IMLebanon

“سَرطانان” يفتكان بالوطن: التوطين والفساد!

كتب ريمون شاكر في صحيفة “الجمهورية”:

فـي الوقت الذي يدرس نصف مـجلس النواب موازنة 2019 فـي لـجنة الـمال، والتـي درسها وزراؤهم فـي الـحكومة طوال عشرين جلسة، وإلى حيـن الانتهاء من الدراسة ثـمّ الـمناقشة الإستـعراضية، فـي الـمجلس وأمام الشاشات، يكون عدد اللاجـئيـن الفلسطينيـيــن والسوريــيـن قد زاد حوالـى 8000 لاجئ، وهو عدد الأطفال الذيـن سيولدون فـي هذه الفتـرة. وتكون قيمة الأموال الـمنهوبة فـي الدولة قد إرتفعت 600 مليون دولار، إذ تُقدَّر كلفة الفساد حوالـى 5 مليارات دولار فـي السنة، وتشمل هذه الكلفة خسائر القطاع العام جرّاء الـهدر والنهب والتهـرّب الـجمركي والضريـبـي والـمناقصات الصوريّة والتوظيف العشوائي للأزلام والـمحاسيب فـي الوزارات والإدارات العامة والبلديات.

فـي كل حال، أدرسوا ما شئـتـم أيـها النواب، ولكن تذكّروا أنه لـم يبق من السنة سوى أقلّ من ستة أشهر، وعليكم تـحضيـر موازنة 2020، وإيـجاد حلول سريعة للوضع الإقتصادي والـمعيشي الذي ينذر بكارثة إجتـماعية، وللسرطانيـن اللذيـن يفتكان بالوطن: التوطيـن والفساد.

إنّ حديث السيّد حسن نصرالله عن النازحيـن والتوطيـن جاء بـمثابة تـحذير واضح من الـخطر الذي سيواجه لبنان فـي الـمستقبل القريب، بعدما أصبح 50 فـي الـمئة من سكانه من الفلسطيـنيـيـن والسوريـيـن.

قبل إعلان «صفقة القرن»، وبـحكم الأمر الواقع، إستوطن الفلسطيـنـيـون لبنان منذ 71 سنة، وهم باقون فيه، لأنّ اليهود الصهاينة إغتصبوا أرضهم، واستوطنوا فيها، ولأنّ حقّ الـعودة سقط، وسبق أن أعلن ذلك أكثـر من مسؤول فلسطيـنـي.

أمّا السوريون، فـهم موجودون عندنا منذ 8 سنوات، ويتكاثرون بشكل تصاعديّ. فالـخصوبة العالية فـي مـخيّمات اللاجئـيـن لا يـمكن إيقافـها، ولا يـمكن لأيّ سياسة أن تـحدّ من ولادات السوريـيـن، ما يـجعل عدد الولادات السنوية بيـن اللبنانيـيـن والسوريـيـن شبه متقاربة، وإذا احتسبنا ولادات الفلسطيـنيـيـن يصبح عدد ولادات اللاجـئيـن أكبـر من ولادات اللبنانيـيـن.

لقد سـمّينا السوري باللّاجئ عمداً، لأنّ هناك خطأ شائعاً يردّده السياسيون ومعظم الناس، فيسمّون الفلسطيـنـي باللاجئ، والسوري بالنازح. فيـما الإثنان لاجئان، وخطر توطينهما متساو. فالنازح هو الشخص الذي يتـرك منطقته ويتوجه إلى منطقة أخرى ضمن البلد نفسه. والعوامل التـي تدفعه إلى النـزوح كثـيـرة، لكنّ أهـمّها انعدام فرَص العمل والتعليـم والفقر. وفـي الغالب يعود النازح إلى منطقته الأصلية فـي حالة انتفاء عوامل الدفع، لأنه لا يزال فـي بلده.
أمّا اللاجئ، فهو الشخص الذي يتـرك بلده إلى بلد آخر خوفاً على حياته (كما حصل مع الفلسطيــنـي والسوري)، ولا يتـمّ اللـجوء إلّا بـموافقة الدولة الـمستقبِلة له. هذا اللاجئ لا يعود بسهولة إلى بلده إذا طالت فتـرة لـجوئه، لأنه يعتاد على نـمط معيّـن من الـحياة ويتأقلـم مع الـمجتمع الـمُضيف، وخصوصاً إذا توفّرت له سبل حياة أفضل من الـحياة فـي وطنه الأمّ.

إنّ الأطفال السوريـيـن الذين يولدون فـي لبنان، ويتعلّمون فـي مدارسه، وغداً سيعملون فـي مؤسّـساته، ويأكلون من خيـراته، ولم يعرفوا شيئاً عن وطنـهم، لـن يعودوا طوعاً إلى سوريا، لا هم ولا أهلـهم، مهما كانت التطمينات.
لقد ربطت السلطات الروسية عودة اللاجئيـن السوريـيـن بإعادة إعمار سوريا، وربط الـمجتمع الدولـي عودتـهم بالـحلّ السياسي، فـهل يـمكن أن يــنـتظر لبنان عشرات السنيـن، كما انتظر يائساً عودة الفلسطينيـيـن؟

لا يكفي أن تكون مقدّمة الدستور قد أكّدت على رفض التوطيـن، ولا يكفـي أن يصرّح الـمسؤولون أنـهم ضد التوطيـن، كما يـجب عدم الإكتفاء بقول الرئيس بشار الأسد إنه «يرحّب بعودة النازحيـن ويضمن أمنهم وأمانـهم». بل يـجب وضع خطة لبنانية – سورية مشتـركة بغطاء روسي وأميـركي، وبإشراف الأمـم الـمتحدة، تبدّد مـخاوفـهم وهواجسهم وتقدّم لـهم مساعدات وإغراءات مالية مقابل عودتـهم إلى ديارهـم.

إنّ حجم الـخسائر الإقتصادية التـي لـحقت بلبنان نتيجة أزمة اللجوء السوري بلغ حوالـى 25 مليار دولار، بيـنما لـم يـحصل لبنان إلّا على حوالـى 11 مليار دولار على شكل مساعدات. وانـخفض الناتـج الـمحلي من 8 في المئة عام 2011 إلى أقلّ من 1 في المئة عام 2019، وازدادت نسب البطالة والفقر والـهجرة إلى مستويات كارثية.

إنّ توطيـن الفلسطيـنـيـيـن صار واقعاً مفروضاً وإن مرفوضاً، والـخوف أن يصبح توطيـن السوريـيـن مطلوباً ومفروضاً.
أمّا السرطان الثانـي الذي يفتك بالوطن وينـخر لـحمه وعظمه وموازناته وإيراداته، هو الفساد الـمتغلغل فـي كل مفاصل الدولة. فعلـى الرغـم من أخبار الإثراء غيـر الـمشروع واستغلال النفوذ التـي تضـجّ بـها الـمجالس اللبنانية، لـم تُشكَّل حتـى الآن الـهيئة القضائية العليا لـمحاربة الفساد، ولـم يُطبّق قانون من أين لك هذا؟

سنكتب عن موضوع الفساد مطوّلاً فـي مقال آخر لضيق الـمجال، ولكن الـمشكلة كما وصفها أحدهم: فاسدون ضد الفساد، وأغبياء ضد الـجهل، ومنـحرفون ضد الرذيلة. تلك معالـم مشهد بات يـتكرّر بانتظام.