IMLebanon

معلمون يُطفئون شمعة عيدهم… في الشارع!

كتبت ناتالي اقليموس في “الجمهورية”:

إستغنت معظم ادارات المدارس هذا العام عن توجيه تعميم الى الإهالي تذكّرهم فيه بضرورة عدم ارسال هدايا مع اولادهم في عيد المعلم، بل على العكس كادت تلفت انتباههم إلى رمزية الوردة في مثل هذه المناسبة. فلا يُخفى على احد انّ العلاقة بين الاهالي والمعلمين في التعليم الخاص تدهورت منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب واكتواء الوالدين بلهيب الاقساط. فيما العلاقة في التعليم الرسمي «ع صوص ونقطة»، قد تنفجر في أي لحظة، خصوصاً انّ الاساتذة المتعاقدين في الثانوي والاساسي في ذروة غضبهم نتيجة عدم تثبيتهم رغم الاعتصامات والاضرابات التي خاضوها، وآخر فصولها امام وزارة التربية أمس.

«يا ضيعان شو نوَعدنا». عبارة تختصر ردود أفعال معظم الروابط التعليمية والهيئات النقابية والاساتذة الذين التقتهم «الجمهورية» سواء من قطاع التعليم الخاص أم الرسمي، عشية عيد المعلم.

في الظاهر، معظم المعلمين شارك في قطع قالب حلوى العيد، اما في الباطن فالنفوس تغلي. حالٌ من التأهّب والإستنفار تعمّ صفوف المعلمين الذين يستعدون للتصعيد والذهاب أبعد من الاعتصام وتسجيل المواقف امام وزارة التربية.

 

المدارس الخاصة

يعتبر نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، «انّ واقع المُعلّم يختلف من مؤسسة تربوية الى اخرى، بعضها احترم القوانين وطبقها فيما البعض الآخر تجاهل الامر، لا بل عمد الى التخفيف من الكادر التعليمي، فلا الاساتذة بخير ولا التربية»، مشيراً «إلى ان الخطورة تكمن في المدارس «الدكاكين» حيث لا قانون ولا استاذ بل تجارة وأجير!».

ويوضح عبود في حديث لـ«الجمهورية»، ان «بعد صدور القانون 46 استبشر المعلمون خيراً، إلاّ أنّ رفض اغلبية المدارس تنفيذ القانون أخلّ بالعلاقة بين مكونات العائلة التربوية: المعلمون والأهل والادارة». لذا يعوّل على وزارة التربية والقضاء للضغط لجهة تطبيق القانون 46 كما كل القوانين واستخدام حقهما في اغلاق «الدكاكين» التربوية».

رغم الايجابية التي أبدتها النقابة، يؤكّد عبود انّ «العودة إلى الشارع حتمية»، ويقول: «سلكت النقابة طريق القضاء والمراجعات السياسية مع الوزراء والنواب، وابتعدت طواعية عن كل ما يمكن ان يعكّر التحصيل العلمي لأولادنا وحرصاً على الأهل. ولكن، إذا تابع اتحاد المؤسسات التربوية محاولاته تعديل او إلغاء القانون 46 فلا بدّ من التعبير الصارخ عن شجب المعلمين لتلك المحاولات. ولا شك انّ العودة الى الشارع ستكون حتمية في حال لمسنا سلوك مشروع إلغاء الدرجات الست للمعلمين طريق المجلس النيابي، أو في حال استمرت ممانعة المدارس عن تطبيق القانون».

 

رابطة التعليم الثانوي

يحار رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي من أين ينطلق في تعداد مشكلاتهم التربوية المتفاقمة منذ التسعينات. فيأسف في حديث لـ«الجمهورية» من المستوى المتدني الذي بلغه واقع حال المعلم، ويقول: «حقوق المعلم مُهملة ولا تُعطى الأهمية الكافية، هذا ما يدفع الشباب إلى الإنكفاء عن هذه المهنة، التي باتت تقتصر على السيدات بمجملها. بالإضافة إلى المناهج التربوية التي لم تُعدّل منذ أن وضعت في العام 1997».

ويتابع: «أضف إلى ذلك، مشكلة التعاقد التي يجب أن تنتهي لصالح تعزيز الملاك عبر فتح كلية التربية بشكل دوري. من دون أن ننسى قضية اعطاء مدراء الثانويات والمدارس حقوقهم في تعويض الإدارة، حيث أن كثيرين منهم تقاعدوا قبل نيل حقوقهم، وحتى اليوم لم يعدّل القانون رقم 73، وتعزيز دور التفتيش التربوي بعد انحسار عدد المفتشين التربويين، بالإضافة إلى تعزيز التقديمات الاجتماعية من تعاونية موظفي الدولة عبر رفع قيمة المنح التعليمية والمساعدات المرضية».

 

أكثر من 15 ألف متعاقد

أبى المتعاقدون الثانويون وفي الاساسي إلّا ان يُعبّروا عن سخطهم في الشارع عشية عيد المعلم، في قضية يرتبط فيها مصير أكثر من 15 ألف عائلة لبنانية تعيش أسيرة وعود سياسية من دون نتيجة فعلية على الارض. أكثر من 15 ألف متعاقد فوق السن مجاز وغير مجاز واجرائي ومستعان بهم، ينتظرون فرج التثبيت. منهم من احتشد امس امام وزارة التربية تحت شعار «عيد المعلم يعود والحقوق مسلوبة».

«حقنا في التثبيت»، «حقنا في الضمان الاجتماعي»، «حقنا في بدل النقل»، «يا نواب الامّة أنصفوا من أنصفته الشرائع وغنّت لعظمته الحناجر»، «يا فخامة الرئيس يا بيّ الكل عنك مش رح منحل»، «ثورة مستمرة حتى استرجاع الحقوق المسلوبة»، «يا دولتنا الكريمة ببالك خلينا وفي الشارع لا ترمينا». هذا غيض من فيض مما صدحت به حناجر المتعاقدين.

من جهته، لا ينكر رئيس حراك المتعاقدين الثانويين حمزة منصور انهم حققوا الكثير في نضالهم «من رفع أجر الساعة، الى احتساب ساعة المراقبة المدرسية ساعة فعلية بدل نصف ساعة، الى المشاركة في المراقبة في الامتحانات المدرسية، الى احتساب ساعات عيد المعلم، ولكن يبقى التثبيت الهمّ الدائم».

ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «ناضلنا من أجل حق التثبيت، بعد ان دخلنا التعاقد بطلب رسمي من مؤسسات السلطة، وكان دخولنا سبباً في وقف نزيف انهيار التعليم الرسمي، وما ذلك الّا لامتلاكنا الكفاءة والشهادة العلمية، وهنا يكمن تقصير السلطة أولاً، في عدم السعي الى تثبيتنا، وثانياً في تركها لنا نتخبط بالمآسي». لذا يناشد «لجنة التربية البدء الجدي بدراسة حلول لتثبيت المتعاقدين، يبدأ بالذين تجاوزوا السن وينتهي بالجميع، ضمن آلية يتم الاتفاق عليها».

ويضيف متأسفاً: «وعدنا الدكتور علي فياض والنائب علي خريس عضوا لجنة التربية النيابية بأنهما سيدعمان اقتراح قانون تثبيت المتعاقدين الموجود في لجنة التربية، لكن للأسف عندما اجتمعت اللجنة، وفجأة وبسحر ساحر، استجابا الى رأي النائب بهية الحريري، فتم ابعاد اقتراحنا واستبداله باقتراح مباراة مفتوحة، أقل ما يقال عنها انها تقتلنا جميعاً، خصوصاً مع اصرار النائب بهية الحريري على وضع معيار عمر 50 عاماً فقط أقصى لأي متعاقد».

والحل؟ يجيب منصور: «نريد دورات اعدادية تدريبية لمدة سنة بعدها تتم امتحانات بمواد هذه الدورات. يريدون ان نجري امتحاناً بمواد جامعية تعود الى 20 سنة ولا علاقة لها بالمنهاج الثانوي…كيف يتقدّم متعاقد ترك الجامعة منذ 20 عاماً لامتحان في مواد لا يدرّسها؟».

 

راتب شهري وضمان!

الصرخة نفسها تطلقها رئيسة اللجنة الفاعلة للاساتذة المتعاقدين في التعليم الاساسي الرسمي نسرين شاهين في حديث لـ«الجمهورية»، فتسأل: «ماذا سيكون مصير مشروع التثبيت الذي منذ ان رُدّ من مجلس الخدمة في ظل غياب الحكومة حتى اليوم بعد تشكيلها لا يزال في الادراج؟ وكان وعَدَنا الوزير السابق مروان حمادة من خلال النائب تيمور جنبلاط بأن يتبنى مشروع تثبيت اساتذة الاساسي، لذا نأمل ان يحمل شهيب مشروعنا الى طاولة مجلس الوزراء وان يخوض معركته بهذا المشروع»، مشيرة إلى مطالب أخرى لا تقل أهمية عن التثبيت منها: «اقرار راتب شهري وبدل نقل وضمان اسوة بباقي الوزارات، التي تؤمّن كل هذه الامتيازات للموظفين، فكيف بالمعلم؟»

ختاماً، لا شك ان المشكلات التربوية ستبقى تراوح مكانها ويتوارثها التلاميذ، ما لم تتشكّل قناعة بأهمية فصل الحلول التربوية عن الحسابات السياسية والفئوية. وغداً الشارع لناظره قريب!