IMLebanon

“صواريخ المطار” …

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

ماذا بعد اتّهام إسرائيل لـ”حزب الله” بإنشاء بنية تحتية لتطوير الصواريخ بالقرب من المطار؟ سؤال فرضه التركيز الإسرائيلي في الأيام الأخيرة في اتّجاه لبنان؛ أوّلا من خلال الصور التي رفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من على أعلى منبر دولي في الأمم المتحدة وقال انّها مخزن صواريخ لـ”حزب الله” تحت ملعب لكرة القدم في بيروت، وثانياً من خلال التغريدات المتتالية للناطق باسم الجيش الإسرائيلي حول تطوير “حزب الله” لصواريخ دقيقة، وأتبعها بتحذيرات للمسافرين عبر المطار؟

قد تبدو الخطوة الاسرائيلية هذه في نظر البعض، والكلام هنا لخبير في الشأن الإسرائيلي. لعبة اعلامية يحاول من خلالها نتنياهو ان يهرب من ازمته الداخلية لفرض وقائع جديدة تغطي على حال التدحرج الانحداري الذي يتعرض له في الداخل الاسرائيلي، نتيجة مجموعة كبرى من الاخفاقات، اضافة الى مسلسل الصفعات التي مني بها في الفترة الاخيرة وصولاً الى صواريخ الـ”اس 300″.

كما انّ هذه الخطوة، في رأي الخبير نفسه يمكن ان تفسّر في بعض جوانبها على انّها رد فعل اسرائيلي مباشر على المبادرة الروسية بتزويد الجيش السوري بصواريخ “اس 300″، وذلك لاحتواء هذه المبادرة واختبارها في الميدان اللبناني، على اعتبار ان لبنان قد يكون في نظرها خاصرة رخوة ومفتاحاً لمجالها الجوي، يمكن لها من خلاله ان تعوّض بعضاً مما فقدته في الأجواء السورية.

هنا يلفت الخبير، الى تزامن الخطوة التصعيدية الاسرائيلية تجاه لبنان، مع التطوّرات الاخيرة في سوريا والتي فرض فيها حضور الصواريخ الاستراتيجية الـ”اس 300” صدمة في المجتمع الاسرائيلي السياسي والعسكري، وخصوصاً لناحية خلقه امراً واقعاً جديداً ممهداً لفرض قواعد اشتباك جديدة في المنطقة، تخشى من خلاله اسرائيل ان يصعّب عليها ذلك حركة طيرانها الحربي ليس فقط في الاجواء اللبنانية، بل من ان يصل ايضاً المدى الحيوي لهذه الصواريخ الى الاجواء اللبنانية بما يجعل هذه الاجواء ممنوعة على طيرانها الحربي.

ولكن، يضيف الخبير، في الوضع الحالي الذي تتسارع فيه التطورات في المنطقة الى مستوى غير مسبوق، وفي الاتجاه التصعيدي، سواء ضد ايران وكذلك ضد “حزب الله” الذي يتعرّض في هذه الفترة لهجوم قاس من جهات متعددة، ولذلك من الصعب الافتراض بأنّ هذه الخطوة الاسرائيلية آتية من فراغ، فبالتأكيد أنّها تندرج في سياق سيناريو معيّن وضعه الاسرائيليون موضع التنفيذ، لتحقيق هدف ما”.

وأمّا مندرجات هذا السيناريو فمعالمها، وكما يقول الخبير المذكور، غير واضحة. وبالتأكيد ان الخطوة الاسرائيلية هذه، ليست كما ذهب البعض الى وصفها بـ”فقاعة صابون تحريضية للبنانيين على “حزب الله”، وللبنانيين على بعضهم بعضاً”، هي أبعد من ذلك.

التصعيد الاسرائيلي، اشاع جوًّا قلقاً، او بمعنى ادقّ القى في الاجواء اللبنانية عبوة يمكن أن تسلك طريقها الى احتمالات خطيرة ليس اقلها الوصول الى مواجهة حربية. وما يرفع مستويات الريبة من هذا الدخول الاسرائيلي على الخط اللبناني، كما يقول الخبير، هو الصمت الاميركي الواضح حيالها، الذي يبدو كأنّه يغض النظر، إن لم يكن اكثر، على الخطوة الاسرائيلية هذا إن لم يكن شريكاً، وكذلك بردّ الفعل الروسي العالي النبرة، حيث سارعت موسكو الى التحذير على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي قال رداً على سؤال عما اذا كانت اسرائيل ستضرب محيط مطار بيروت:” سيكون ذلك انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وسنعارض بشدّة هذه الاجراءات، لكن نحذر من ايّ انتهاكات مهما تكن لقرار مجلس الامن في الامم المتحدة”.

كلام لافروف اقترن مع كلام ديبلوماسي بذات اللغة، يدعو الى التمعّن ملياً بكلام وزير الخارجية الروسي، النابع من الفهم الروسي السريع لمحتوى الرسالة الاسرائيلية الخطيرة، ولذلك كان موجباً ان ترسل رسالة كابحة لها.

على انّ الكلام الديبلوماسي يلفت الى انّ الشهرين المقبلين، قد يشكلان ذروة الضغط الاميركي والاسرائيلي مع بعض دول المنطقة سواء على ايران و”حزب الله”، ومع ذلك، حتى الآن لا يمكن الوصول الى استنتاج نهائي بما سيؤول اليه الوضع، وما اذا كان سينحدر نحو عمل عسكري، حتى الآن لسنا مقتنعين بأنّ الامور على ابواب حرب او عملية عسكرية اسرائيلية ضدّ لبنان، لأن نتائج اي عمل عسكري لن تكون مخاطرها وأثارها الوخيمة محصورة بطرف بعينه دون الطرف الآخر. وما يعزز عدم اقتناعنا هذا بأنّ اسرائيل منذ حرب تموز 2006 لم تصل الى الجهوزية التي تجعلها تحمي جبهتها الداخلية، والتي تجعلها ايضاً قادرة على تحقيق هدفها الاساس، ايّ القضاء على “حزب الله”، ولو انّها قادرة على ذلك لأخذت قرار الحرب على الحزب امس قبل اليوم. علماً ان قدرات “حزب الله” تراكمت اضعافاً منذ حرب تموز 2006 وحتى اليوم.

يضيف الديبلوماسي نفسه، هذا لا يعني ان ابواب التهوّر مغلقة، وكذلك ابواب المغامرات نحو اعمال عسكرية وردود، وهذا معناه الدخول في حالة من التدحرج نحو مواجهة وحرب، بالتأكيد انّها لن تبقى محصورة على الجبهة اللبنانية الاسرائيلية، بل ستتمدّد نحو حرب اقليمية حتمية تضع مصير المنطقة برمتها في مهب المجهول والخلط الخطير للاوراق.

“حزب الله”، تلقف المبادرة التصعيدية الاسرائيلية، ولكن من دون ان يحرّك في العلن ساكناً حيالها، الّا انّه في الميدان ذهب الى التعاطي معها بما تقتضيه من جهوزية واعداد عدّة لكلّ الاحتمالات، واما لبنان الرسمي فقرّر البدء بتحرّك ديبلوماسي لمواجهة التهديدات الاسرائيلية ونفي المزاعم حول وجود الصواريخ التي قالت اسرائيل انّه يجري تطويرها لتصبح دقيقة باشراف ايران. فهل يمكن ان يصل هذا التحرّك الى نتيجة؟

واللافت في السياق اللبناني، جرس الخطر الذي دقّه رئيس مجلس النواب حيال هذا التطور، حيث شدّد على انّه لا يجب المرور على هذا الامر مرور الكرام، نحن امام وضع خطير، بل نحن امام كلام حرب”.

لا يرى برّي في هذه الخطوة ما يدعو الى التعاطي معها وكأنّها “مزحة”، فلا احد يستخف بالخطر الاسرائيلي المتجدد، ما قاله نتنياهو وغيره من الاسرائيليين هو اخطر كلام ضدّ لبنان، فهذه “الموجة”، مستمرة عبر مسلسل متواصل بدءًا من العقوبات وصولاً الى المطار.

وقال برّي: انّهم يريدون اقفال المطار وغير ذلك، ونحن هنا في لبنان نخرّب بلدنا بأيدينا، ونتلهّى بوزير زيادة وخيبة من هنا وهناك. لذلك امام ما يجري، فإن المطلوب هو أن نتعاطى مع هذا الحدث بما يستحقه من يقظة وحذر ومحاولة تحصين الداخل، بدءًا بتحرّك ديبلوماسي، وقبل كل شيء التحصين بوحدة الصف اللبناني اولاً وأخيراً، وهذا هو الأهم.