IMLebanon

بين القبور والنجاح (بقلم بسام أبو زيد)

يحتاج المسيحيون في لبنان إلى التطلع إلى مستقبلهم وكيفية الحفاظ على وجودهم الفاعل على الساحة اللبنانية، وبقائهم في هذا الأرض كي تبقى هوية الوطن تعددية منفتحة وتشكل بالفعل جسر تواصل بين الشرق والغرب.

لا يحتاج المسيحيون بين الفترة والأخرى إلى العودة إلى الماضي ونبش القبور، ويبدو أن من اعتاد العودة إلى الوراء في هذه الأمور لم يستخلص العبر من التجارب السابقة، ولاسيما التجارب الدموية التي مرّ بها المسيحيون في الاقتتال مع الآخرين أو بين بعضهم البعض.

بعض الذين يمتهنون العودة إلى الماضي يعتقدون أن تلك الوسيلة هي السلاح الذي سينتصرون به في السياسة وفي الشعبية  على خصومهم المسيحيين، مستندين بذلك إلى تجارب سابقة، ولكن هؤلاء يدركون في قرارة أنفسهم أن تلك الوسيلة لم تعد ناجعة، فالرأي العام المسيحي وبغالبيته أصبح يرى في عملية نبش القبور وسيلة لزيادة التوتر والانقسام والتشرذم، كما أنه يرغب في الخروج من ذاك الماضي الأليم للتوجه نحو مستقبل مشرق، علما أن هذا الرأي العام يدرك تماما أن ليس المسيحيين فقط من خاضوا الحرب ومن أسسوا المليشيات، فهم فعلوا ذلك للدفاع عن أنفسهم وسقط لهم آلاف الشهداء في زمن الحرب ودفعوا شهداء أيضا في زمن السلم، في حين أن بعض من يصر على العودة إلى الماضي لم يعرف معنى الدفاع عن مدينة أو قرية أو شارع أو مجموعة مسيحية في أي بقعة من الأرض اللبنانية فهو لم يكن قد رأى النور بعد، أو أنه كان صغير السن لا يدرك أبعاد ما يجري، أو أنه كان في مقلب آخر أو كان لامبالٍ يعيش في عالمه الخاص إلى أن استفاق على حقائق مشوهة ومزورة يريد البعض تعميمها، وقد نجحوا في ذلك لفترة قبل أن تستدرك غالبية الرأي العام المسيحي حقيقة ما يجري.

وانطلاقا من هذا الواقع يفترض بكل فريق مسيحي أن يدرك بالفعل حجم ما قام به في سبيل لبنان واللبنانيين جميعا، ويُفترض أن يقتنع بأن مصادرة تضحيات الآخرين لا تكسبه المزيد من الصدقية والحجم، ففي التاريخ والأحداث كل الوقائع والوثائق والشهود يشكلون الوسيلة الأساس في تبيان الحقائق وحجمها ولا تنفع خطابات وصراخ في تغيير هذه الوجهة ولو استطاع البعض التعمية عليها لفترة من الوقت.

في الأخطاء المسيحية أيضا عندما يحتسب البعض إنجازات في الدفاع عن لبنان وشعبه قام بها الجيش اللبناني لمصلحته كفريق سياسي. لقد كان هؤلاء الضباط والجنود يدافعون عن كل لبنان، عن الأرض والسيادة والاستقلال. لم يدافعوا يوما عن شخص ولم يستشهدوا في سبيل شخصية. لم ينتموا إلى حزب أو تيار أو جماعة، لم يتقاضوا رواتبهم من هذا الزعيم أو ذاك، سمعوا وصدقوا شعارات عن دولة قوية قادرة وحدها تحمل وتمتلك السلاح، ولذلك استمروا بالقتال حتى الرمق الأخير، ولم يكونوا يوما ميليشيا تتبع لحزب أو لشخص ولن يكونوا.

ما يحتاجه المسيحيون هو وقف نحر الذات ووقف تحريك السكين في جروح يجب أن تندمل وتشفى. وما يحتاجه المسيحيون هو أن يتقبلوا بعضهم البعض وان يُسقط بعض زعمائهم نظرية المؤامرة والتآمر من عقولهم، فلا أحد بإمكانه أن يحول نجاحا إلى فشل ولا أحد بإمكانه أن يقنع كل البشر أن فشله نجاح.