IMLebanon

صفير إستقال بكِبَر: أتنحّى وأنا بكامل وعيي وقدراتي!

كتب جورج حايك في “الجمهورية”:
مع نهاية عام 2010، كان البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير يريد أن يترك سدّة البطريركية بصمت على عكس مدة حبريّته الصاخبة. لكنّ مصالح وحسابات وأهواء، سرّبت خبر استقالته التي قدّمها منذ أشهر إلى الدوائر الفاتيكانية. فبدأت الاجتهادات والتحليلات التي قاربت «الخيال العلمي». أمّا الوقائع فبسيطة نسردها للدلالة على مكانة هذا البطريرك الاستثنائي ولأخذ العبَر.

قبل فترة كان البطريرك صفير يسرّ لمَن حوله برغبته بالاستقالة. راح يردد امامهم «الأفضل أن أتنحّى وأنا بكامل وعيي وقدراتي». وكان المحيطون القلّة يجيبونه «من سيخلفك لم يُرسَم شماساً بعد». يضحك البطريرك كثيراً لهذه النكتة، لكنه كان يعرف تماماً من سيخلفه، ولم يبخل عليه بالتحضير. لكنّ هذا شأن آخر.

وبعد مشاورات داخلية مع عدد من المطارنة الموارنة ومع «المجمع الدائم»، وجّه صفير رسالة إلى الدوائر الفاتيكانية تمنّى فيها قبول استقالته. ولم يكن صحيحاً مطلقاً ما روّج له انّ روما طلبت الاستقالة من البطريرك. بعث البطريرك صفير الرسالة وهو يعرف الروتين الاداري الذي يتحكّم في مثل هذه الاحوال. إنصرف إلى متابعة نشاطه اليومي المعتاد، متجنّباً الكلام في هذا الموضوع لتسير الامور بهدوء وطبيعية وتُعلن عند استحقاقها.

لكن صدف انه في 23 شباط 2011 تمّ رفع الستار عن تمثال مار مارون الذي وضع في ساحة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان. قبل نحو أسبوع، إتصل سفير لبنان السابق في الفاتيكان جورج خوري ببكركي مستفسراً عن سبب التأخير في توجيه دعوة إلى رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان للمشاركة في الاحتفال. فوجئ السفير خوري بالإجابة التي أوحَت بأنّ البطريرك نفسه لم يحسم بعد قرار مشاركته ولا يعرف اذا كان سيكون بطريركاً سابقاً ام لا… وبدأت الحلقة الضيقة المطّلعة على قرار الاستقالة تتسِع، والاستفسارات تتكاثر، وزوّار المساء الى بكركي يتزايدون.

البطريرك صفير الذي قدّم استقالته عن قناعة تامة و»في أيام صحو» كما ردّد للمقرّبين، فعلَ ذلك باستقلال تام عن أي حسابات سياسية. وفي اليومين الماضيين، وبعد زيارة عدد من القوى السياسية القريبة من «14 آذار» والتي نقلت إليه حاجتها الى «دعمه وحضوره في هذه المعركة الحاسمة التي ستؤثر على مستقبل لبنان»، إكتفى بهَز رأسه متمنياً أيّاماً أفضل للبلد، و»نحن في أي حال لن نغادره».

مهما كثرت التأويلات، كان سبب استقالة البطريرك صفير هو تقدّمه في السن (90 عاماً)، ورغبته في أن يتولى من هو أصغر منه سناً شؤون الكنيسة المارونية.

إستقبل قداسة البابا الكاردينال صفير في 25 شباط 2011، بمناسبة مجيئه إلى روما لتبريك تمثال أب الكنيسة المارونية، القديس مارون، في حنية خارجية من حنايا بازيليك القديس بطرس، في ختام الذكرى المئوية الـ16 لوفاة القديس مارون. ورأى البابا في هذا اليوبيل «زمن نعمة» «يعطى للكنيسة المارونية»، و»تتويجاً» «لخدمة» البطريرك صفير «لمجد الله العظيم ومصلحة جميع المؤمنين».

السبت 26 شباط، وجّه البابا بنديكتوس السادس عشر رسالة إلى البطريرك صفير، ليشكره على خدمته بعد ترؤسه الكنيسة المارونية منذ نيسان 1986. قبل بنديكتوس السادس عشر استقالة الكاردينال صفير، وحيّاه على خدمته الرعوية قائلاً: «جابَ العالم لتعزية» شعبه. وأضاف البابا: «أرحّب بقراركم الحر والشهم الذي يعبّر عن تواضع كبير وتجرد عميق. وإنني متأكد من أنكم سترافقون دوماً درب الكنيسة المارونية بالصلاة والمشورة الحكيمة والتضحيات».

والمفارقة أنّ البابا بنديكتوس السادس عشر فاجَأ العالم بعد عامين من استقالة صفير عندما استقال من منصبه كبابا الفاتيكان، ليصبح أول بابا يستقيل منذ 600 عام!

تقدّم البطريرك صفير باستقالته مختاراً، وموجّهاً لجميع القادة أمثولة في الديمقراطية والتناوب على تحمّل الاعباء والمسؤولية. فلا توجّهوا أنظاركم فقط إلى الخارج، بل استقربوا إلى الداخل، ومن له أذنان سامعتان فليسمع.