IMLebanon

الوجه الآخر من الثورة: إقامة جبرية وفقدان مواد أولية.

كتب ناجي شربل في صحيفة الأنباء :
يزهو اللبنانيون بثورة شعبهم الحضارية التي انطلقت من عناوين مطلبية، وحافظت حتى كتابة هذه السطور على سلميتها، وكسرت ما اعتبر محاذير غير قابلة للمس.

لكن مهلا.. في مقابل اعتصام الناس وازدحامهم في الساحات بحشود غير مسبوقة، يشكو قسم لا بأس به، وخصوصا من القاطنين في بقعة جغرافية كبرى، كانت تعرف أيام الحرب الأهلية بـ «المنطقة الشرقية» من بيروت (تحديدا المنطقة المسيحية)، من فرض إقامات جبرية عليهم، وحصرهم في أحياء داخلية ومنع تنقلهم خارج الأحياء الا عبر طرق بديلة، مع انتشار ظاهرة «قطاع الطرق»، من شبان مكودرين في مجموعات منظمة، وينقصهم فقط حمل السلاح وارتداء زي عسكري!

ووصلت الأمور بهؤلاء الى حد طلب أوراق ثبوتية للعابرين للتأكد من قصدهم وجهة عملهم.. نعم دولة بديلة على الأرض(!) والناس غير مصدقين.

ويصر المعترضون على هذه الظاهرة التي تذكرهم بأيام الحرب الأهلية، والذين لم يعرفوا مثيلا لها في عز تلك الحرب وحتى في حرب يوليو 2006 الاسرائيلية على لبنان، يصرون على التمييز بين حرية المتظاهرين في التجمع في الساحات، وحرية الآخرين في التنقل لجهة التوجه الى أعمالهم او تفقد ذويهم في مناطق مجاورة.

مشاهد لافتة يغيب عنها الاعلام التلفزيوني لجهة عدم بث صور الشبان الذين يغلقون الطرقات ويحرسونها لتضييق الخناق على الناس.

مواد غذائية بدأت تنفد من السوبر ماركت والدكاكين الصغيرة المنتشرة في الاحياء في طليعتها مياه الشرب، الى الخبز وغيرهما، وصولا الى شكوى الصيدليات من نقص حاد في الأدوية وخصوصا للذين يعانون من الأمراض المزمنة. في حين أن لا أحد يهتم بالوقود كون التنقل غير متاح.

حتى القيام بالواجبات الاجتماعية كالمشاركة في الجنازات صار إنجازا، اذ يستوجب ذلك سلوك طرق بديلة عدة، وتحمل الذل الذي يمارسه من يقطعون الطرق على المجازفين من العابرين.

أجواء يشبهها البعض، وخصوصا الذين يتذكرون انطلاق شرارة الحرب الأهلية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بـ «الغيوم الملبدة الشديدة، لجهة تقطيع أوصال المناطق تمهيدا للانفجار الكبير، في ظل الصمت الرسمي والوقوف جانبا من الجهات الرسمية المخولة فرض الأمن، تحت ذريعة عدم التعرض للمتظاهرين والاحتكاك بهم».

عوائق وسواتر ترابية تشبه كثيرا تلك التي عرفت بـ «خطوط التماس» أيام الحرب.

الناس غير مصدقين ان البعض يريد إعادة عقارب الزمن الى الوراء، الى ظهيرة ذلك الأحد من 13 أبريل 1975، حيث أدخلت «بوسطة عين الرمانة» البلاد في حمام دم استمر حتى نهاية 1990.

صرخة «غير مطلبية» من قسم آخر من الشعب اللبناني: حمى الله لبنان.