IMLebanon

تشكيل الحكومة وعورات الإعلام (بقلم رولا حداد)

من يتابع ملف تشكيل الحكومة يتأكد من قلّة مسؤولية الطبقة السياسية حتماً، لكنه يكتشف مدى هشاشة الإعلام اللبنانية بغالبيته الساحقة. فمنذ حوالى 3 أسابيع على الأقل، ومع بدء التحركات والاتصالات والمفاوضات الجدية لتشكيل الحكومة العتيدة، برهن الإعلام اللبناني، صحافة وإعلام مرئي ومسموع والكتروني، أنه تحوّل من دوره الإعلامي في محاولة الكشف عن الحقيقة، إلى مجرّد أبواق ومساحات يستعملها السياسيون والأطراف السياسية لتمرير تسريباتهم ورسائلهم ليس أكثر!

ومن يتابع التسريبات عبر التلفزيونات والمواقع الالكترونية والصحف والإذاعات، يدرك تماماً أن لبنان بات يخلو تقريباً من محترفي الصحافة والإعلام الذين يسعون خلف المعلومة ويدققون فيها ويقاطعونها مع مصادر عدة قبل نشرها، إلى مجرّد “موظفين” أو “ملتزمين” عند أطراف سياسية ويعملون لمصلحتها عوض أن يعملوا كصحافيين وإعلاميين بحثاً عن سبق صحافي حقيقي.

يكفي أن نتابع أي وسيلة إعلامية، وتحديداً بداية الإعلام المرئي، لنرى كيف كانت المحطات التلفزيونية تعمد في اليوم الواحد الى تمرير عشرات التسريبات المتناقضة حتى في ما بينها، وكيف أن لغة “المصادر” المجهولة عمّت مختلف وسائل الإعلام. والسبب ببساطة أن كل سياسي أو طرف سياسي من المتنازعين، أخذ يستعمل من “يمون” عليهم في وسائل الإعلام، والمحطات التلفزيونية في الطليعة، ليعمد الى نشر تسريبات مغلوطة بشكل متعمد، إما بهدف تضليل الراي العام، وإما بهدف الضغط للتأثير على المفاوضات الجارية. وكان الزملاء في المحطات التلفزيونية يستجيبون كأدوات طيّعة بيد السياسيين. وطبعاً لكل طرف او سياسي “محسوبون عليه” في أبرز التلفزيونات، وجميع الزملاء يمررون “مصادرهم”، ما حوّل الأخبار الإعلامية المتداولة حول تشكيل الحكومة كبرج بابل حقيقي، من دون أن يكون ثمة صدقية في أي خبر!

المصيبة تكمن في أن الزملاء بغالبيتهم الساحقة كانوا متواطئين مع السياسيين والأطراف السياسية، بحيث عملوا كـ”مجنّدين” لخدمتهم في تسريب الأخبار، ولو كانت مغلوطة ومن دون أي تدقيق فعلي، وذلك بهدف إرضاء هذا السياسي أو ذاك، لا بل باتت الأطراف السياسية تتنافس في التسريب المغلوط عمداً!

ومع انتشار ظاهرة “الأخبار السريعة” على الهواتف الذكية (Push Notifications) أصبح تضليل الراي العام بفعل ألاعيب السياسيين والأطراف المتنازعة مهمة سهلة جداً. والأسوأ في كل ما تقدّم غياب أي مسؤولية لإدارات المؤسسات الإعلامية في ضبط هذه الظواهر المرضية في الإعلام. فكيف يمكن لأي مؤسسة إعلامية أن ترسل كمّاً من الأخبار والمعلومات المتناقضة في غضون ساعة واحدة؟ كيف يمكن ان تقبل بإرسال الخبر ونقيضه؟ وما هو المطلوب من المتلقي في هذه الحال؟

في اختصار، أزمة تأليف الحكومة لم تعرِّ الطبقة السياسية حصراً اللاهثة في أكثريتها خلف مصالحة فاقعة، بل عرّت أيضاً الإعلام اللبناني بالكامل، والذي بات في معظمه ينفّذ أجندات سياسية وليس إعلامية، ما يجعل من مهمة إنقاذ البلد شبه مستحيلة تحتاج إلى أعجوبة حتماً!