IMLebanon

رسم الـ 2% على الإستيراد غير كافٍ

أكد بروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

أقرّت الحكومة مشروع موازنة العام 2019 وفيه بند إصلاحي بإمتياز يتخطّى الإصلاح المالي ويُمكن تصنيفه بالإصلاح الإقتصادي. هذا البند ينصّ على فرض رسم 2 في المئة على البضائع المستوردة مع بعض الإستثناءات.

يحتوي مشروع قانون الموازنة للعام 2019 على بند إصلاحي بإمتياز وهو فرض رسم جمركي على البضائع المستوردة مع إستثناءات نصت عليها المادة «ه» في المشروع (الصفحة 71): «يُفرض لغاية 31/12/2022 رسم مقداره 2% من قيمة البضائع المستوردة يتم استيفاؤه من قبل مديرية الجمارك العامة. تُستثنى من الخضوع لهذا الرسم الأدوية والسيارات الكهربائية والهجينة، والمواد الأوّلية وجميع الآلات والمعدات التي تُستخدم في الإنتاج المحلي والمحددة وفقاً للرموز 311 (زراعة) و321 (صناعة) من تعرفة الرسم الجمركي».

حسناً فعلت الحكومة في أخذ هذا القرار لما له من أهمية في اللعبة الاقتصادية وعلى رأسها حماية المنتجات الوطنية. فالفوائد الناتجة عن مثل هذا القرار كثيرة ونذكر منها:

أولاً – حماية السلع والبضائع المُنتجة محلياً وذلك من خلال إعادة التوازن في منافسة شرسة تميل لصالح الشركات والمزارعين في الخارج على حساب الشركات والمزارعين اللبنانيين.
ثانياً – خلق تحفيز طبيعي للمستثمرين للإستثمار في أعمالهم القائمة وحتى في إنتاج سلع وبضائع جديدة لا تُنتج في لبنان وذلك من خلال الزيادة الطبيعية في الربحية.
ثالثاً – تحفيز خلق وظائف جديدة من خلال الإستثمارات وقد أعطت المادّة الثامنة والسبعون في مشروع الموازنة (صفحة 83) حوافز للمؤسسات لإستخدام أجراء لبنانيين جدد ما يعني تكاملاً وتجانساً في مواد مشروع موازنة العام 2019.
رابعاً – تخفيف عجز الميزان التجاري من خلال رفع كلفة الإستيراد (بإستثناء المواد الأولية) ما يعني لجم شهية المستهلك اللبناني على البضائع الأجنبية وتحفيز إستهلاك البضائع اللبنانية.
خامساً – تخفيف عجز ميزان المدفوعات حكماً مع إنخفاض عجز الميزان التجاري وبالتالي تخفيف الضغط عن الليرة اللبنانية وإعفاء مالية الدولة من شبح وكالات التصنيف الإئتماني.
سادساً – تأمين مدخول إضافي لخزينة الدولة من خلال الرسم المفروض (أي 2%) وتُقدّر قيمة هذا المدخول في حال إستمر الإستيراد على الوتيرة نفسها ما بين 300 و350 مليون دولار أميركي.

تمايز في المصالح
برزت إلى العلن أصوات كثيرة تُندّد بهذا القرار بحجّة أنّ هذا الرسم سيرفع الأسعار. في الواقع هذه الحجّة ساقطة حكماً لأنّ مَن يرصد مؤشّر أسعار الإستهلاك يُمكنه ملاحظة أنّ الأسعار إرتفعت كثيراً بعد بدء مرحلة التطبيق الكامل لمعاهدة التبادل التجاري بين لبنان والإتحاد الأوروبي في آذار 2015. والتدقيق في هذه البيانات يُظهر أنّ الأسعار كانت مُتّجهة إلى الإنخفاض في النصف الثاني من العام 2014 وقسم كبير من العام 2015 تحت تأثير إنخفاض أسعار النفط، إلّا أنّ هيكلية المؤشّر تُثبت أنّ الأسعار إذا ما تمّ تصحيح مفعول إنخفاض أسعار النفط، هي بإرتفاع مُستمرّ.
من البديهي القول إنّ فرض رسم جمركي على الإستيراد يُغضب التجّار (المستوردون منهم بالدرجة الأولى) لأنه يُقلّل من حجم أعمالهم ومن ربحيّتهم في آن واحد، وذلك بحكم أنّ الطلب سينخفض. لكن في الوقت نفسه يُرضي هذا القرار الصناعيين والزراعيين لأنه يُشكّل نوعاً من الحماية لصناعاتهم ومنتوجاتهم.
وقد لاحظنا بعد إقرار الحكومة لهذا البند بروز جدل بين التجار والصناعيين وهو أمر طبيعي يفرضه تباعد المصالح بينهما. على هذا الصعيد يتوجّب القول إنّ هناك غياباً لقانون يرعى المنافسة يخلق هيكليات إحتكارية بامتياز في القطاع التجاري وحتى الصناعي. ويكفي ترتيب الشركات بحسب أنواع السلع لمعرفة أنّ الإحتكار (مدعوم بالفساد) يضرب العديد من القطاعات وبالتالي يمنع أية إستثمارات بحكم أنّ المُستثمر الجديد يعرف سلفاً عدم قدرته على خرق السوق.

الرقابة على الأسعار
هذا الواقع الجديد سيخلق حالة من شبه الفوضى في الأسعار في المرحلة الأولى والتي تبدأ مع بدء تطبيق قانون الموازنة. وقد يقع بعض التجار تحت التجربة من خلال رفع الأسعار على كل السلع المستوردة والمُنتجة داخلياً. وهذا الأمر يفرض على مديرية حماية المُستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة التشدّد في مراقبة الأسعار وقمع المخالفات بشدّة حتى لا يفقد الرسم المفروض فوائده الآنفة الذكر أعلاه.
وبالتحديد تمتلك مديرية حماية المُستهلك البيانات التاريخية لأسعار أكثر من 60 سلعة ومُنتجاً، وبالتالي باستطاعتها رصد أيّ ارتفاع غير مبرَّر خصوصاً إذا ما قام المواطنون بتقديم شكوى على الخطّ الساخن للوزارة.
أيضاً هناك إلزامية التشدّد في الرقابة على نوعية البضائع المُنتجة محلياً لرفع ثقة المُستهلك اللبناني بالسلع والبضائع اللبنانية وبالتالي زيادة الطلب على هذه السلع.

رسمٌ غيرُ كافٍ
رسم الـ 2% المفروض هو رسم غير كافٍ والسبب يعود إلى الكلفة الإضافية الضئيلة على فاتورة المُستهلك اللبناني. فبفرضية أنّ عائلة لبنانية تستهلك مواد غذائية مُستورَدة من الخارج بقيمة 1000 دولار أميركي شهرياً، فهذا يعني أنّ الكلفة عليها لن تتخطّى الـ 30 دولاراً أميركياً (مع الأخذ بعين الإعتبار التدوير في الأسعار وغيرها) وهذا الأمر غير كافٍ لإقناع المُستهلك اللبناني بتعديل سلوكه الإستهلاكي لتفضيل البضائع اللبنانية.
والأجدى بالحكومة كان فرض رسم يوازي الـ 8% (المُعدّل العالمي) على البضائع والسلع التي لها مثيل في لبنان والإبقاء على 2% على كل ما يُستورد ولا يُنتج في لبنان. بذلك تكون الحكومة قد وضعت حجّة مقنعة للمُستهلك اللبناني وفي الوقت نفسه تفادت رفع أسعار على كل باقي السلع أي بمعنى أخر لم تأكل من القدرة الشرائية للمواطن اللبناني.
على كل الأحوال تبقى هذه الخطوة أفضل من عدم وجودها وستُفرح قلب العديد من اللبنانيين وخصوصاً الشركات الصناعية والزراعية كما والشباب اللبناني الذي سيجد حكماً مجالاً للبحث عن وظيفة تليق به.
إذا كانت الموازنة بالمطلق تحتوي على ثغرات ولم تُكافح الهدر والفساد كما كان ينتظر العديد من اللبنانيين، إلّا أنه يتوجّب على الجميع سياسيين، مراقبين، تجاراً، صناعيين، زراعيين ومواطنين إعطاء فرصة لهذه الموازنة التي تشهد للمرّة الأولى في تاريخها خطوات إصلاحية مالية بإمتياز وحتى يُمكن القول بعض الإصلاحات الإقتصادية على مثال الرسم الموضوع على الإستيراد على الرغم من عدم وجود رؤية إقتصادية واضحة في الموازنة. وهنا يجب أن نوجّه أنظارنا إلى موازنة العام 2020 التي يجب أن يكون عنوانها الرئيس الإصلاح الاقتصادي علّنا نتحوّل من إقتصاد مُتعلّق بالإستيراد إلى إقتصاد يُلبي قسماً كبيراً من حاجاته وفي مرحلة ثانية يُصدّر إلى الخارج بعشرات مليارات الدولارات.