IMLebanon

نوبل في الطب… لجبران باسيل

كتب حسن عليق في “الاخبار”:

من المؤكد أن وزير الخارجية جبران باسيل، سيُرشَّح لنيل جائزة نوبل في الطب هذا العام. توصل أمس إلى اكتشاف لم يسبقه إليه أحد. منذ هزيمة النازية عام 1945، بدأت نظرية التفوق العرقي البيولوجي تتراجع في العالم. يجري التعامل معها كصنو للفاشية. أعتى عنصريي اليمين في الغرب ما عادوا يتحدّثون عن تميّز جيني. الكلام عن هذا الأمر بات شبه محظور. يخفي هؤلاء عنصريتهم تحت غطاء من «النظريات» الهوياتية. يُكثرون من الحديث عن الفوارق الثقافية والاجتماعية، وصعوبة اندماج «الغرباء» في المجتمع الأوروبي، وعن «الهوية المسيحية» لأوروبا، وعن الكلفة الاقتصادية للجوء، وعن أزمة الوظائف وعن مهاجرين «يريدون فرض نمط عيشهم» على المجتمعات المضيفة… يُكثرون من الحديث عن «الغرباء» الذين «لا يشبهوننا». لكن يصعب أن تجد اليوم بينهم من يحاجج بتفوّق جيني. هذه النظريات أثبت العلم أنها ليست سوى أوهام تعبّر عن عنصرية جاهلة، فيما تُعَدّ سياسياً نازية جديدة. لكن حتى النازيون الجدد يكادون يخجلون من التحدّث بها.

أما وزير خارجيتنا، المرشّح الأول لرئاسة جمهوريتنا بعد انتهاء ولاية العماد ميشال عون عام 2022، فأعلن أمس اكتشافه العلمي غير المسبوق في التاريخ البشري، الذي سيؤهله، بلا أدنى شك، لنيل جائزة نوبل. في مؤتمر الطاقة الاغترابية (لماذا لم يتغيّر اسمه إلى «مؤتمر الطاقة الانتشارية» – هذه التسمية أكثر حداثة، وتوحي بدخول لبنان نادي الدول النووية) قال باسيل:
«لقد كرّسنا مفهوماً لانتمائنا اللبناني هو فوق أي انتماء آخر، وقلنا إنه جينيّ وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معاً، لتحملنا وتأقلمنا معاً، لمرونتنا وصلابتنا معاً، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معاً من جهة وعلى رفض النزوح واللجوء معاً من جهة أخرى».
في زمن مضى، اختُرِع للبنان دور اقتصادي سُمِّي «صلة الوصل بين الشرق والغرب». مُنح هذا الدور أبعاداً ثقافية تتجاوز الاقتصاد، قبل أن يُرفَع إلى مصافّ الهوية الوطنية. الوظيفة انتحلت صفة الهوية. اليوم، بعد تغيّر العالم، وانتقال المركز الصناعي من الغرب إلى الشرق، وتحوّل دول ومدن آسيوية إلى أداء دور «صلة الوصل»، ووصول القطار من شواطئ بحر الصين إلى لندن، وخسارة لبنان لكل ما يتيح له الوقوف على مسرح الاقتصاد والثقافة العالمي، جاء وزير الخارجية ليعيد للبنان مجده، من بوابة علم الأنساب. بعبارة واحدة، فكّ العقد جميعاً. باتت للبنان هويته الجديدة: «هو الوطن الرافض للنزوح واللجوء معاً». واللبناني، جينياً، رافض للجوء والنزوح معاً. والأكيد أن نظرية باسيل تتضمّن فصلاً خاصاً عن طفرة جينية أصابت اللبنانيين بعد الحرب العالمية الأولى. فجينياً، تمكّن اللبنانيون سابقاً من تقبّل اللجوء والنزوح: أرمن وسريان وكلدان وأشوريون وسواهم من لاجئين ونازحين صاروا لبنانيين منذ أكثر من 100 عام. صاروا لبنانيين من قبل أن يكون لبنان. يمكن، علمياً أيضاً، الاستنتاج أن هذه «الطفرة التطورية» أصابت اللبنانيين بعد إعلان إقامة دولة لبنان الكبير. وعلمياً أيضاً، يمكن الجزم بأن «الطفرة التطورية» ذاتها أدت إلى التمييز، جينياً، بين ابن طرطوس وابن عكار، وبين ابن صور وابن حيفا، وبين ابن الهرمل وابن حوض العاصي وحمص، وبين ابن عين دارة وابن السويداء، وبين ابن عكار وجبل لبنان وابن وادي النصارى، وبين ابن عرسال وابن فليطا، وبين ابن وادي التيم وابن الجولان…
معالي الوزير، منذ زمن بعيد، نحن ندرك ما تفضّلت بقوله قبل أسبوع: نحن نعيش في «عصفورية». يمكننا، علمياً أيضاً، الجزم بأن أكثريتنا مدركون لذلك. مدركون لذلك، ومتعايشون معه، وراضون بألّا نغيّر ما فينا.
معالي الوزير، خذ ما تريد. الرئاسة والسياسة والوزارة والنفط والغاز والكهرباء. خذ ما تشاء. لكن نرجوك… نرجوك، اترك لجنوننا حدوداً. رضينا بـ«العصفورية». لكن نرجوك أن تُبعد عنا «الأفكار» و«النظريات» التي أوصلت البشرية سابقاً إلى «أوشفيتز». معاليك، هل تُدرك حقاً ما قلتَه أمس؟ معاليك، خذ ما تريد، إلا العلوم الجينية يا معالي الوزير. إلا النازية. خذ ما تريد، لكن اترك لنا أنسابنا، و«قبور أجدادنا» المنتشرة، على أقل تقدير، ما بين اليمن وطور عابدين. لا نهوى، رغم جنوننا، التلاعب بها.