IMLebanon

بعد إخلاء سبيله… نزار زكا جاسوس أميركي أم ناشط للحريات؟

كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:

انتهت الثلثاء فصول حكاية اللبناني المعتقل في السجون الإيرانية نزار زكّا بعدما احتُجز منذ أيلول 2015 حتى أمس. ولم يعد السؤال المطروح هو لماذا أُخلي سبيله في هذا التوقيت أو مَن كان له الفضل في استعادة حرّيته. بل إنّ ثمة علامات استفهام أساسية تثير الجدل: هل إنّ زكا جاسوس أميركي أم مجرد ناشط للحرّيات؟

أتى الإفراج عن زكا مبادرة حسن نيّة من ايران تجاه الدولة اللبنانية وليس لإقتناع ايراني ببراءته، وقد حرصت على إمرار رسائل بأنّ إخلاء سبيله «المشروط» لم يكن نتيجة حسن العلاقات بين ايران ولبنان بل اكراماً واحتراماً للأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله، بحسب ما أعلنت وكالة «فارس» الايرانية، على رغم من أنّ تسليمه كان للمديرالعام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يمثّل الدولة اللبنانية أولاً وأخيراً، وأوّل زيارة قام بها زكا كانت لرئيس الجمهورية اللبنانية لشكره على المساعي التي آلت إلى خروجه من السجن.

كل المؤشرات تؤكّد أن لا دور أميركيّاً في قضية زكا، بل إنّ نجل زكا قد التقى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لحضّه على المساعدة في إطلاق والده، إلّا أنّ المسؤولين الأميركيين لم يعترفوا ببذل أيّ جهود لمصلحة زكا.

لم يتغيّر موقف طهران من زكا، إذ إتهمه القضاء الإيراني بأعمال تجسّسيّة لمصلحة الدولة الأميركية، مرتكزاً الى سببين:
ـ الأول، أنه يتلقّى تمويلاً أميركياً كونه الأمين العام لمنظمة «اجمع»، وهي عبارة عن تكتل لشركات من 13 بلداً تروِّج لتكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط. زكا اتّهم في ايران بأنه ينظّم دورات لمعارضين ايرانيين في اماكن عدة في الشرق الأوسط.
ـ ثانياً، تسلّحت السلطات الايرانية باتهام زكا بالتعاون مع الجيش الأميركي بعدما نشرت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية في تشرين الثاني 2015 صوراً يظهر فيها زكا مرتدياً بزة عسكرية أميركية ويقف بجانب مسؤولين أميركيين.

لكنّ زكا وأفراد عائلته نفوا مراراً وتكراراً هذه الاتهامات فهو وُلِدَ في شمال لبنان، وانتقل إلى الولايات المتحدة عندما كان مراهقاً هرباً من الحرب الأهلية في لبنان، ثم التحق بالمدرسة في جورجيا قبل أن يتخرج من جامعة تكساس عام 1990. عمل في تكنولوجيا المعلومات في تكساس والشرق الأوسط وقد نال اقامة اميركية دائمة عام 2013، وليست الصور التي روّجتها وكالة «فارس» عنه بالزيّ العسكري سوى مناسبة احتفالية ليوم واحد في اكاديمية ريفرسايو في غينزفيل جورجيا.

من جهة أخرى، يعترف الجميع أنّ منظّمة «اجمع» التي تدافع عن حرية تكنولوجيا المعلومات في المنطقة مقرّها واشنطن وتتلقى سنوياً ما لا يقل عن 730000 دولار على شكل عقود، ومنحاً من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لكنّ هذا لا يعني أنّ لها ارتباطات أمنية وتجسّسيّة بل تدعو إلى حرّية الإنترنت في كل أنحاء الشرق الأوسط.

ولا شك في انّ قضية الافراج عن زكا خضعت لتجاذبات بين الإصلاحيين والمتشدّدين في ايران، وتبدو بصمات الرئيس حسن روحاني المتجاوبة مع رسالة الرئيس ميشال عون واضحة بفكّ قيوده وإعادته إلى لبنان.

وتُعزّز هذه الوقائع فرضيّة عدم التدخّل الأميركي في هذه القضية لأنّ ايران تعتقل أميركيين ايرانيين في سجونها ولم يحظوا بالمبادرة نفسها التي حظي بها زكا. أما أبرز المعتقلين الأميركيين المتحدرين من أصل ايراني فهم الصحافي جيسون رضيان من صحيفة «الواشنطن بوست» والضابط في مشاة البحرية الأميركية أمير حكمتي، والقس سعيد عابديني ورجل الأعمال سياماك نمازي، علماً أنّ الخارجية الأميركية تُقرّ بأنّ ملف زكا يخصّ لبنان وايران.

ربما اعتُقل نزار زكا بناءً على معلومات ايرانية مغلوطة أو نتيجة عملية شدّ حبال اميركيّة ـ ايرانيّة خصوصاً وأنّ تهمته بُنيت على استنتاجات غير دقيقة. وبعدما لاحظ الايرانيون قلّة اهتمام اميركيّة بملفه باعوا القضية للبنان وخصوصاً انها أصبحت لا تُصرف في سوق المقايضة السياسية، بل صارت عبئاً على السلطات الايرانية التي أرادت إظهار حسن نيّتها حيال اصدقائها في لبنان.