IMLebanon

قطر تدخل سوق السندات اللبنانية لفك الحصار أم لتشديده؟

في أقل من 48 ساعة انقلبت التطورات التي أحاطت بالقمة التنموية والاقتصادية العربية، وبدًلت زيارة الساعتين لأمير قطر البيروتية مجموعة من أولوياتها، فانحرفت الأنظار في أعقابها إلى المبادرة القطرية التي قالت بالاكتتاب بسندات الخزينة بنصف مليار دولار. وبانتظار جلاء الحقائق والخلفيات لا بد من الإشارة إلى السيناريوهات التي جعلتها تتأرجح بين كونها فكاً للحصار على لبنان أو سبباً لتشديده؟

بين الحديث المتنامي عن الخلفيات السياسية الإقليمية والدولية للخطوة المالية القطرية المترجمة بشراء سندات حكومية بنصف مليار دولار من صندوق مصرف لبنان، وبين إعادة زجّها في اللعبة السياسية الداخلية، تتأرجح المبادرة القطرية التي خطفت الأنظار وألقت ظلالاً واسعة على نتائج القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي عُقدت في بيروت نهاية الأسبوع الماضي.

لم تخرق قطر بمشاركتها لساعتين في حفل افتتاح القمة، الحصار على القمة التنموية في ظل الصدمة الإيجابية التي عكستها الزيارة فحسب بل فتحت بمبادرتها المالية في اليوم التالي على رفع الجلسة الختامية للقمة، فجوة كبيرة في الحصار الاقتصادي المضروب على لبنان، وأحيت الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على تسويق إصداراتها من السندات المختلفة المالية في الدرجة الأولى في الداخل والخارج وعزّزت قدرتها على الإيفاء بديونها المترتبة عليها من ضمن المهل المحدّدة سلفاً، وهي التي تراكمت إلى أن ناهزت أخيراً الـ86 مليار دولار في أحدث إحصاء رسمي كُشف عنه في الأيام القليلة الماضية.

وبعيداً من النتائج الاقتصادية والمالية للخطوة وما وجّهته من إشارة بالغة الدقة إلى المستثمرين، لبنانيين وأجانب، الذين استعادوا الثقة بسرعة قياسية بأسواق الأسهم اللبنانية وسندات الـ”يوروبوند” لمجرّد الإعلان عن العملية وقبل تنفيذها، وعدا عن التقليص التلقائي لهامش خدمة الدين العام في لبنان، بقيت الخطوة مطروحة في الميزان السياسي والديبلوماسي على المستوى الداخلي اللبناني والإقليمي والدولي ما أدّى إلى انقسام الرأي العام بين حدّين متناقضين:

– الأوّل، مَن يعتقد أن شراء قطر للسندات الحكومية اللبنانية شكّل ترجمة مباشرة وعلنيّة لتعزيز النفوذ القطري في لبنان على قاعدة إحياء مقولة “شكراً قطر” التي راجت بعد حرب تموز 2006. وفي إطار المنافسة مع المملكة العربية السعودية المفتوحة على شتى الاحتمالات ليس على الساحة اللبنانية فحسب، إنما على الساحتين الإقليمية والدولية في ظل الحصار الخانق المضروب عليها من جاراتها الأربع باستثناء سلطنة عمان والكويت والذي تم تعزيزه بالمقاطعة الديبلوماسية بتهمة تورّطها وانحيازها إلى المحور الإيراني في المنطقة.

-الثاني، يعرف أن المبادرة القطرية هي عملية مُربحة بكل المعايير المالية والاستثمارية، فهي ليست وديعة مالية كما سبق أن أقدمت عليه السعودية منذ سنوات من دون أي فائدة، وهي شبيهة بالاستثمارات الكويتية والإماراتية  في رأسمال شركات الطيران والمصارف اللبنانية التي رفعت من أرباحها.

وما بين النظريّتين بوجهَيهما الإيجابيين، ثمة مَن يعتقد أن الخطوة القطرية ستعزّز الحصار الخليجي المضروب على لبنان بتهمة سيطرة “حزب الله” على الواقع السياسي في البلد. وإن صحّت المعلومات التي تحدثت عن غضب سعودي وكويتي من الخطوة القطرية، فإن البلد مقبل على مزيد من الحصار الذي تمارسه دول الخليج العربي. وهو أمر لن يطول ليظهر بتجلّياته الحقيقية في أكثر من مجال. فالمصرف المقترح لإعادة إعمار الدول العربية، يشكّل أحد أبرز الساحات لترجمة التوجّه الجديد، وإن جرى الاكتتاب برأسماله شيء، وخلاف ذلك شيء آخر.