IMLebanon

“المية ومية” فوضى تنتظر الحسم… (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

أجواء حرب حقيقية تسيطر على منطقة المية ومية وجوارها. تأخذ الاشتباكات الدائرة في مخيم المية ومية حيزاً كبيراً من المشهد السياسي نظراً لتوقيته والأفرقاء المتنازعة، والهدف منها اليوم.

ما يجري في المخيم بين حركة فتح وأنصار الله منذ 15 تشرين الأول الحالي ليس وليد ساعته، اذ ان عوامل الصدام والاحتقان كانت تتراكم، والتي بدأت قبل نحو 4 أشهر، عندما وقع انفجار يوم الخميس 19 تموز 2018 في مخيم المية ومية وتبين انه محاولة اغتيال للأمين العام لحركة “أنصار الله” الحاج جمال سليمان الذي نجا بأعجوبة.

 

واقع المخيم الجغرافي والاستراتيجي!

يقع مخيم المية ومية على تلة ترتفع قرابة 300 متر عن سطح البحر. يقع شرقي مدينة صيدا على تلة مشرفة عليها ويبعد ما يقارب 5 كلم عن المدينة. يحدّه من الشرق ضيعة المية ومية ومن الغرب مدينة صيدا الساحلية ومن الشمال تلة مار الياس ومنطقة الهمشري – الفوار ومن الجنوب تلة سيروب وعين الحلوة. وميزة مخيم المية ومية الجغرافية أنه يطلّ من علٍ على مخيم عين الحلوة ويكشفه.

تنقسم السيطرة في المخيم إلى ثلاثة أجزاء، على قاعدة تقاسم النفوذ والهيمنة المسلحة. جزء خاضع لسيطرة حركة فتح، وجزء آخر تسيطر عليه حركة حماس، وجزء ثالث تسيطر عليه جماعة أنصار الله التي كانت على تحالف مع “حزب الله”، إلى أن ظهرت الخلافات والتباينات بينهما.

 

“انصار الله” والعلاقة مع “حزب الله”!

يتبنّى تنظيم أنصار الله طروحات “حزب الله” السياسية، وهو يشكّل امتداداً له في الوسط الفلسطيني. ويعتبر عديدون أن أنصار الله حالياً هو “حزب الله” الفلسطيني. ويعود أصل نشأة تنظيم أنصار الله إلى آب 1990، عندما كان يشكل كتيبة ضمن حركة فتح، لكن مساندة تلك الكتيبة لحزب الله أدت لفصلها عن حركة فتح فتكفل الحزب برعايتها.

ولا يخفي التنظيم ارتباطه الأمني والسياسي بـ”حزب الله”، وبأنّ العلاقة تعود إلى العام 1990، بحسب حديث المسؤول العسكري في التنظيم ماهر عويد لصحيفة النهار في 28/10/2007.

في العام 2015 خرج تنظيم أنصار الله من عباءة الحزب حيث فاجأ أمين عام حركة أنصار الله الفلسطينية الحاج جمال سليمان، الساحة اللبنانية بالإعلان عن فك ارتباطها مع “حزب الله” سياسياً وعسكرياً وأمنياً، على الرغم من ان بعض المصادر شككت بوجود تنسيق غير علني بين التنظيمين.

تجدر الاشارة إلى أن تنظيم انصار الله حليف “حزب الله” استطاع الدخول بقوة إلى مخيم المية ومية بعيد اغتيال القائد في حركة فتح كمال مدحت في العام 2009، والذي كان ممسكاً بزمام أوضاع المخيم، والقادر على بسط سيطرة حركة فتح عليه، فكانت هذه هي نقطة التحول، لما يمثّله هذا الدخول من إنجاز أمني استراتيجي في المعطيات الميدانية.

وبالمعنى العسكري البحت، نجح “حزب الله بالسيطرة نارياً على مخيم عين الحلوة، انطلاقاً من موقع المية مية الجغرافي، والذي يطل على عين الحلوة. علماً أنه يوم دخل تنظيم أنصار الله إلى المخيم، بدعم من حزب الله، كانت غاية الحزب من ذلك استراتيجية. إذ يومها كان هناك تخوف فعلي من أي تحرك في المخيمات الفلسطينية ضد حزب الله قد يقطع طريق الضاحية– الجنوب، على خلفية تصاعد التوتر السنّي- الشيعي في لبنان.

 

أسباب الصدام!

تقول المعلومات إن الصراع في مخيم المية ومية تحوّل إلى نزاع على النفوذ، وإن حركة فتح لمست العديد من المؤشرات التي تدل على أن “حزب الله” قد يكون رفع الغطاء عن تنظيم أنصار الله، فقررت القضاء عليه، ومن هذه المؤشرات تسليم المتهم المباشر بمحاولة اغتيال أحد المستشارين في السفارة الفلسطينية، والقيادي في حركة فتح، اسماعيل شرّوف، إضافة إلى ورود معلومات عن وجود خلافات بدأت تطرأ على العلاقة بين حزب الله وانصار الله منذ مدة، ما دفع الحزب إلى اتخاذ قرار بإنهاء الدور الأمني الذي كان يناط بأنصار الله في المية ومية.

إلا أن الاجتماعات المتتالية للقوى المؤثرة في مخيم المية ومية، أي “حزب الله” وحركة “امل” و”انصار الله” وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، والتي كان آخرها الجمعة 26 تشرين الأول، لدى “حزب الله”، والخروج على اتفاق بوقف إطلاق النار واجراء نوع من التهدئة وسحب المسلحين، يوحي بأن “حزب الله” لم يرفع الغطاء بعد عن تنظيم “أنصار الله” كما يُشاع، لكن هذا لا يمنع من الاشارة إلى أن وضع انصار الله بات ضعيفاً جداً في المخيم، كما اكد مسؤول عسكري لـIMLebanon.

 

 

دور الجيش اللبناني

يواصل الجيش اللبناني بناء التحصينات والمراكز المستحدثة على المداخل الغربية والجنوبية لمخيم المية ومية. ويقوم الجيش بعملية انتشار حماية للمدنيين خصوصا ان المية ومية والمناطق المجاورة تتعرض بشكل دائم لهزات أمنية ورصاص وقذائف تطالهم، من هنا، فإن الجيش يستكمل اجراءاته وإجراء التحصينات اللازمة ووضع البلوكات لاحاطة المخيم ومنع خروج الرصاص الطائش والقذائف الى خارجه، واستحداث طرق خارجية لتنفيذ دوريات وبناء أبراج مراقبة، حفاظاً على الأمن ومنع تمدّد أي فوضى أمنية إلى خارج المخيم.

الدخول الى المخيّم!

يؤكد المصدر العسكري لـIMLebanon أن لا نية لدخول المخيم، ولأن يكون الجيش حاجزاً فاصلاً بين التنظيمين المتصارعين، وأي انخراط عسكري مباشر للجيش اللبناني سيكون ترجمة لقرار سياسي يتخذه رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الاعلى والسلطات المعنية، بغض النظر عن اي اجندات. فالدخول إلى المخيم موضوع سياسي كبير، واذا اتخذ القرار السياسي ندخل، والجيش يضع كل الخطط الى الامام”.

 

المسيحيون!

كان معظم سكان المية ومية من الكاثوليك الذين كانوا يشكلون نحو (85%)، بالإضافة إلى بعض الموارنة (7%)، والبروتستانت (6%) وغيرهم. لكن ديموغرافية البلدة تغيرت بشكل كبير بعد الحرب اللبنانية ونزوح وهجرة قسم من أبنائها المسيحيين ما قابله زيادة في السكان من الطوائف الأخرى. ما تبقى اليوم من المسيحيين رفعوا الصوت عالياً إلى المراجع الدينية المعنية، وإلى رئاسة الجمهورية، علّ هناك من يتدخل لحمايتهم مما وصفوه بحالة تهجير أخرى تستهدفهم.

 

القوى السياسية!

يرى عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى أن الخلافات في المية ومية غير مفهومة هي تؤذي الابرياء داخل المخيم والمنطقة والمحيطة خصوصا ان هناك استخداما للاسلحة الثقيلة. ووضع هذه الصراعات في إطار الصراع على النفوذ داخل المخيم، وليس تغيير معادلات محددة خارجا، لذا المطلوب التعقل ووقف اطلاق النار وحل مشاكلهم بطريقة سلمية. كما اعتبر أن مسألة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها له حسابات اخرى وما يحصل اليوم ليس جزءا منه.

عضو “كتلة المستقبل” النائب محمد الحجار، قال لـIMLebanon: “لو طبقت قرارات طاولة الحوار في العام 2006 لكنا تداركنا ما يحصل اليوم، وموقفنا واصح نحن ضد السلاح خارج اطار الشرعية مهما كان نوعه وبغض النظر عن هوية حامله. وأضاف: “صحيح أننا ربطنا نزاعا مع حزب الله في هذا الموضوع لكن لا يعني اننا نقبل بأن يكون السلاح خارج اطار الشرعية، لذا يجب وضع حد له، وان يكون هناك مواقف واضحة للجيش بالاتفاق مع السفارة الفلسطينية”. واشار الحجار الى وجود علامات استفهام على من يتسبب عمدا او بشكل غير مباشر بهذه المشاكل، لذا يجب ان يتم التحقيق فيها ويبنى على الشيء مقتضاه؟

عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي سعد قال: “مشكلة المخيمات ليست جديدة ومشكلة الصراعات على النفوذ ليست جديدة، وهذا الموضوع لن يحسم إلا بقرار من الدولة اللبنانية، التي من غير المقبول أن تبقى بموقع المتفرج على ما يجري وكأنها غير معنية، فأرض المخيمات لبنانية. وبما ان كل المكونات اتفقت على طاولة الحوار على حل مشكلة السلاح ونزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، من هنا، حتى الوقت ان تفرض الدولة سلطتها على كل الاراضي اللبنانية بدءا بالمخيمات وصولا الى كل السلاح غير الشرعي، لان كل سلاح غير شرعي سيؤدي الى نزاعات على غرار التي نشهدها في المية ومية.

اذا، أعادت الاشتباكات في مخيّم المية ومية موضوع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها إلى الضوء، ومع ضرورة معالجة هذا السلاح، لأن كل سلاح غير شرعي سيكون مسخّراً لأجندات غريبة ضد امن ومصلحة لبنان، وبالتالي، فإن معادلة الأمن في لبنان تتطلب انهاء كل سلاح خارج سلاح الدولة وخصوصا سلاح “حزب الله”.