IMLebanon

طبول حرب من لبنان الى إيران!

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

الصورة الإقليمية بالغة الخطورة والتعقيد؛ تطورات عسكرية متتالية على اكثر من ساحة، الميدان السوري تدفع به إسرائيل نحو آتون نارٍ بالغارات التي رفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، والهدف كما هو واضح فرض قواعد اشتباك جديدة تقطع على النظام السوري الطريق نحو بلوغ انتصار، وأما الهدف الأساس فهو إيران ومعها «حزب الله» اللذان يشكلان العنوانَ الحربيَّ الدائمَ للحركة الإسرائيلية ومن خلفها واشنطن.

وسط هذا الوضع تتبدى صورة لبنانية مشوّشةٌ، لبنان سياسياً وجغرافياً في قلب الحدث، لكنّ التطورات من حوله تسبقه، المسؤولون فيه كأنّ المياه تجري من تحت أرجلهم، إسرائيل تهدد وتضخّم خطرَ «حزب الله» عليها وعلى طبعتها الداخلية وتتوعد بأنها لن تقبلَ باستمرار هذا الوضع، وتُراسل لبنان بخطوات تصعيدية، سواءٌ بالخروقات المتتالية أو عبر الجدار الإسمنتي على الحدود الذي جعلته الخطوةُ الإسرائيلية باستئناف بنائه في نقاط متنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل، أشبهَ بعبوة ناسفة لاستقرار المنطقة آيلة للانفجار في أيّ لحظة، وأيضاً برسائلَ حربية، وآخرها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

واضح أنّ إسرائيل تقرع طبولَ الحرب على امتداد جبهتها الشمالية من لبنان الى سوريا فإيران، وهي لا تُخفي نواياها التي تدرّجت بها من إثارة صواريخ المطار، إلى الأنفاق وصولاً إلى الجدار على الحدود، فيما الطاقمُ السياسي اللبناني غافل، إن لم يكن متغافلاً، عما يجري، وغارقٌ في أمور تبدو سطحية، بل بمعنى أدق أقل من ثانوية، أمام الاحتمالات الحربية، بمعنى أنه يعلّق مصيرَ بلد بكليّته على حقيبة وزارية ووزير بالناقص أو وزير بالزايد لهذا الطرف أو ذاك.

حضر العربُ إلى القمة الاقتصادية، بعضُهم لم يكن مهتمّاً بالقمة بقدر ما كان مهتمّاً بالبحث عن سبب التقاعس اللبناني في ترتيب بيته الداخلي الذي تطرق بابَه مخاطرُ كبرى، والكلام هنا لمسؤول عربي، الذي أحرج مسؤولاً لبنانياً كبيراً، حينما قال له على هامش القمة ما حرفيته:»في الحقيقة لم نعد نفهمكم أنتم اللبنانيين، ولا نعرف ماذا تريدون، بلدُكم معطَّل وأنتم تصرّحون وتقولون إنه مشلول، ووضعُه الاقتصادي في الحضيض، فماذا تنتظرون، ولماذا لا تساعدون انفسكم، إن كنتم تنتظرون من أيِّ طرفٍ خارجي عربي أو دولي أن يمدَّ لكم يدَ المساعدة، فأنتم مخطئون، أقول لكم بصراحة أنتم تساهمون في تراجع بلدكم».

يضيف المسؤول العربي: «العرب يحبون لبنان، ويريدون أن يرَوه مستقرّاً، وقادراً على الصمود، لكن لا أحدَ من العرب لدية خطة أو مبادرة تجاه لبنان، كل العرب من دون استثناء لهم أولوياتُهم واهتماماتُهم، وأما الغرب فمتخبّطٌ بأزماتٍ كبرى وكل دولة معنية بأزماتها، من هنا فلا العرب سيبادرون لنجدتكم ولا الغرب أيضاً، وأقصى ما يمكن أن يقدّموه لكم هو النصيحة بأن ترتّبوا وضعَكم الداخلي قبل فوات الأوان، فبلدُكم ، وبكل صراحة، لا يستطيع أن ينتظرَ أكثر، المنطقة في لحظة خطر شديد، ونصيحتي أن تسارعوا إلى صبّ المياه على النار قبل أن تشتعل». هذا «الكلام اللبناني»، الذي ساقه المسؤول العربي أمام المسؤول الكبير، له تتمته في قراءةٍ للمشهد الإقليمي، قدّمها مسؤول كبير في دولة عربية كبرى على مسمع بعض الشخصيات اللبنانية ومن بينهم رؤساء حكومات سابقون.

تنطلق القراءة ممّا سمّاها المسؤول المذكور المحاولة الأميركية لبناء «حلفِ وارسو» جديدٍ على مقاس السياسة الأميركية، ليشكّل هذا الحلفُ «مجلسَ حرب» ضد الخطر الإيراني.

يلاحظ المسؤول أنّ اختيارَ واشنطن لوارسو مكاناً لاستضافة الحلف المزمَع تشكيلُه، ينطوي على دلالة شديدة الرمزية، ذلك أنّ الحلف العسكري «الشيوعي» الذي أنشأه الاتحاد السوفياتي المنحلّ زمنَ الحرب الباردة، حمل اسمَ هذه المدينة، وظلّ عنواناً لـ»الحرب الباردة»، إلى أن تمّ حلُّه من قبل الرئيسين ميخائيل غورباتشوف ودونالد ريغان في أواخر الثمانينيات. ولعلّه يُراد للحلف الجديد أن يكون ضد العدو «الشيعي» بدل العدو «الشيوعي هذه المرة، ومن أجله تحركت الدبلوماسية الأميركية في نشاط محموم، منذ مطلع العام الحالي.

في اعتقاد المسؤول العربي أنّ فكرة تشكيل التحالفات ضد إيران ليست بالأمر الجديد، فقد سعت الولايات المتحدة إليها منذ قيام الجمهورية الإسلامية، ولكن لم يُكتب النجاحُ لأيٍّ منها، وتبعاً لذلك فإنّ إدارة ترامب تريد أن تحقّق هدفاً «طموحاً» يتمثل في جعل إيران ترفع الراية البيضاء من خلال تشديد الضغوط الاقتصادية عليها، في خطوة أكثر حدّة من سلسلة الخطوات التي اتّبعتها واشنطن مع إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، والتي ضيّقت على إيران بشكل كبير إلّا أنها لم تخنقها.

خالف المسؤول العربي توقعات بعض الشخصيات اللبنانية، التي رجّحت احتمال الحرب الأميركية على إيران، ويقول: «نتيجة ما تملكه من معطيات، فإنّ إدارة ترامب تدرك جيداً أنّ العمل العسكري المباشر ضد إيران لن تكون نتائجُه مضمونة، ولو كانت هذه النتائج مضمونة لما تأخرت الطائرات الحربية الأميركية في الإقلاع عن حاملاتها في اتّجاه أهدافها في إيران.

في اعتقاد المسؤول المذكور أنّ واشنطن في وارسو أمام تجربة جديدة في تشكيل التحالفات. لكنّ الأمر هذه المرة يبدو أكثرَ صعوبة وتعقيداً. خصوصاً وأنّ ثمّة نظرة دولية واقعية تدرك أنّ الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط، فقد دخلت روسيا بكل قوتها العسكرية والديبلوماسية في المعادلة الإقليمية، إلى جانب إيران، التي باتت ترتبط معها بشراكة استراتيجية، فيما تبرز الصين أيضاً كظهير اقتصادي وعسكري وسياسي قوي لهذا التحالف.

ومن هنا يمكن افتراض أنّ «حلف وارسو» بنسخته الأميركية موجّهٌ أكثر نحو روسيا منه نحو إيران، وإن كانت الأخيرة تشكل العنوانَ المركزي للتحرّك الأميركي.

يقول المسؤول، الروس لن يشاركوا طبعاً، والاوروبيون بشكل عام غير متحمّسين، و»الاتحاد الأوروبي» أعلن بوضوح أنه لن ينضمّ الى تحالف ضد إيران، كما أنّ حلفاء أميركا في الشرق الأوسط أنفسهم لم يبدوا حماسةً كبيرة تجاه الدعوة الأميركية إلى الحلف الجديد، وهو ما تبدّى في المواقف الباهتة التي خرجت عن اللقاءات التي أجراها مايك بومبيو في جولته الشرق أوسطية. هذا لا يعني أنّ بعض الدول العربية لن تكون حاضرة في وارسو، إلّا أنّ جملة من الحقائق الموضوعية بينها وبين إيران تجعلها غير معنيّة بالذهاب نحو خياراتٍ متطرفة حيالها.

يخلص المسؤول العربي الكبير في قراءته إلى أنّ من السابق لأوانه الحديث عن فشل هذا الملف أو نجاحه، مع أنّ المؤشرات تميل إلى الفشل، وهنا تكمن الخطورة، إذ إنّ فشل «حلف وارسو» الجديد، ربما يشكل في الواقع ضوءاً أخضر لتصعيد عسكري، بالتأكيد أنه لن يستهدف إيران مباشرة على أراضيها، وقد لا تنخرط فيه الولايات المتحدة بالشكل المباشر. وهنا ينبغي رصد ما تقوم به إسرائيل سواءٌ في استئنافها للغارات الجوية على سوريا، أو في توتيرها للهدوء السائد على الجبهة مع لبنان. إذ إنّ التحركات الإسرائيلية تدفع إلى افتراض أنها قد تدفع إلى مواجهة كبرى بين إسرائيل وإيران في سوريا، إلّا أنها قد تنتقل إلى مستوى أكثر خطورة في حال امتدادها إلى لبنان، أو مناطق أخرى، وهذا معناه اندلاع مواجهة إقليمية واسعة. وأما تداعياتُ حرب كهذه فلن يكون من السهل توقّعها وتحديد حجمها والمساحة التي يتّسم بها.

بناءً على هذه القراءة، تبرز نصيحة يؤكد عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن يعمد لبنان الى صيانة وضعه وتحصين بنيته السياسية الداخلية بشكل عاجل، حتى لا يغرق في رمال الشرق الأوسط المتحركة.