IMLebanon

الهجوم على الحريري: صدام بين خيارين رغم التسوية

كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:

يفترض ألا يكون مفاجئاً الهجوم على رئيس الحكومة سعد الحريري و”الحريرية السياسية”، من قبل “التيار الوطني الحر” بعد بيان “تكتل لبنان القوي” الذي تبنى، مواربة، حملة أحد نوابه على مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري محملاً سياساته وزر ما آلت إليه الأزمة الاقتصادية والمالية.

“التيار الحر” يكرر ما يردده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أنه ورث ما خلفته سياسات اعتمدت منذ عام 1992، متبرئاً من مسؤولية تأخر المعالجات.

يتناسى أصحاب هذه النظرية دور الهيمنة السورية على القرار اللبناني في الحؤول دون نجاح جهود الحريري الأب لتصحيح الاقتصاد. قالها سعد الحريري حين ذكّر مراراً بالعراقيل المقصودة في دواليب والده لتنفيذ قرارات باريس 1 و2 و3 الإصلاحية. عراقيل، لأن الحريري الأب أخفق في الحد منها، فقد الأمل (على رغم “صبر أيوب”) من خيار الملاءمة بين الوجود السوري في البلد وبين استقلالية الدولة اللبنانية، فانضم تدريجاً إلى المطالبين بإعادة انتشار الجيش السوري لتقليص هيمنته على قرارها. أليس هذا ما قاد إلى شطب رفيق الحريري؟

الحديث عن مسؤولية الحريرية عن الوضع الاقتصادي نوع من التبرئة لمرحلة القبضة السورية، ما يضفي على اتهام الحريرية أهدافاً سياسية باسم الحرص على الاقتصاد. وتحميل وريث الحريري وفريق 14 آذار مسؤولية تراجع الاقتصاد، بعد عام 2005 ، هو صدام بين خيارين سياسيين على رغم التسوية، وليس بين نهجين اقتصاديين، بدليل أن معظم المعالجات المطروحة الآن ترداد لتلك التي احتوتها أوراق حريرية كان الرئيس فؤاد السنيورة أحد معديها، بمشاركة معاونين لرئيس البرلمان نبيه بري، منذ 1998.

إدانة مرحلة ما بعد 2005 من قبل العهد ورجاله، يرد عليها سعد الحريري بحديثه عن مراحل “التعطيل” التي تخللتها والحروب التي افتعلت. وإذا كان زعيم “المستقبل” يكتفي بالتلميح حرصاً على “التسوية الرئاسية”، حول دور قوى 8 آذار وحليفه “التيار الحر”، (وهذا ما يأخذه عليه بعض جمهوره أحياناً)، فإن من لديه ذاكرة لا يقفز فوق مسؤولية التأزم السياسي آنذاك: شل حكومة السنيورة في 2006-2007 بفعل الخلاف على المحكمة الدولية، مروراً بآثار عدوان إسرائيل في تموز، ثم إقفال وسط بيروت وتهجير المستثمرين منه، وصولاً إلى 7 أيار 2008 ، إلى جانب الفراغ الرئاسي زهاء 7 أشهر وإضاعة أشهرٍ قبل تأليف حكومتي السنيورة ثم الحريري، وافتعال قصة “الشهود الزور” وتطيير حكومة الأخير، واستبعاد فريق أكثري عن الحكومة البديلة، وإضاعة 11 شهراً لتأليف حكومة الرئيس تمام سلام وشل عملها باسم استعادة حقوق المسيحيين بانتخاب العماد عون للرئاسة، بالتوازي مع امتداد الفراغ الرئاسي سنتين و5 أشهر.

يقاس افتعال التعطيل بالسنوات مع إضافة الأشهر التي استغرقها البحث بقانون الانتخاب في العهد الحالي، ثم المرات التي أدى الخلاف على التعيينات الإدارية، والمماحكات باسم الصلاحيات واستعادتها من “السنية السياسية” وعلى اتفاق الطائف، وسياسة النأي بالنفس، والأشهر التسعة لتأليف الحكومة، وحادثة البساتين- قبرشمون… إلى تجميد الحكومة.

التسوية لم تمنع فريقاً من التسلح بالتعطيل للاستئثار. وعليه ألا يتفاجأ أن تتنامى النقمة ضده مثلما حصل مع فريق الهيمنة السورية، طالما يستند إلى ميزان قوى إقليمي. ولا يفيده الهجوم على سعد الحريري في القفز فوق الوقائع اللبنانية، لتغطية منافع يريدها من السلطة، نقيضة لمطلب الشراكة وشعار الإصلاح. والإخلال بالتوازن مع الحريري أقصر الطرق إلى الانحدار.