IMLebanon

التلوث وأمراض الرئة

كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:

 

الغابات رئتا الأرض. وعندما تتضرّر، يطال الضرر تلقائياً رئة الإنسان. فما الأثر الذي خلّفته حرائق غابات الشوف على صحتنا؟ وما أثر حرق الإطارات في المظاهرات الراهنة؟
في حديث لـ«الجمهورية»، تناول الدكتور غسان سليلاتي، رئيس مركز الأبحاث السريرية في مستشفى أوتيل ديو جامعة القديس يوسف، موضوع علاقة التلوث بأمراض الرئة. قال: «أكثر أمراض الرئتين شيوعاً هو الربو، وأمراض التحسّس، والالتهابات الصدرية، وقصور التنفّس (بسبب التلوث لاسيّما التدخين)، والأمراض السرطانية في الرئة، وهي نسبة عالية جداً في لبنان». وأشار إلى أنّ «نسبة أمراض الرئة الخلقية ضئيلة جداً، إذ انّ أغلبها ناتج عن التلوث البيئي». وأضاف سليلاتي: «مقارنة بالدول المجاورة والدول الغربية، نسبة السرطان في لبنان مرتفعة جداً، ولا عجب من ازديادها الهائل نتيجة العوامل البيئية الملوثة يوماً يعد يوم».

صلة التلوث بأمراض الرئتين
شرحَ د. غسان أنّ «الرئة مدخل الهواء إلى الجسم. والرئة تنقّي الهواء، وتُدخِل الأوكسيجين الضروري إلى الجسم كي يعمل بشكل جيد. إذاً كل مكونات الهواء التي تدخل الى الرئة وليس لها وظيفة عضوية، قد تسبب مشاكل في الرئة. وتحلّ المشكلة عندما تدخل هذه المكونات إلى الدم، وتتفاعل مع الجسم، وتؤدي إلى أمراض مزمنة تظهر بعد زمن طويل، إذ يكون قد تراكم التلوث لسنوات طويلة، ولا تبدأ العوارض بالظهور قبل وصول الرئتين إلى حالة متعبة جداً». وتابع غسان: «إنّ المكونات البيولوجية الناتجة عن الحرائق، والمبعوثات العضوية وغير العضوية، ودخان المعامل، والروائح النتنة… كلّ هذه المكوّنات التي تتحلّل بطريقة لا تفيد البيئة، تتكاثر في الجسم وتسبّب أمراضاً سرطانية وغيرها. كما أنّ تلوّث المياه والطعام يؤثر على صحة الرئتين كما على أيّ عضو آخر في الجسم».

لبنان والتلوث البيئي
شدّد سليلاتي: «صحيح أنّ حرائق الشوف انتهت، ولكنّ التلوث ما زال موجوداً 24 ساعة 7 أيام في الأسبوع. وانّ بقايا الحرائق يبقى لأسابيع أو حتى لأشهر، من حيث الخلل البيئي الذي أحدثته، ما يؤثر على صحة جميع السكان. لدينا مشكلة كبيرة جداً في لبنان، وهي أننا لا نملك ثروة بيئية كافية قادرة أن تزيل هذا التلوث البيئي الهائل». وأضاف: «ما من دراسات دقيقة حول ارتفاع أمراض الرئة المزمنة الناتجة عن التلوث في لبنان، ولكن من خلال معالجة المرضى، بإمكاننا كأطباء التأكيد على أن النسبة ارتفعت كثيراً في الأعوام الفائتة».

وفقاً للدكتور سليلاتي، انّ «الجنين في بطن الأم محمي بواسطة البلاسينتا الذي يمنع مرور النسبة الأكبر من المكونات التي قد تؤذيه إليه، والأمر الإيجابي أنّ الجنين في بطن أمه لا يتنفس عبر رئتيه قبل الولادة، لذا لا خطر على الرئتين من الهواء الملوث. ولكن إن كانت تسكن الأم في منطقة عالية نسبة تلوّثها (مياه وهواء وطعام)، تدخل الملوثات إلى جسم الأم، ثمّ الى دمها، فدم الجنين. وتظهر آثار هذا التلوث في الطفل لاحقاً».

نصح د. سليلاتي النساء الحوامل «تفادي التظاهرات التي فيها حرق إطارات وغيرها، فمن حقّ الأمهات ممارسة حقهنّ في التظاهر، ولكن عليهنّ الانتباه أكثر وأخذ الحيطة. وإن لم يتأثر الجنين مباشرة بالتلوث لأنّه محميّ، فقد تتأثر الأم بالتلوث (تأثر الرئتين، انخفاض نسبة الأوكسيجين في الدم لاسيّما في الأماكن المكتظة، إلخ). إذاً قد لا يصيب الضرر الجنين نفسه، بل الحبل، وهذا أمر خطر أيضاً».

التلوث القصير والطويل الأمد
لفت د. سليلاتي إلى وجوب «التمييز بين التعرّض لمدّة قصيرة لمكونات تزعج الرئة والتعرض لسنوات للتلوث. فيتأثّر شخص لديه استعداد للتحسّس، أو يعاني من مرض رئوي بالتلوث القصير الأمد، إذ تتفاقم حالته، ولكن يتحسن وضعه بعد فترة. ولا يبقى أثر للتلوث القصير الأمد على صحته على المدى الطويل. أما التعرض لفترة 5 أو 10 أو 20 سنة لنسبة تلوث عالية، فتؤدي إلى ظهور مشاكل الرئتين على صعيد الخلايا. فضلاً عن ذلك، يسبب التعرض للملوثات الكيميائية تحوّلات جينية (أي خلل في نظام الرئتين الخلوي)، ويدفع أنواع من الجينات إلى تسهيل ظهور السرطان خصوصاً».

هل يمكن عكس أثار التلوث؟
كما ذكرنا سابقاً، «إنّ التعرض لفترة 5 أو 10 أو 20 سنة لنسبة تلوث عالية، تؤدي إلى مشاكل في الرئتين على صعيد الخلايا. إذاً حتى ولو نقل فرد سكنه إلى منطقة خفيفة التلوث بعد السكن في منطقة عالية التلوث لسنوات طويلة، إنّ احتمال عودة صحته إلى الحالة الطبيعية ضئيل، فتبقى آثار التلوث فيه من 5 إلى 10 سنوات حتى تزول. وإنّ من يعاني اليوم من أمراض في الرئتين مثل قصور التنفس، وأمراض الرئة المزمنة، وسرطان الرئة وغيرها، هذه نتائج 5 و10 و15 سنة من التلوث، ظهرت اليوم. وإذا وضعنا المريض بعد إصابته في بيئة نظيفة، من الصعب جداً أن يستعيد التنفس الطبيعي».

نصائح للمتظاهرين
نصح د. غسان من يعاني أصلاً من مشاكل في الرئتين (مثل القصور، والتحسّس وغيرها) بـ»تفادي التواجد في أماكن فيها نسبة ضئيلة من الأوكسيجين ونسبة عالية من الملوثات. كما يجب وضع الكمامات لحماية الجهاز التنفسي أثناء التواجد في أماكن ممائلة، والابتعاد جسدياً عن مكان حرق الإطارات، لاسيّما الأماكن المغلقة أو المسقوفة، إذ تنقص في هذه الأماكن نسبة الأوكسيجين، وترتفع نسبة التلوث، لاسيّما مع الاكتظاظ والتدافع».

ختاماً، نبّه الدكتور غسان سليلاتي القراء أنّ «نسبة التلوث في لبنان مرتفعة جداً، وهي ليست وليدة اليوم أو البارحة، بل هي مسألة 10 و20 و30 سنة من تراكم التلوث في لبنان، ونصحهم بألّا يهملوا أنفسهم. و»في حال ظهور عوارض ولو كانت بسيطة، استشيروا الطبيب وتداركوا المرض باكراً، إن كان مرضاً سرطانيّاً أو لا». فالحلّ دائماً أسهل في حالات الكشف المبكر. و»أودّ تنبيهكم من مسألة أخرى، وهي التدخين. إنّ التلوث عال جداً في هذا البلد، وآخر ما نرغب فيه هو زيادة نسبة التلوث. إنّ التلوث القائم ناتج بالطبع عن سياسات قديمة، ولكن ما يمكننا نحن كأفراد فعله هو عدم التدخين، وأقصد بالتدخين السجائر والنارجيلة والسيجار. فنسبة التدخين في لبنان من أعلى نسب التدخين في العالم!».