IMLebanon

بصور الأقمار الصناعية: النظام السوري يفرّغ سجن صيدنايا بالإعدامات

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية صورًا التقطتها الأقمار الصناعية لأجسام مظلمة، قال الخبراء إنها تتفق مع أجساد البشر، حول سجن صيدنايا الذي يديره النظام السوري.

وفي تحقيق نشرته الصحيفة قال إسحاق بيكر، مدير تحليل الصور في برنامج إشارات “مبادرة هارفارد الإنسانية” على الأمن البشري والتكنولوجيا، “هناك أشياء  مظلمة في الفترة بين 1 و4 من آذار، تشبه بعضها البعض، طولها من خمسة إلى ستة أقدام تقريبًا”. وأضاف بيكر “أن التحليل والبيانات المتاحة تثبت وتتسق مع روايات شهود العيان عن عمليات الإعدام الجماعية في هذا المرفق”.

وأضافت الصحيفة أنه يبدو أن صور الأقمار الصناعية الأخرى للأراضي العسكرية قرب دمشق، التي حددتها منظمة العفو الدولية في السابق كموقع للقبور الجماعية، تظهر زيادة في عدد حفر الدفن وشواهد القبور في مقبرة واحدة على الأقل هناك منذ بداية العام.

وقال منشقون عملوا في نظام السجون العسكرية لـ “واشنطن بوست” إن هذه المنطقة، الواقعة جنوب العاصمة، هي المكان المحتمل للدفن الجماعي لسجناء صيدنايا.

ووصف معتقلان سابقان كانا محتجزين في زنزانات أقرب إلى غرفة الحراسة في جناح السجن الأصوات التي كانت تسمع بين السجانين بشأن عمليات إعدام في أوائل آذار، وقال أحدهما “كانوا يتحدثون عن مجموعة من جثث السجناء التي نقلت إلى الفناء”.

وهذه المرة الأولى التي يتم فيها نشر صور للأقمار الصناعية تظهر انتشار جثث لمعتقلي النظام السوري.

وتضمن التحقيق مقابلات مع أكثر من 20 معتقلًا سوريًا سابقًا، تم إطلاق سراحهم مؤخرًا من سجن صيدنايا العسكري في دمشق، بعد حملة شنها النظام بعد اندلاع الثورة لتصفية المعتقلين السياسيين.

وقال السجناء السابقون إن السجناء يُنقلون من السجون عبر سوريا للانضمام إلى معتقلي الإعدام في قبو صيدنايا، ومن ثم يتم إعدامهم في جلسات الإعدام قبل الفجر.

وأضاف المعتقلون أنه على الرغم من عمليات النقل هذه، فإن أعداد نزلاء زنزانات صيدنايا، والتي كانت في أوجها تضم ​​ما يقدر بنحو عشرة آلاف إلى 20 ألف معتقل، قد تضاءل إلى حد كبير بسبب عمليات الإعدام التي لا تتوقف، وكان قسم واحد على الأقل من السجن خاويًا بالكامل تقريبًا.

وسبق أن نشرت منظمة “العفو الدولية” تقريرًا يفيد بأنه كل أسبوع يتم اقتياد من 20 إلى 50 شخصًا من زنزاناتهم من أجل شنقهم في منتصف الليل، وأن حوالي 13 ألف شخص قتلوا في سجن صيدنايا منذ عام 2011، بسرية تامة. وقتل آخرون في صيدنايا بعد أن تعرضوا للتعذيب بشكل مستمر وممنهج، وحُرموا من الطعام والماء والأدوية والرعاية الطبية.

وبحسب التقرير كانت تحمل جثث القتلى في صيدنايا في شاحنات نقل وتدفن في مقابر جماعية، مشيرًا إلى أنه من غير المعقول أن تطبّق هذه الممارسات على نطاق واسع وبشكل ممنهج من دون الحصول على إذن من أعلى المستويات في الحكومة السورية.

 

رعب مطلق

وبعد سبع سنوات من الحرب السورية، لا يزال هناك أكثر من مئة ألف معتقل مجهول المصير. ورجحت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أن يكون آلاف -إن لم يكن عشرات الآلاف- من هؤلاء قد قتلوا.

ويستمر المعتقلون الناجون من الإعدام في شهادتهم لواشنطن بوست، قائلين إن حراس سجن صيدنايا يفرضون الصمت شبه التام بين المعتقلين الذين ينامون تحت أغطية ممتلئة بالعث والقراد، وفوق أرضيات حجرية لزجة بسوائل الأجسام من عرق وبول.

وقال محمد (28 عاما) إذا كنت في صيدنايا فلن تفكر في أي شيء، ولن تستطيع حتى التحدث إلى نفسك، أصوات الضرب تعذب كل المعتقلين والصمت يعذبهم أيضا.

ووصف محمد زملاءه الذين تركهم وراءه في صيدنايا بأنهم “كالحيوانات المحبوسة في الأقفاص”، قائلا “بعضهم تحطمت أرواحهم تماما وآخرون فقدوا عقولهم وسيكون الموت أرحم لهم، وهذا كل ما ينتظرونه في هذه الحياة”.

ورغم أن أيام الإعدامات تختلف في سجن صيدنايا، فإن الشهود يقولون إن الحراس يزورون الزنازين في الغالب مساء الثلثاء وينادون أسماء قوائم بصوت عال. ويضيف الشهود “نعرف أنهم قدموا عند قرعهم الأبواب المعدنية، ثم يبدؤون بالصراخ في وجوهنا آمرينا بالالتفات نحو الحيطان والوقوف دون أي حركة، ثم نقف ساكنين إلا من دعاء صامت بألا يشدني أحدهم نحوه”.

بالنسبة للطالب السابق محمد، فإن هذا ما حدث له بالضبط. جروه من قميصه وأخرجوه من زنزانته إلى طابور الإعدام في القبو، وقبل أن يصل إلى هناك ضربوه حتى سقط على الدرج، وكانت صرخات الآخرين تحيط به.

دفعه الحراس هو وبعض زملائه إلى زنزانة مكتظة في القبو، وجردوهم من ملابسهم تماما قبل أن يغادروا، واحتجزوهم هناك لمدة أسبوع.

وكان حال الزنزانة المجاورة مثل حال زنزانتهم. كان فيها حسن (29 عاما) الفلاح الذي نُقل إلى صيدنايا من سجن مدني بمدينة السويداء الجنوبية.

وكانوا جميعهم يقفون على أرجلهم طوال الليل بانتظار الإعدام، ولا يتحدثون إلا همسا، يتبادلون قصص حياتهم، ويتحدثون عما يندمون الآن على عدم فعله.

يقول حسن للصحيفة “الظلام شديد، لكن ما كنت أراه على وجوههم هو الرعب المطلق. وأخيرا توقف الجميع عن الكلام”.

عندما جاء الحراس وأخذوا المعتقلين إلى الإعدام، لم يأخذوا محمدا ولا حسنا اللذين علما فيما بعد أن أسرتيهما دفعتا عشرات الآلاف من الدولارات لوسيط له علاقة بالحكومة، وهو جزء من شبكة نشأت خلال الحرب لتزويد الأسر بالمعلومات عن ذويهم المعتقلين والإفراج عنهم في بعض الحالات مقابل مبالغ كبيرة من المال.

وقالت واشنطن بوست إن تصاعد أحكام الإعدام جاء في وقت بدأ فيه نقاش مصير المعتقلين بالسجون السورية، في محادثات العاصمة الكزاخية أستانا.

في هذه الفترة بدأت الحكومة السورية إصدار إخطارات إعدام المعتقلين السياسيين بمعدل غير مسبوق، وضمن هذه الإخطارات التي تُسلم إلى أسر المعدمين حالات إعدام قديمة منذ بدء الحرب.

يقول تقرير لهيئة شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب في سوريا صدر الشهر الماضي، إن كمية الإخطارات الجماعية بالإعدام الصادرة في سوريا تصل إلى مستوى الإقرار من الحكومة السورية بأنها كانت المسؤولة عن موت المعتقلين في السجون الذين ظلت تنكر اعتقالها لهم لسنوات.

ويعلق كبير المحققين في هذه الهيئة هاني مجلي أنهم يعتقدون أن ذلك يجب أن يُفهم بالربط بفترة ما بعد الصراع، وبتفكير النظام الذي يتوهم أن وجوده لم يعد تحت التهديد أبدا، “إذ يفكر النظام بأن عليه أن ينظر للأمام بشأن الكيفية التي يجب أن يعامل بها الشعب”.

ويضيف مجلي أن الشعب السوري يطالب حاليا بمعرفة المزيد من المعلومات حول ما جرى؛ لماذا، وكيف، وأين الجثامين؟

وتستمر الصحيفة في سرد قصة إعدامات المعتقلين السوريين عن منظمة العفو الدولية، لتقول إنه وبمجرد شنق الشخص يُحمل جثمانه من غرفة الإعدام إلى شاحنة أو سيارة تنتظر في الخارج، من ثم يُنقل إلى التسجيل في مستشفى عسكري قبل دفنه في المقابر الجماعية بالمنطقة العسكرية.

وتختتم الصحيفة تقريرها بقول حسن -الذي فقد رجله بانفجار لغم أرضي على الحدود مع تركيا- إن “ذكريات صيدنايا لا تُنسى، فجميع زملائي بالزنزانة قد أُعدموا، أفكر حاليا وباستمرار بمن لا يزالون أحياء من المعتقلين”.

للاطلاع على تقرير “واشنطن بوست”