IMLebanon

غبش في “الدائمة” والأسير في “التمييز”.. ولطّوف: “هيدي مِش دكانة”

كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

ماراثون من نوع آخر عاشته المحكمة العسكرية أمس قبل الدخول في عطلة عيد الفصح، إذ انقسم المشهد بين المحكمة الدائمة التي يُحاكم فيها المقرصن إيلي غبش بتهمة فبركة ملف التعامل مع إسرائيل للمسرحي زياد عيتاني، ومحكمة التمييز التي يحاكم فيها الشيخ أحمد الأسير ومجموعته في ملف أحداث عبرا، وفي المحاكمتين كان الإرجاء سيّد الموقف.

حتى الساعة العاشرة صباحاً لم تكن بعد قد دقت ساعة الصفر للبدء بالجلسات، فمكتب رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله يغصّ بالوفود والمراجعات والاستفسارات، الكل على عجلة من أمره قبل دخول البلد في العطلة. فيما بَدت الأجواء أكثر هدوءاً في «التمييز»، فتمكنت هيئة المحكمة برئاسة القاضي طاني لطوف من ترتيب امورها والانعقاد عند الساعة الحادية عشرة في حضور ممثل النيابة العامة التمييزية القاضي غسان خوري.

«محكمة!» أدّت مجموعة من الأمنيين التحية العسكرية اهتزّت لصداها جدران القاعة، في لحظة «كب الابرة بتسمع رنّتها»، إلتزم المتهمون مع الأسير الصمت في قفص الاتهام، فيما هو بقي يتأملهم على بُعد أمتار منهم، إذ أُجلس في المقعد الثالث من المحكمة وسط حراسة أمنية مشددة.

نادى لطوف على الأسير باسمه الثلاثي، فاقترب إمام مسجد بلال بن رباح، مرتدياً عباءة بنية وقلنوسة بيضاء، وحذاء رياضياً أسود. من خلف نظّاراته الطبية «عضم أسود»، غزلت عيون الأسير تمشط حنايا القاعة وتتأمل وجوه أفراد المحكمة بينما كان يقف أمام قوس المحكمة. وقد تقدّم وكلاء الدفاع عنه، وهما المحاميان محمد صبلوح وعبد البديع عاكوم. ثمّ انتقل لطوف إلى تعداد المتهمين، وهم: عبد الباسط محمد بركات، خالد عدنان عامر، حسين محمد فؤاد ياسين، محمد ابراهيم صلاح… ربيع محمد الناقوزي الذي تبيّن انّ وكيله لم يحضر، بلمح البرق إسوَدّ وجه لطوف وعقد حاجبيه مستفسراً عن السبب، فرد صبلوح: «أبلغني المحامي أحمد سعد صباحاً أنه خضع لعملية جراحية»، فقاطعه لطوف: «أين المعذرة الطبية؟ أين التقرير الطبي؟ ألم يوكّل من ينوب عنه؟».

«كل مرّة بتتعرقل»!

سلسلة أسئلة طرحها لطوف كان جوابها واحد: «لا»، فسرعان ما اشتعل غضباً، فيما قررت النيابة العامة إعتبار المحامي سعد «متمنعاً عن الحضور قسراً». أكثر من مرة حاول لطوف إفهام المتهمين ووكلاء الدفاع عنهم انّ لمصلحتهم السير في المحاكمة، فقال: «أحاول بكل ما في وسعي «انو تقَلّع الجلسة»، سبق ان انعقدت 3 مرات من دون أن نتمكن من المباشرة بالاستجواب، هل هذا يُعقل؟». وتوجّه إلى مجموعة المحامين الحاضرين وسألهم إذا كان احد منهم يتولى الدفاع عن المتهم الناقوزي: «حدا بيبقبَل؟». فردت المحامية زينة المصري «حضرة الرئيس القرار إلك بس ما منحمل مسؤولية». فضَم زملاؤها أصواتهم إلى رفضها تولّي الدفاع عن غير موكلها.

موقف المحامين «زاد الطين بلّة» فانفجر لطوف: «3 جلسات وأنا عم إمهلكن، 3 جلسات وبعد ما بلّشنا استجواب، بتتعرقل الجلسة، ما تجبروني آخد قرار».

وأضاف بنبرة حاسمة: «الذي يغيب عليه ان يرسل معذرة طبية خطية، «هيدي محكمة مش دكانة»! من دون جدوى حاول المحامون تهدئة الأجواء والتعبير عن احترامهم وتقديرهم للمحكمة، إلا انّ لطوف بقي عاقد الحاجبين، وقال: «لا أحرم أحداً من حقه في الدفاع ونعمل بكل طاقتنا لتأمين المناخات الملائمة، «شو المطلوب»؟ وأكّد: «الدفاع حق مقدس في المحكمة ولا بد ان نبدأ من مكان ما في الاستجواب… إلّا إذا إنتو ما بدكن تتحاكَمو!».

في المحصّلة، قررت المحكمة توجيه كتاب إلى نقابة المحامين لتوكيل محامي دفاع عن الناقوزي، مع احتفاظها بحقها في توكيل محام عسكري في الجلسة المقبلة عن أي متهم يمتنع وكيله عن الحضور، ثم أرجأت الجلسة إلى 12 حزيران 2019.

محاكمة غبش

لم تكد تنتهي جلسة الأسير، حتى فُتح باب المحكمة الدائمة إشارة إلى اقتراب بدء جلسة محاكمة غبش على وَقع سيل التكهنات والتحليلات حول مصير الجلسة «ماشية او لا!»، وحول ردّة فعل العميد عبدالله حيال أي تعمّد في المماطلة قد يُبديه وكيل غبش الجديد، بعدما كان قد حذّره من تضييع الوقت والتلهّي بمطالب لا فائدة منها إلا تأخير المحاكمة.

عند الساعة 11:55 دقيقة، إفتتح عبدالله الجلسة، ونادى على غبش الذي يُحاكم بأكثر من قضية بتهمة فبركة التعامل مع إسرائيل. فارتبطت الاولى بفبركة ملف بحق العسكري المتقاعد إيزاك دغيم، ولكن سرعان ما انتهت الجلسة لأنّ وكيل الدفاع عنه المحامي جهاد لطفي إستمهل للاطلاع على الملف، وأرجأت المحاكمة إلى 15 أيار. بعدها، إنتقل عبدالله إلى ملف ثان وهو فبركة غبش تهمة العمالة للمسرحي زياد عيتاني الذي كان حاضراً لمواكبة مجريات الجلسة.

إلى الصفر؟

ثم نادى عبدالله على المقدم سوزان الحاج، التي دخلت ببزتها الرسمية ملقية التحية العسكرية فيما وكلاء الدفاع عنها أخذوا أماكنهم إلى جانب قوس المحكمة وهم: الوزير السابق النقيب رشيد درباس، زياد حبيش ومارك حبقة. إلّا انّ الجلسة لقيت مصير سابقتها، بعدما طلب وكيل غبش المحامي لطفي إرجاءها للاطلاع على الملف. فتوجّهت انظار الحاضرين نحو العميد عبدالله والموقف الذي سيتخذه، وما إذا كان يَستشف من الاستمهال مُمطالة. صحيح انّ العميد بَدا هادئاً وعبر الاختبار بسلاسة، إلا انه كان حاسماً في الوقت نفسه، فقال للمحامي لطفي: «إذا كان لديك أي مطالب أرجو أن تدوّنها قبل الجلسة المقبلة، وأي تصوّر في العودة بالاستجواب إلى نقطة الصفر هو مستحيل». وأضاف: «يمكن الاستفسار عن بعض المسائل الصغيرة، ولكن ما تم استجوابه او الاستماع إليه لن نعود إليه بالكامل».

بعدها، أرجئت الجلسة إلى 15 أيار.

وعلى هامش الجلسة، أعرب درباس لـ«الجمهورية» عن ارتياحه وحذره في الوقت نفسه، قائلاً: «نثق بالقضاء، ومن حق المحامي الاطلاع على الملف، ومنذ البداية طالبنا بأن يوكّل غبش محامياً ليتسنى له مراجعة الملف باكراً، وبالتالي لا نستهلك الوقت. ولكن التوكيل جاء متأخّراً فاضطر المحامي لطفي الى الاستمهال. على أي حال سنحاول قدر المستطاع حصر الوقت، خصوصاً انّ كل الأمور باتت مكشوفة و»مُملة» من المسرح الكوميدي والعرض الممل».

وتعليقاً على «المفاجآت» التي وعد بها لطفي على هامش انتهاء الجلسة، قال درباس: «كل الالاعيب باتت خلفنا، ومن المُعيب التحدث عن مفاجآت فهذا ليس عمل محكمة ومحاكمة، لسنا في «سيرك». وختم مستغرباً: «كيف يتحدث عن مفاجآت وعلى حد قوله لم يطلع على الملف!… على كلٍّ أفلام Hitchcock صارت démodé».