيثيات» كافية لتوقُّع مزيد من المراوحة بدائرة استنزاف الوقت في مسار التأليف ولو انتقلتْ الصيغ من حكومة ثلاثينية إلى صيغة 24، ملاحِظة في هذا السياق مجموعة إشارات سلبية تبلورتْ أمس وعكستْ أن ما شهده الأسبوع الماضي من «تطبيع علاقات» ولا سيما بين الحريري و«التيار الحر» لا يعدو كونه «تصفيح» ملف التشكيل بإزاء ملامح «الانهيار» فيه والتي لا يتحمّلها البلد. وأبرز هذه الإشارات:

* إعلان نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، القريب من عون و«حزب الله»، أن «اجهاض نتائج الانتخابات يؤدي لإجهاض نتائج الواقع السياسي كله، ونحن بصدد الدفاع عن قضية إجهاض العهد وهذه أهم من تأليف الحكومة»، مؤكداً «لن نسمح بإجهاض نتائج الانتخابات ولا مساومة على المعيار الواحد».
* تأكيد «حزب الله» بلسان القيادي فيه الشيخ نبيل قاووق أن «من حق الناس أن تسأل وتغضب، فمن المسؤول ومَن الذي يورط لبنان بأزمة حكومية؟»، معتبراً أن «عدم اعتماد معيار مُحدّد بتشكيل الحكومة يقطع الطريق على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة».

* إعلان قناة «المنار» الناطقة باسم «حزب الله» ان رئيس الجمهورية يرفض حصول «القوات اللبنانية» على حقيبة سيادية سواء كانت الدفاع أو الخارجية، وذلك بعدما كانت تقارير نقلت أن لقاء رئيس البرلمان نبيه بري مع الوزير «القواتي» ملحم الرياشي حَمَل تأكيداً من الأول بأن «أمل» و«حزب الله» لا يضعان «فيتو» على نيل «القوات» حقيبة سيادية «وما حدا يحطها عندنا».

* ثبات «التقدمي» على رفْض أي تنازل عن وزير درزي من حصته لا لرئيس الجمهورية ولا لمصلحة أيّ اسم «مشترك»، وهو ما عبّر عنه النائب هادي أبو الحسن بقوله: «نتمسك بثلاثيتنا الوزارية كحد أدنى، وإذا كان البعض يماطل ليسمع مَن سيصرخ أولاً، فلا تراهنوا على نفاد صبرنا».