IMLebanon

“الحزب” في دور “فتح”! (بقلم رولا حداد)

ليست المناورة التي أجراها “حزب الله” في جرود عيون السيمان الأولى من نوعها، وربما لن تكون الأخيرة. ذاكرة بعض اللبنانيين القصيرة لم تسمح لهم بالعودة على سبيل المثال إلى الانتشار العسكري للحزب في جرود صنين في العام 2008، وهو ما تم إثباته بوثائق سرّية من مديرية المخابرات تم نشرها في الإعلام يومها رغم محاولات لفلفة الموضوع.

البعض اعتبر أن ما جرى في عيون السيمان يأتي في إطار محاولات الردّ على النكسة التي مُني بها “حزب الله” في عين الرمانة في 14 تشرين الأول الماضي، لكن خطورة حادثة عيون السيمان لا تكمن في تفاصيلها العسكرية، إنما في إصرار الحزب أولاً على تحدّي منطق الدولة ودور الجيش والأجهزة الأمنية، وفي إصراره أيضاً على استفزاز اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومناطقهم من دون استثناء.

في جلسة خاصة مع أحد المخضرمين في السياسة اللبنانية يتوسّع في الشرح عن الظواهر التي يصرّ “حزب الله” على افتعالها فيؤكد أن الحزب يصرّ على تكرار الممارسات التي كانت منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية ترتكبها في لبنان والتي أدّت إلى اندلاع الحرب اللبنانية. فعلى سبيل المثال إصرار المسلحين الفلسطينيين على نصب حواجز وانتهاك المناطق كما كان يحصل في ساحل المتن وخصوصاً منطقة الدكوانة بفعل ممارسات مسلحي مخيّم تل الزعتر، أو كمثل حادثة دخول “بوسطة” المسلحين إلى قلب عين الرمانة في 13 نيسان 1975، إنما تسبّب في ردود فعل من المسيحيين يومها الذين انتفضوا لتقاعس الدولة وأجهزتها وأخذوا حماية مناطقهم على عاتقهم.

واليوم يكرّر “حزب الله” الأخطاء نفسها ويسعى بالممارسات على الأرض ليؤكد أنه تحوّل إلى قوة احتلال مكتملة المواصفات، فيعطّل دور الجيش والأجهزة الأمنية، لا بل يسعى في أحيان كثيرة إلى جعلها في خدمته، ويذهب في اتجاه استفزاز المناطق التي لا تزال عاصية عليه عبر محاولات ترهيبها والاحتكاك مع أهلها كما حصل في عين الرمانة، وكما كان يحصل في مناوشات واحتكاكات عدة عند أطراف الأشرفية وغيرها.
ربّ قائل إن الفارق بين الفصائل الفلسطينية و”حزب الله” أن الأولى تتألف من غير اللبنانيين وبالتالي كان بالإمكان اجتثاثها في حين أن “حزب الله” يتألف من لبنانيين وبالتالي لا مجال للتعامل معه بالطريقة اياها. ولكن يغفل أصحاب هذه النظرية أن الفلسطينيين بفصائلهم لا يزالون متواجدين في لبنان إنما محصورون في النطاق الجغرافي الضيق لعدد من المخيمات، وذلك بعد أن تم ترحيل أبرز القيادات الفلسطينية عن لبنان بتعاون إسرائيلي- سوري اعتباراً من العام 1982. وبالتالي فإن أكمل “حزب الله” في لبنان بتنفيذ الأجندة الإيرانية لن تشفع له بطاقات الهوية اللبنانية التي يحملها عناصره، رغم تحدي السيد حسن نصرالله اللبنانيين حين لوّح بإمكانية الإتيان بغير اللبنانيين من الميليشيات الإيرانية للقتال في لبنان، وجولات قيس الخزعلي لا تزال ماثلة في أذهاننا!

هذا الكلام لا يندرج في إطار التحدي لأحد، لأن التحدي والاستفزاز يكمنان في ممارسات “حزب الله” تحديداً وليس في ردود الفعل لخصومه السياسيين. لم يذهب أي فريق لبناني لاستفزاز الحزب في الضاحية الجنوبية أو بعلبك أو النبطية أو بنت جبيل، بل إن “حزب الله” هو من يحاول أن يقول للسُنّة والمسيحيين والدروز إنه قادر على اجتياح مناطقهم ساعة يشاء. وبالتالي ربما يكون من المفيد لقيادات “حزب الله” أن تتعظ من تجارب الماضي وألا تنتشي نتيجة الشعور بفائض القوة كما حصل مع المنظمات الفلسطينية لأن الفسيفساء اللبنانية وإرادة المقاومة الحقيقية لدى الشريحة الأوسع من اللبنانين قادرة على لجم عنجهية الحزب ووضع حد لسعيه إلى الهيمنة. ودروس التاريخ في هذا الإطار مجانية في منطقة تشهد تقلبات يدرك “حزب الله” أنها لا تصبّ في مصلحته وخصوصاً أنه قد يعاني من الأقربين قبل الأبعدين مع ارتسام ملامح الأدوار الجديدة لمختلف القوى في المنطقة… فهل يتّعظ قبل فوات الأوان؟